دور البعث ومناضليه في النهوض بالأمة من واقعها المتردي
الجزء الثاني
البَعث وتَعْزِيزِ الأَمْــــــــنِ القَومـِـيّ العَرَبــِيّ
د. محمد رحيم آل ياسين
انَّ الأمن القومي العربي والمصلحة العربية العليا والقواسم المشتركة التي تجتمع فيها ومن خلالها الأمة، كل هذه تَستدعي بل تفرض على قيادات الامة بمختلف مستوياتها توثيق العلاقة مع البعث ومناضليه، لتجاوز مرحلة التَّرَدي وحالة الانحطاط التي أصابت الأمة بمَقْتَل، وإنَّنا لا نَجِد بديلاً للقيادات والنخب العربية الفاعلة والمؤثِّرة مِن هذه الخطوة التاريخية، وعلى البعض مِن الدول العربية التي يتعرض امنها الى التهديد الخارجي المباشر، أنْ تَتَّجِه أو تُوَّجِه بوصلتها الى البعث وتنظيماته في الأقطار العربية لحماية ذلك الأمن، وليس الى اعداء الامة التاريخيين والاستراتيجيين.
انَّ المعادلة الحالية تميل كفتها بشِّدة لصالح أعداء الأمة في الشرق والغرب، ولن تَتَغيَّر هذه المعادلة الَّا بهذا الوصال والتواصل والتفاهم بينَ الحزب والقيادات والأحزاب القومية والمنظمات العربية الفاعلة المهنية والسياسية والاجتماعية. وهنا قد يسأل البعض، ولماذا تمتين العلاقة مع البعث ومناضليه في هذا التوقيت؟ وبعبارة حاسمة نقول، انَّ البعث ومناضليه في كل تنظيمات
الأقطار العربية ومنها قطر العراق الذي يمثل تجربة غنية للحزب لها نكهة خاصة، باعتبار أنَّها قد حققت من خلال قيادته للدولة والشعب العديد من الانجازات وواجهت الكثير من التحديات الكبرى، وافرزت من خلال كل ذلك تجربة هامة للامة العربية ودروس وعِبَر وخبرات عريقة لا يُستَهان بها للإستفادة منها فيما تواجِهه الأمة اليوم.
ولسنا نغالي في قولنا بأنَّ مناضلي البعث العظيم قد توفرت فيهم الصِّفات والمِيّزات والإمكانات الفكرية والعملية والنضالية التي تؤهلهم للقيام بمهمة التَصدي والمواجهة لهذه الهجمة الشَّرسة التي تَتَعرَّض لها أمتنا العربية اليوم، فقد توافرت في هؤلاء المناضلين قِمَّتان شاهِقَتانِ، أولهُما؛ الأصل العروبي المتجذر عبر تاريخ غائر في القِدَم من خلال الانتماءالحقّ والولاء الخالص للأمة، وثانيهما؛ في حملهم أمانة البعث فكراً وسلوكاً ومنهجاً، وهُما قِمَّتان لا يعلو عليهما شيء، ومِن هنا فقد امتاز هؤلاء المناضلون بحيوية فكرية نافذة، وبتجربة عملية راقية. أثبتوا فيها شجاعتهم وبراعتهم في القتال الملحمي في كل المستويات والاتجاهات، حيث أبلوا فيه بلاءاً حَسناً كما أبلى أجدادهم مِن قَبلُ عُمَرٌ وعَلِيٌّ وسَعدٌ وخالدٌ رضي الله عنهم جميعاً. هؤلاء المناضلون قادرون على العمل والتجاوب والتَّكَيُّف مع كُلِّ البيئات وتلبية المتطلبات المعنوية والسياسية والأمنية والاجتماعية، وبكل أشكالها وتَشَّعُباتها في الزَّمان والمَكان المَطلوبَيْن. كما ولهم تجاربُ خِصبة فكرية وعملية في التعامل مع الأزمات مهما اشْتَّدَت واخْتَلَفت وتَنَوَّعَت.
