مكتب الثقافة والاعلام القومي
بسم الله الرحمن الرحيم
للكتاب والقراءة أهمية عظمى في حياة الأمم والشعوب، وفي عالمنا المعاصر حيث تحتدم التحديات والمتغيرات في مختلف الاصعدة والمجالات ، اصبحت المعرفة احد اهم الاسلحة التي تتسلح بها الشعوب في كفاحها حتى اضحت حاجة جوهرية لا غنى عنها من اجل البقاء وتحقيق التطور والازدهار.
وفي ظل عمليات التجهيل المنَظَم والمتَعَمَّد للاجيال الصاعدة من الشباب في وطننا العربي يحتل هذا الامر اهمية استثنائية.وتساهم العديد من الاصدارات العربية الحديثة في القاء الضوء على القضايا الملحة في وطننا العربي، وتنوير الرأي العام ونخبه الفكرية والثقافية، وتعميق الوعي لديها، فتشكل منارات هادية تضئ الطريق امام ابناء الامة ولا سيما اجيالها الصاعدة ، لتتزود منها بالمعرفة اللازمة لمواصلة الطريق في دفاعها عن خيارات الامة وحقها في الحياة ومواصلة رسالتها الخالدة بين الامم.
يسلط برنامج ” كتاب الشهر ” الضوء على هذه الكتب ويتناول بعدها القومي وتأثيراتها ودورها في تعميق الوعي فيقدم خلاصات للنصوص الجديدة في مجالات الثقافة القومية والفكر العربي المعاصر والتحديات الراهنة في مختلف المجالات ، تشترط الرصانة الموضوعية ،وتضمن الفائدة العامة لجميع القراء والمتصفحين.ولإثراء النص وتعميق مضامينه ، يشرع كتاب الشهر نوافذ للحوار العلمي ، وتبادل وجهات النظر.
كتاب هذا الشهر يحمل عنوان : التكامل العربي سبيلاً لنهضة انسانية.وقد قامت بعرضه وايجازه لجنة مكونة من : الاستاذ الدكتور فتاح الدفاعي والاستاذ الدكتور عبد السلام الطائي والاستاذ الدكتور طارق الكاتب والدكتور وحيد عبد الرحمن.
التكامل العربي
سبيلا لنهضة انسانية
لجنة اعداد الكتاب : مجموعة من الأكاديميين والخبراء من مختلف الدول العربية.
جهة الاصدار : الامم المتحدة – اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا ( الإسكوا ) ،عدد الصفحات : ٣١٨ صفحة واستند الى العديد من المراجع شملت : عشرات الكتب والدوريات باللغات العربية والانكليزية والفرنسية، قواعد بيانات الكترونية، بنود ومعاهدات الدفاع والتعاون الاقتصادي المشترك مع ملحقها العسكري، بروتوكول الجامعة العربية وملحقها العسكري، اتفاقية الوحدة الاقتصادية بين دول الجامعة العربية، ميثاق الوحدة، مؤتمرات القمة العربية.
مقدمة
هذا الكتاب الذي صدر عن الامم المتحدة عبارة عن تقرير من هذه المنظمة الدولية يقر ويجسد الفكر القومي العروبي الوحدوي الذي تبناه حزب البعث العربي الاشتراكي منذ تأسيسه عام ١٩٤٧.مما يعني صواب المسار الذي سار عليه الحزب بالرغم من حجم التحديات والتهديدات التي اعترضت هذا المسار ووضعت شتى المعوقات والصعاب والحواجز امامه حتى بدأ يخال لبعض من المتشائمين ان لا فرصة للتفكير بالاتجاه الوحدوي أو حتى فكرة التكامل العربي ، بل ان من يطرح ذلك ينعت بالمثالية وانعدام الواقعية.
انطلق الكتاب من الآية القرآنية الكريمة ( وان هذه امتكم امة واحدة ) ، ومن التراث الادبي العربي الذي يعبر عنه البيت الشعري ( تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرا .. وإذا افترقن تكسرت آحادا ).
