بيان قيادة قطر العراق في الذكرى السابعة والثلاثين ليوم النصر العظيم

( كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإذْنِ اللَّهِ واللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ )   (سورة البقرة، الآية 249)

بيان قيادة قطر العراق في الذكرى السابعة والثلاثين ليوم النصر العظيم

 

يا أبناء شعبنا العراقي العظيم

يا أبناء الأمة العربية المجيدة

يا أحرار العالم في كل مكان

في مثل هذا اليوم سطر العراقيون أعظم بطولات الرجال الشجعان عبر التاريخ، ليحققوا بعد منازلة مجيدة أنصع نصر عسكري عربي في العصر الحديث، مضيفين إلى سفر وطنهم نصرا حاسما لا تشوبه شائبة، في جبهات حرب طاحنة استمرت ثمانية أعوام بلا هوادة بين جبهة الحق التي حَمَلَ لواءَها العراقيون بكل شرف وإباء، وجبهة الباطل التي كانت إيران تختفي في خنادقها، بكل ما تحمله من خزين حقد تاريخي على وطننا وأمتنا، وتغلفه في كل مرة بأقنعةٍ تُناسبُ المرحلة التي تطرحها فيه، فبعد أن عرت تجارب الحروب السابقة التي خاضها قُطرنا المجاهد ضد أطماع فارس، منذ واقعة ذي قار الخالدة التي دَحَرَ خلالها أجدادُكم أيها العراقيون الأماجد، الاحتلال الفارسي الذي حاول تكريس هيمنته على بلدنا مستغلا فارق القوة التي كان يستطيع تجييشها ضد الآباء والأجداد وغبن الجغرافيا وما تضعه التضاريس في متناول يدها من أسباب قوة مادية، تمّكَنَ العراقيون عام 610 من إلحاق هزيمة نكراء ببلاد فارس، فكانت أول معركة ينتصر فيها العرب على الفرس المحتلين، إذ استطاعت القبائل العربية إلحاق الهزيمة بثاني أكبر مركز استقطاب دولي في ذلك الوقت، مع كل ما يحمله مجرد التفكير بخوض حرب ضد جيش قديم التقاليد وله صولات وجولات في خوض حروب نظامية ضد مركز الاستقطاب الآخر أي الإمبراطورية الرومانية من تردد وخوف، إذ كانت الحرب بينهما سجال، فقد عقدت القبائل العربية العزم على خوض مواجهة مع دولة الأكاسرة، ولم تفكر بفارق القوة المادية بين الطرفين، فحشدّت قواها لمواجهة الفرس الذين كانوا يحتلون العراق وأجزاء أخرى من أرض العرب.

لقد كانت بلاد فارس في كل مرة تُلبسُ أطماعَها أرديةً جديدة وبراقة، بهدف تضليل أكبر قطاع من أبناء الشعب العربي، ولكن القبائل العربية انتزعت النصر من بين عيون أعدائها بكل اقتدار، ولتكون درسا خالدا للأبناء والأحفاد، بأنهم قادرون على المضي على نهج الأجداد العظام، إن امتلكوا إرادة النصر والعزم على تحقيقه متى أرادوا ذلك، فبقيت تلك علامة بارزة في سجلهم تحدد مسارهم وترسم لهم طريق المجد الذي اختاروه لأنفسهم ووطنهم الموغل في أعماق التاريخ.

وعلى الرغم من كل خزين الكراهية الذي يستشعره العراقيون من جارهم الشرقي، فقد مدت الدولة العراقية الحديثة يدها متجاوزة كل سلبيات الماضي، ومع أن الدولة الإيرانية أخرت اعترافها بقيام الدولة العراقية سنوات عديدة، إلا أن الحكومات المتعاقبة حاولت امتصاص أجواء الكراهية ولكن من دون جدوى، ثم سقط شاه إيران في شباط 1979، فاستقبل العراق الرسمي ذلك الحدث بواقعية سياسية عالية، ولكن الزعامة الإيرانية الجديدة، قابلت ذلك التعامل الإيجابي بغطرسة فارغة، إذ رفع الخميني من الأيام الأولى لوصوله إلى حكم إيران، شعار تصدير الثورة الذي يحمل جوهرا عدوانيا توسعيا، فقد وضع الزحف صوب العراق في مقدمة أهدافه المعلنة والسرية، فناصب العراق كراهية لتضاف إلى سلبيات الماضيين البعيد والقريب، فكان ذلك أول عبوة ناسفة لما تبقى من خيوط واهنة تربط بين البلدين.

لقد كان حتميا أن يدافع أبناء الشعب العراقي عن سيادة بلدهم وأمن مواطنيه، فكانت قادسية صدام هي الرد الوحيد الذي كان متاحا للعراق، وهو اللغة الوحيدة التي يفهمها حكام طهران المتغطرسون.