ولدعم هذا التوجه نرى أنَّ القيادات والنخب والمؤسسات الرسمية والشعبية العربية مُطالبة اليوم بالتعامل الجدِّي والحازم مع قضية الأمن القومي العربي، وبصورة أدَّق مع المسألة العراقية الوَطَنية من حيث خصوصية الحالة العراقية، وتأثيرها وامتدادها القومي في عموم الساحة العربية، فالعراق والأمة حالة واحدة لا انفصام بينهما، والبعث والعراق هما حالة واحدة أيضاً كما حدَّثنا به
الرفيق القائد المؤسس رحمه الله، فقضية العراق والبعث هُما صُلب قضية العرب اليوم، لأنَّهما جدار الصدّ الأول لكل ما يجري على الأمة في هذه المرحلة مِن عدوانٍ سافرٍ وقضايا شائِكة لا حَصْرَ لها تسَبَّب بها الاحتلال الأمريكي الغاشم، حيثُ تَمَّ تدمير العراق واستبعاد البعث ومناضليه الأبطال عن المساهمة في حماية العراق وشعبه والحفاظ على دولته ومؤسساته ووحدة أراضيه. ولا ننسى قضية العرب الثانية وهي التمدد الفارسي المشؤوم في قطر اليمن، من خلال عصابات الحوثي المتفرسة. اضافة الى قضية العرب المركزية الكبرى مع الصهاينة في اغتصاب أرض فلسطين والأراضي العربية الأخرى المحتلّة.
وكل هذه القضايا تشكِّل خَطراً حادقاً على الأمن القومي العربي. لقد شَكَّل أعداء العروبة مِن دول كبرى وأُخرى اقليمية كالصهاينة والفُرس، منظومة مُتَكامِلة مِن حيث الأهداف والإمكانات والوسائل للإجهاز على حزب البعث ومسيرته النضالية، غايتهم القضاء على الحزب كفكر وتنظيم قومي جماهيري متقدم، وايقاف مشروع الامة الوحدوي النهضوي الكبير، واستبداله بالمشروع التَطبيعي مع الكيان الصهيوني الغاصب.
وهناك قضية تَسْتَحِقُّ الوقوف عندها، وهي أنَّنا عندما نُذَّكِّر القيادات العربية بأهمية الدَور الذي يمكن أنْ يقوم به البعث لإنقاذ الأمة مما هي فيه، فذلك يعود الى الثقة التي تُوليها الجماهير العربية لهذا الحزب قيادة وتنظيمات على مستوى الأقطار العربية. وقناعتها بقدرتهم العالية على الضلوع بدورهم الجهادي في الدفاع عن قضايا الأمة المصيرية. وأنَّهم بما حباهم الله ومَنَّ عليهم بالايمان بقِيَم الأمة العُليا ومبادئها، وأخلاق ابنائها الأصَلاء من نزاهة وشَّجاعة وفروسية، ومروءة ونخوة وشهامة مُتَأسِّين برموز الأمة التاريخيين. كُلُّ هذه الصفات الحميدة أسْهَمَت في تَكوين شخصية هؤلاء المناضلين الشجعان ، وقد تَطَّهَّرَت مِن النَزعة الفردية وحُبِّ الذَّات، الى الطموح العام الذي يُلَّبِي نِداء الأمة
واستغاثتها. هؤلاء المناضلون غادرتهم السِّلبية والأنانية والفَردية، حتى أنَّهم يضحون بحياتهم مِن أجل أنْ يَحيى الآخرون.
مِن هُنا وجدنا أنَّ ثِقَة جماهير الأمة بالبعث وقيادته ومناضليه لم تأتِ مِن فراغ أو تَخَّرُص، بل هيَ ثقةٌ بالمُجَرَّب، ثِقَةٌ بالفعل المَلموس والمَشهود. لقد تَمَّلكت قيادة البعث والمناضلون في تنظيات الحزب فضائل الأخلاق الحميدة، واخْتَّطوا الطريق الأمثَل في حياتهم الشَّخصية والوَطَنية والقومية، فلم يَطِئوا حَراماً ولا قارفوا مُنْكَراً، ولم يأتوا مَنْهِيَّاً عنهُ في الدِّين والقِيَم والأعراف، ولا بأي مما يَخِّلُ بنضالهم وأخلاقهم أو مُروءتهم وشَهامتهم. صَبَروا واحْتَسَبوا كُلّ هذه السِّنين المُثْقَلة بالهَّمِ والحُزَن والقَهر والضَّيم، الذي يكابدونه بسبب ما يجري عليهم وعلى أمتهم العربية من قهر وعدوان. كُلَّما اشْتَّدَّ عليهم البَلاء زادهم ذلك صَبراً وقوَّة وصَلابة، فتَمَسَّكوا بعقيدتهم البعثية وبعروبتهم وعَضُّوا عليهما بنَواجِذِهم. هؤلاءالمناضلون كانوا عاشقين للعروبة والأمة ولم يُلْهِهِم شيء في الدنيا على حِساب انتمائهم لأُمَّتهم المجيدة. من هنا فقد حازوا على ثقة شعبنا العرَبي، ألَم يكونوا من بين أجَّل الناس هِمَّة، وأكْمَلُهم مَعروفاً وأتَّمُهم سِّيادة؟. لا يَخافونَ المَوتَ ولا يَهابونَ ساحات الوَغى، هُم مناضلون آمَنوا بالله وبشَرعه، وبانتِمائهم الى أُمَّتِهم العربية ولن يَحيدوا عن دربهم حتى يبذلوا الأرواح والمُهَج فداءاً لها.