وفي ضوء الواقع الحالي العربي المفروض والمرفوض الذي يسوده التخلف والتردي والتشظي والقهر الاجتماعي في انتهاك حقوق الانسان يأتي هذا الكتاب
الموسوم ب ( التكامل العربي سبيلا لنهضة إنسانية ) ، ليطرح استراتيجية الخروج من هذا الواقع المتخلف ، فصاغ فرضياتها ونتاجها نخبة من المختصين والخبراء العرب ( ممن كان بعضهم معادي للفكر القومي الموحِّد ) ليعلنوا الان ايمانهم بقدر امتهم وتاريخها المجيد ويقرّوا بتوفر مقومات التكامل العربي في شتى المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، فضلا عن الإيمان برسالة أمتنا العريقة التي نشأت فيها اقدم الحضارات كحضارتي وادي الرافدين ووادي النيل.وفي كل هذا اقرار وان كان غير مباشر، بصحة عقيدة حزب البعث العربي الاشتراكي والذي تتصدر الوحدة العربية اهدافة الاستراتيجية الثلاثة اضافة الى الحرية والاشتراكية.فقد استعرض تقرير الأمم المتحدة كافة معطيات ومتطلبات التكامل العربي الوحدوي للخروج من الحالة المأزقية الراهنة الى تحقيق التنمية المستدامة والمستقبل الواعد لأجيال الأمة.
وسيتم استعراض موجز لهذا الكتاب على حلقات متتابعة تتصدى لكل من المحور الاجتماعي والثقافي و الاقتصادي و الجيوستراتيجي.
الحلقة الاولى : لمحة عامة
د.فتاح الدفاعي
توصيف الواقع العربي
قد لا نختلف كثيرا في توصيف حالنا فدولنا العربية تعيش مأزقاً تنموياً يتمثل في التخلف المعرفي وهشاشة البنى الاقتصادية وتفشي الظلم الإنساني.ونحن على الاغلب في إجماع وتوافق على تشخيص الواقع ولكننا لسنا كذلك حينما ننتقل إلى تحليل الاسباب وتقصي شروط الخروج منه.وبمشاركة نخبة من المثقفين العرب يجمعهم إيمان برسالة هذه الامة وغيرة على مستقبلها صدر هذا التقرير، فالقهر والاستباحة الخارجية والتعثر التنموي، هي في نظر هذه النخبة أهم سمات الواقع العربي الراهن الذي هو وليد عقود من التشرذم، والإخفاق في نهج التنمية بشتى مجالاتها.
ومن قلب هذا الواقع، يدعو هذا التقرير إلى مسار بديل تكون بدايته في إحياء فكرة التكامل بين الدول العربية، ويتسع ليشمل جميع الفضاءات الاجتماعية والثقافية والتربوية والاقتصادية والجيوستراتيجية.
التكامل العربي هدف ووسيلة
هدف، كونه سكن، أملاً وحلماً، وجدان ٣٥٠ مليون إنسان عربي يميزهم تراث تاريخي وثقافي وروحي مشترك، وتجمعهم اللغة الواحدة، وتقارب بينهم الجغرافيا بما أنعمت عليهم من تجاور في المكان، وموقع استراتيجي وثروات أيقظت شهوة الطامعين ففرضت عليهم تحديات فريدة، حري بها أن توحد في أذهانهم الخصم والمصير.
والتكامل هو وسيلة، وربما الوسيلة الاهم، لتحقيق نهضة إنسانية تعم العالم العربي، يشارك في صنعها جميع أبنائه أيا يكن عرقهم أو دينهم أو جنسهم، مواطنين أحرارا متساوين في القيمة الإنسانية، يملكون وسائل الإبداع والعمل الخلاق، يقتحمون بها تخوم المعرفة، ويبنون مجتمعات تنعم بالرفاه الإنساني بأبعاده المادية والمعنوية.
سبل تحقق النهضة
السبيل الوحيد لتحقيق هذه النهضة هو في امتلاك مقوماتها المتمثلة بالإرادة المستقلة والعلم المبدع، مع القدرة الفعلية فضلا عن حياة دائمة التجديد والتجدد.ولا سبيل لامتلاك هذه المقومات إلا في تكامل عربي فعال تصبح به الامة قادرة على استئناف دورها التاريخي في الحضارة الإنسانية.
والتكامل ليس اكتشافاً جديداً، فقد أدركت الدول العربية منذ منتصف القرن الماضي أهمية إنشاء تكتل قوي ومنيع، يحفظ لها استقلالها، ويعينها على النهوض باقتصادها وتحقيق الامن الإنساني لجميع مواطنيها.فعقدت اتفاقيات للدفاع المشترك ولإقامة وحدة اقتصادية كاملة، كانت رائدة في ذلك الزمن.ولكن عقودا ستة مرت على توقيع تلك الاتفاقيات دون أن تنفذ الدول العربية إلا الجزء اليسير من أحكامها.
وهنا يتردد السؤال، هل يمكن إحياء التكامل العربي؟
للوهلة الاولى يبدو الحديث عن هذا الموضوع وفي هذا الزمن الصعب إفراطاً في الخيال.فالخلافات التي كانت تقتصر في السابق على النخب الحاكمة غزت نسيج بعض المجتمعات العربية.وفي بعض الاقطار العربية ضربت الفتنة الطائفية عميقاً.وتأججت نزاعات أهلية طاحنة باتت تهدد كيان الدولة ووحدتها، وسلامة أراضيها وسلمها الاهلي.