أيها العراقيون الأماجد في مثل هذا اليوم قبل سبعة وثلاثين عاما، وبعد منازلة كانت أطول حروب القرن العشرين، تمّكَن أبطال الجيش العراقي والحرس الجمهوري، من كسر إرادة عدوهم في مواصلة القتال، عدوهم الذي حَمَلَ إرثا معقدا من الأحقاد التي ظن أن الجَمَعَ بينها سيمكنه من قهر العراقيين، لا سيما بعد أن تمكن من خلق أكبر فتنة عرفها تاريخ العرب والإسلام منذ أن نزلت رسالة الإسلام على صدر نبينا الكريم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، وهذا ليس بجديد على بلد توارث كماً تاريخيا حافلا بالحقد والضغينة على الأمة العربية، انطلاقا من عقد تجمع بين الشعور بالنقص والتضاؤل أمام الأمة التي حملت لواء الإسلام ونشرت كلمة (لا إله إلا الله محمد رسول الله)، في أرجاء المعمورة، ولهذا ناصبت بلادُ فارس الدينَ الإسلامي العداءَ، منذ الأيام الأولى لرسالته السمحاء، وبين الغطرسة الفارغة في التعامل مع الشعوب الأخرى، فكان لا بد للدولة الإسلامية الفتية من الدفاع عن نفسها وحماية تخومها من أعدائها الذين كانوا يتربصون بها الدوائر، وهذا ما حصل إذ بدأت جحافل الفتح العربي الإسلامي، أولى معاركها خارج جزيرة العرب، بعد أن دانت لها الجزيرة العربية بعد حروب الردة، فكانت القادسية الأولى أولى معارك العرب المسلمين أعظم انجاز عسكري عرفه العالم القديم حتى ذلك الوقت، وكانت قبائل العراق العربية التي وجدت في القادسية الأولى تتويجا لانتصار ذي قار وتعبيرا عن التقاء الرسالة الإسلامية مع تطلعات تلك القبائل في العيش بعزة وكرامة تتقدم الزحف العظيم.

لكن فارس لم تيأس من إعادة الكرة على العرب في غير ساحات المواجهة المباشرة، وذلك عبر التسلل إلى الدين الجديد وإظهار الإيمان به واستبطان الكيد له، بهدف نخره من داخله، لهذا فقد تفهم المؤرخون العرب خاصة وغيرهم من المؤرخين المتنورين، الأسباب الحقيقية لنشوء كل حركات التمرد ومجاميع الزندقة والفرق الباطنية التي حفل بها تاريخ المسلمين خاصة في العراق وبلاد فارس، فأحدثت شروخا في الإسلام لم يمر بمثله، وبذا فقد كان العراق الأكثر تعرضا لويلات الشرخ المذكور من بين كل الساحات العربية الأخرى، وكأن القدر قد اختص العراق بحمل راية الدفاع عن الأمة في حالتي النصر والهزيمة، لأنه كان خط الصد الأول بوجه الرياح الصفراء التي كانت تهب عليه من فارس، لا سيما ما أحدثته الفرق الغالية من مفاهيم تدميرية، هذا وغيره مما أصاب الأمة من وهن وتمزق، جعل العراق الحارس القومي دفاعا عن الأمة بوجه الأعاصير والأفكار الهدامة والتي استندت على نوايا الشر والتوسع الفارسي العدواني

 يا أبناء الشعب العراقي العظيم، أيها المناضلون البعثيون، يا من أعدتم للأمة العربية ألقها وشموخها في زمن النكوص والتراجع على كل الجبهات، وذلك بما تدخرونه من أصالة وقيم سامية وإصرار على تبوء الأمة لمكانتها التي تستحقها تحت الشمس، وذلك عندما قهرتم خامس أكبر جيش في العالم، وتجهز بعقيدة قتالية ظنها نظامُه الجديد قادرةً على استغفال المواطن العربي مما يضمن له تداخل الخنادق، ويسمح له باستقطاب البسطاء من المسلمين في العالم من خلال ما كان يرفعه من شعارات إسلامية، ولكنكم أيها العراقيون ويا أيها البعثيون الأشاوس، قد خضتم حرباً ضروس أستمرت ثمان سنوات حققتم فيها أقوى الانتصارات،  ستحتل بصفحاتها المتعاقبة بين أنجح المعارك والحروب التي خاضتها أقوى جيوش العالم عبر التأريخ، لقد أصبتم عدوكم باليأس التام على مواصلة الحرب، حتى وصل القادة السياسيون والعسكريون والمدنيون إلى التساؤل فيما بينهم عن سر الانهيار في معنويات المقاتلين من الضباط والجنود ووصولهم مرحلة الانهيار النفسي قبل التوجه إلى جبهات الحرب، فالهزيمة تبدأ من هنا، وبمقابلها النصر ينطلق من انهيار العدو وكسر ارادته في مواصلة القتال وطرح التساؤلات عن جدوى تقديم عشرات الآلاف من القتلى في حروب لا طائل تحتها ولا نتيجة منها.