ومن جهة اخرى فإنَّ مَن كان خارج ميدان العمل القومي فكراً وتوجهاً وسلوكاً، قد لا يستطيع أنْ يَضع تصوراً شمولياً للكيفية التي يُمكِن مِن خلالها مواجهة التحديات ذات الطبيعة القومية ولا خِدمة أُمَّته العربية والقيام بواجبه اتِّجاه شَّعبه العربي بمنظور قومي شامل، سواء في فكره اوعقيدته اوسياق عمله. فالافق القومي للحلول الجذرية التي تتطلبها هذه المرحلة والتحديات الأمنية والتنموية وغيرها لا يمكن رؤيتها أو الاهتداء اليها دون الغوص في
أعماق تاريخ الامة الطويل والمُمْتَّد عبر الزَّمان والتشبع بهويتها وبما تَحمله مِن فكرٍ انسانيٍّ عظيم، ودون الإنفتاح التام والمتوازن مع العصر ومتطلباته وهذا ما يميّز البعث.
لذلك وللوصول الى مرحلة الرؤية الشمولية الواضحة لمتطلبات كل ذلك، لابد من الحوار والتواصل، والالتقاء بين البعث ذو الافق القومي الشامل المنفتح على العصر، والقيادات والنخب العربية وكل الشرائح في الأمة، حتى وإنْ اثمر ذلك في البداية عن الاتفاق في نقطة او قاعدة مشتركة واحدة فإنه يُمكِن التَّأسيس عليها، والبدء في التقارب مِن خِلالها لتوسيع آفاق العمل والنضال المشترك، فالأهداف المشتركة لخدمة الأمة والدفاع عنها إنْ كانَت سليمة واضِحة في الأذهان والعقول، صارت النتائج ناضِجة وحاسمة. وبالعَكس انْ اضْطَربت المَفاهيم والرُؤى، صارَت الأفعالُ عشوائية، عبَثية، مُتَضاربة لا تَسِيرُ على نَسَقٍ واحِدٍ نحو الغاية والهَدف ولا تَتَّسِم بالثَبات، وتَكونُ قد فَقَدت الأمة البُوصلة نحو الاتِّجاه الصَحيح والمَطلوب.
والمسألة الأخرى التي نود الإشارة اليها، أنَّ العمل مع حزب البعث العربي الاشتراكي بدءاً من قيادتِه في كيفية مواجهة الحال المتردّي والمضطرب للأمة، وخاصة في مجال تهديد الأمن القومي العربي، وتجريف استقرار الأمة العربية، يعود في الأساس الى مسَلَّمة اخرى وهي نوعية مناضليه الأوفياء من حيث أنَّ شبابهم متجدد، وربيعهم دائم، وأنَّهم رغب التحديات الجسيمة، والظروف القاهرة التي يعملون فيها، لكنَّهم لم يُصابوا يوماً بالضعف أو العجز عن أيِّ من المهام التي يُكلَّفون بها فقد صقلتهم الصِعاب والملمّات. وتالياً فهؤلاء المناضلون قادرون بالصبر والمطاولة على النهوض في أي ظرف كان. وهنا نذَكِّر الجميع ، أنَّ هذا الحزب العظيم لم تُصِبه الشيخوخة والضعف، فهو فكرٌ متجدد، حيٌّ، مواكب للزمن، وقيادته في كامل قدراتها الفكرية والعملية،
النظرية منها والتطبيقية، وهي كانت ولسبعة عقود من الزمن وستبقى في خدمة الامة وعلى اهِبة الاستعداد للولوج في اية مرحلة متقدمة يتطلبها النضال من اجل تعزيز وتقوية أمنها القومي والحفاظ على حقها في الحرية والحياة، رغم حجم التآمر الخارجي والداخلي على البعث وقيادته وتنظيماته. وهي أي كوادر البعث وقيادته ماضية في نضالها على طريق تحقيق أهداف الأمة الكبرى في وحدتها وحريتها وكرامتها، ولن تحيد عنها قيد أنملة بعون الله تعالى وهمّة مناضلي البعث وجماهيره الواسعة .