وكثيرا ما تنفخ في نيران هذه الفتن أطراف خارجية تتوسل تحويل الصراع في المنطقة من صراع ضد الاحتلال والتبعية والتخلف إلى اقتتال بين الملل والنحل والإثنيات، اقتتال يضعف الجميع ويقوض قدرة الجميع على النهوض والتحرر.
يرى الكتاب أن مشهد الفرقة والتمزق في هذا الواقع ذاته دافعاً قوياً للخروج منه، فالتكامل بين الاجزاء يقوي جميع الاجزاء، والتماسك الاجتماعي لا يستعاد إلا عندما يتساوى الجميع في المواطنة وفي الفرص، والطروحات الطائفية والإقصائية التي استجلبت اقتتال الاخوة ويأسا شديداً على الجميع لن تفقد بريقها إلا بإصلاح شامل يعيد الألق الثقافي الحقيقي الذي يثرى بالتنوع.والتدخل الخارجي لن يُلجَم إلا بتكامل بين أجزاء الوطن العربي يقيه الاستباحة ويعزز منعته إزاء الاملاءات المزمنة وتماسكه في مواجهة التحديات المستجدة.والدعوة للتكامل العربي لا تأتي فقط لدرء المخاطر، بل أيضا للبناء على الإصلاحات التي شرعت فيها بعض الاقطار العربية استجابة لتطلعات ابنائها.واستنادا لما ورد أعلاه، وضع الكتاب رؤية استراتيجية للتكامل تستند على أركان ثلاثة هي :
• تعاون سياسي
• تعميق التعاون الاقتصادي
• الإصلاح الثقافي والتربوي
هذه هي بعض رسائل تقرير التكامل العربي، في مادة لا تدّعي الكمال أو العصمة بل هي محاولة للمساهمة في إطلاق حوار عربي خالص حول واقع العالم العربي واستراتيجية النهوض به ودور التكامل العربي الشامل في تحقيق تطلعات شعبه.
مرارة الفرقة ومتطلبات الوحدة
الفرقة في وطن يملك جميع مقومات التكامل تضع عوائق أمام التلاقي والتكامل العربي الفعال وتقف مانعة لفرصة جادة لتأمين مكونات الرفاه الإنساني للشعب العربي.فجميع البلدان العربية، غنيها وفقيرها، إذا بقيت منفردة، تبقى صغيرة وضعيفة في الساحة العالمية بمعيار أو بآخر، خاصة بالمقارنة بالدول والتكتلات العملاقة في العالم المعاصر.والقهر يقيد الحريات والحقوق ويخلق مرتعاً فسيحاً للفساد بجميع أشكاله، وحينما يلتقي مع الفرقة والمغالاة القطرية يؤدي إلى التنازع الطائفي الذي يوقد نار الحروب والاقتتال.
كما أن التأخر في ظل اقتصاد سياسي تابع ومتدني الإنتاجية يوهن قدرة الإنسان والأمة العربية على الانتاج والمنافسة، وقد غلب على اقتصاد المنطقة كسب الريع التجاري وضعف البنية الإنتاجية، وتفضي هذه العناصر جميعها إلى تفشي البطالة والفقر، وتسول المعرفة وطيبات الحياة من منتجيها خارج الوطن العربي، وهذه السمة أورثت الأمة ضعفاً وهواناً وحرمتها من المقومات الإستراتيجية للعيش الكريم وتحقيق الكرامة الإنسانية للجميع.
هذا الواقع كان سببا مهما في استباحة الامة العربية والاحتلال الاجنبي لها، وقد سهل غياب الموقف العربي الموحد في المحافل الدولية هذه الاستباحة، فأصبحت نتيجة مباشرة للفرقة والتأخر.
هذه هي ملامح الواقع العربي الراهن والمعاصر.وفي هذا الواقع مخاطر تهدد بيئة الوطن ونظمها ، ومخاطر تهدد الثقافة العربية التليدة بمختلف أدواتها وأبعادها.
وإزاء جسامة هذه المخاطر، وكثرة الإمكانات المهدورة، وفي ظل قوة التجانس ووحدة المصير، يأتي استحضار مشروع التكامل العربي الفعال بديلاً منشوداً عن الواقع العربي الراهن وسبيلاً للنهضة الإنسانية الشاملة التي تحقق ثلاث غايات أساسية هي :
• الغاية الاولى والاهم تكون في صون الحرية والكرامة الإنسانية للجميع في عموم الوطن العربي.