من مختلف جبهات الحرب، ومن انتصار الفاو التاريخي، الذي جاء تحريرها من الدنس الذي لحق بها أكثر من سنتين، كبوابة للنصر العظيم، ومن نصر الفاو إلى معارك “الله أكبر” التي توالت فيها الانتصارات العراقية في كل ما أعقب تلك المعارك من انتصارات خالدة وتم تطهير كل شبر دنسته قوات الاحتلال الإيراني البغيض، صار ممكنا النظر إلى معادلة العلاقات بين العراق وجيرانه على أسس من التكافؤ واحترام السيادة الوطنية والمنافع المشتركة وعدم  التدخل في الشؤون الداخلية واحترام خيار كل بلد من بلدان المنطقة.

ولكن إيران التي ظلت تتحدث مع العراق ومع المجتمع الدولي بلغتين مختلفتين، الأولى دبلوماسية ناعمة والثانية لغة باطنية تُظهر ما لا تستبطن، وتحمل شراً مستطيرا تجاه جيرانها لا سيما العرب، فقد كانت تُحيك المؤامرات ضد الجميع وخاصة العراق، في عالم فقد حسن النية في علاقاته الخارجية وركنها جانبا، إذ كشفت التقارير والوثائق السياسية التي تم نشرها بعد أن وضعت الحرب أوزارها، أن إيران لم تتورع عن تمزيق كل شعاراتها المعلنة عن معاداة إسرائيل وأن طريق القدس يمر من كربلاء تارة ومن بغداد تارة أخرى، وأنها كانت تحصل على دعم عسكري إسرائيلي ودعم استخباري أمريكي، ليس هذا فقط بل إن إيران نسقت مع التحالف الغربي في عملية غزو العراق سنة 2003، وأعترف أكثر من مسؤول إيراني ببعض تفاصيلها وأقر مسؤولون أمريكيون وأوربيون بأن إيران مدت يد المساعدة لهم في غزو أفغانستان والعراق، ولولا ذلك العدوان لكانت مهمة  التحالف الدولي في غاية الصعوبة.

أيها العراقيون الأماجد يا أبناء الأمة العربية

بعد أكثر من اثنتين وعشرين سنة من الاحتلال الأمريكي البريطاني للعراق، ومن ثم تسليم العراق هدية مجانية لإيران وعلى طبق من ذهب، علينا أن نراقب بدقة مسار الأحداث في الشرق الأوسط بل في العالم أجمع، كيف أصبحت أحوال العالم السياسية والأمنية والاقتصادية، بعد إخراج العراق بالقوة الغاشمة من معادلة الأمن القومي العربي والإقليمي، وعلينا أن نفخر بأننا كنا نمسك بخيوط الأمن في مناطق شاسعة، وأن الأعداء كشروا عن أنياب حاقدة على حقوق الأمة في فلسطين وفي بلاد الشام واليمن، ولكن هل تستقيم الأحداث على ما هي عليه؟

 إن شعب العراق شعب البطولات والذي كان يفاجئ نفسه والعالم أجمع بما لم يتوقعه أحد، لقادر على إعادة المسار إلى سكته الأصيلة التي ظل محافظا عليها عشرات القرون، وهو اليوم وقد وصل التردي والانكسار حداً لم يعد ممكنا السكوت عليه من قبل شعب عُرف عنه التضحية والاستعداد لمواجهة الباطل في مظّانه، وكما حقق الانتصار التاريخي يوم الثامن من آب 1988، فإنه سينجز هدف التحرير من براثن أعدائه وإن تكاثروا عليه، فالشعب العراقي هو شعب البطولات التي سجلها في معظم الساحات العربية، فكيف إذا كان أمر بلده قد وصل أسوأ ما يمكن أن يصله بلد يمتلك كل تلك الثروات لا سيما البشرية المبدعة والطبيعية الغزيرة التي تضعه في أعلى جدول للبلدان الأكثر ثراء في العالم.

تحية لأبطال القادسية الثانية الذين حموا شعبهم من ضياع الهوية الوطنية، والذين سقطوا دون تسليم بلدهم لأكثر الظواهر السياسية في التاريخ شرا وتخلفا وجهلا، تحية لكل يد حملت البندقية ورابطت على حدود النار ثمانية أعوام من المجد، تحية لقيادة العراق الوطنية الشجاعة التي قادت السفينة في أعتى الأعاصير حتى أوصلته إلى بر الأمان، وتحية للشهداء الذين رووا بدمائهم الزكية أديم العراق الأبي.

الله أكبر والمجد والخلود لأبطال القادسية الثانية وقائدها شهيد الأضحى الرئيس الخالد صدام حسين رحمه الله.

المجد والخلود لشهداء الأمة العربية في كل مكان والمجد لشهداء فلسطين والاحواز السليبة .

الموت لدعاة الطائفية الجدد

الله أكبر وليخسأ الخاسئون

قيادة قطر العراق

لحزب البعث العربي الاشتراكي

بغداد الرشيد 8/8/2025

14 صفر 1447

 

Author: nasser