• أما الغاية الثانية فتتلخص في إنشاء بنية إنتاجية عربية متنوعة تسد الحاجات المادية للإنسان العربي وتوفر سبل العيش الكريم له.
• الغاية الثالثة تتمثل في نهوض ثقافي يستعيد ألق الثقافة العربية.ويشمل حماية اللغة العربية، أداة هذه الثقافة والاحتفاء بالتنوع الثري، وتعزيز المواطنة المتساوية بين جميع المواطنين على الارض العربية والارتقاء بمنظومة اكتساب المعرفة وإنتاجها لتوظيف المعرفة في جميع النواحي الحياتية والمجتمعية.
وتقوم هذه النهضة بغاياتها الثلاث نقيضا للواقع العربي الراهن لتحقق لكل فرد أيا كان جنسه أو عرقه أو معتقده عيش الحرية والعدالة والكرامة.وتحقق للوطن العربي كاملاً مكانة مستحقة لابنائه في العالم المعاصر.ولا يتحقق ذلك إلا بتوفر خمسة مقومات للنهوض هي :
• الإرادة المستقلة
• العلم المبدع الذي يحقق شروط الكيان المستقل
• القدرة الفعلية لا الوهمية
• الحياة الدائمة التجدد التي تتحقق بمشاركة الجميع في حوار دائم بين كل افراد الجماعة وفروعها.
• القيام الذاتي الذي يتحقق عندما ينهض كيان فاعل في التاريخ يلتقي افراده حول رسالة معينة.
وهذا يعني بمفهوم التقرير اجتماع مواطني الاقطار العربية جميعا في فضاء المواطنة الحرة العربية.ولا سبيل إلى تحقيق هذه المقومات الخمسة للنهضة إلا في سياق تكامل عربي شامل.فالتكامل هو الذي يشكَّل اللحمة التي تتمكن من تخطي الانفصال المكاني والزماني القائم قسراً.فتحقق الأمة وحدتها التي هي عين حصانتها وأصل مناعتها الحضارية.فمن الصعب أن تتمكن الدول المجزأة من حماية مصالحها واكتساب المناعة الضامنة لشروط السيادة والاستقلال في مواجهة عمالقة العالم.
ويتعذر على الدول المجزأة بناء علم مبدع وقدرة فعلية ما لم تتعاون فيما بينها لتشييد بنى دائمة النهوض تخول الجميع الاستفادة من وفورات الحجم في الاقتصاد والتعامل مع العالم الخارجي في السياسة.وهكذا يصعب تصور تحقيق غايات النهضة أو تملك مقوماتها في غياب التكامل العربي الفعال.الذي يبنى على جهود التكامل العربي السابقة الرسمية والشعبية.وينشئ البنية الأساسية، المادية والرمزية للتكامل العربي في جميع مجالات الوجود الإنساني، وصولاً إلى فضاء المواطنة الحرة العربية.
وبالتكامل العربي الفعال فقط يمكن الاستفادة من المقومات الفريدة للوطن العربي في هذه المنطقة من العالم لبناء نمط اقتصاد سياسي منتج قوي وقادر على النمو المطرد، حيث ينبغي ان يتلازم اقتصاد الكفاءة ووفرة الحجم، والعدل والنظام الديموقراطي.
ولا يراد بالدعوة إلى التكامل العربي موقفاً معادياً للإنفتاح على العالم في الاقتصاد ومجالات الحضارة الإنسانية الاخرى، بل رغبة في أن تتعاون الاقطار العربية مع باقي بلدان العالم وكتله، من موقع الكتلة الاقتصادية القوية المتقدمة.
وفي تحقيق هذا الواقع المستقبلي المنشود تتحقق النهضة المبنية على أنظمة ديمقراطية على صعيد الوطن أساسها المشاركة الطليقة من القيود الخارجية والداخلية والذاتية.ويتحقق التحرر من الاحتلال والنفوذ الاجنبي وإصحاح البيئة والنظم الإيكولوجية.وفي هذا الواقع أيضا استعادة لألق الثقافة العربية وتراثها ، ثقافة تجمع بين مقومات النهضة في الحضارة العربية وأفضل منجزات الحضارة الإنسانية ومنها منظومة حقوق الإنسان.
ولا شك في أن هذا الواقع المستقبلي المنشود سينهض على أنقاض الواقع الراهن الذي أورث المنطقة الخيبة التي أنطلق منها المد التحرري ، والنقلة التاريخية من واقع تلازم الفرقة والقهر والتأخر والاستباحة إلى واقع تلازم التكامل العربي الفعال والنهضة العربية الإنسانية.
يتبع لطفا ..