بيان القيادة القومية بشأن الحدث السوري
القيادة القومية :
رحبت القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي بعملية اسقاط النظام ، معتبرة ان الزلزال السياسي سيدخل سوريا مرحلة جديدة في ضوء التحديات الى ستواجهها على مستوى علاقاتها مع الخارج الاقليمي والدولي ومستوى بنائها السياسي الذي يعيد لدورها القومي حضوره كرافعة للعمل العربي بكل ابعاده القومية ومضامينه التقدمية مشددة على ان لايفضي اسقاط النظام الى استبدال هيمنة قوى اقليمية معينة بقوى اقليمية ودولية اخرى ، واكدت على اهمية الاسراع باطلاق العملية السياسية لاقامة النظام الذي تحكمه قواعد الفصل بين السلطات وديموقراطية الحياة السياسية .
جاء ذلك في بيان للقيادة القومية للحزب في مايلي نصه.
واخيراً ،سقط نظام الردة بعد عقود من الزمن ، عانت فيها جماهير شعبنا في سوريا الحبيبة من الاستبداد السياسي والتوريث السلطوي ومصادرة الحريات العامة وخاصة السياسية منها . وهذه المعاناة بقدر ما كانت شديدة الوطأة على الحياة المجتمعية بكافة تعبيراتها في داخل القطر بعدما حول النظام دور الدولة من دولة حماية ورعاية اجتماعية الى دولة امنية ، فإن هذه المعاناة كان شديدة الوطأة ايضاً على موقع سوريا ودورها القومي بعدما حولها النظام من دولة طالبة او مطلوبة دائمة للعمل العربي الوحدوي ، الى دولة ترتبط بتحالفات مشبوهة تناصب العروبة العداء ، وبما ادى الى افراز نتائج شديدة السلبية على الواقع القومي برزت بشكل صارخ في كل ساحات الاقطار العربية التي تعرضت ولما تزل الى اشكال متعددة من العدوان المنطلق من داخل الوطن العربي ومداخله.
ان القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي ، وهي توجه التحية لشعبنا العربي في سوريا على صبره وصموده وانشداده الى وطنيته وعروبته التي حاول النظام تشويهها على مدى عقود من الزمن ، ترى ان اسقاط النظام الفاقد اصلاً لمشروعيته الوطنية والقومية ، هو انجاز هام على طريق اعادة سوريا لموقعها الطبيعي في خارطة النضال العربي التحرري من اجل وحدة الامة العربية وتقدمها.
واذا كان اسقاط النظام الذي عاند طويلاً الاستجابة لتطلعات الجماهير في التغيير السياسي بوسائط التعبير الديموقراطي وعبر الاحتكام للشعب بكل مايتعلق بقضاياه الوطنية والاجتماعية ، قد فتح كوة في جدار الانسداد السياسي والانطلاق في مسار التحولات الايجابية لاعادة بناء الدولة الوطنية الديموقراطية ، الا أن هذا الانجاز ليس هدفاً بحد ذاته بل هو مدخل للولوج الى رحاب مرحلة جديدة لانتاج نظام يستجيب للتطلعات الشعبية بحيث يفترض ان يكون بحاملته السياسية وبرنامجه على الطرف النقيض من النظام الذي أُسْقِطَ قدر تعلق الامر بطبيعة القوى التي تصدرت المشهد السياسي وتقدم نفسها قائدة لهذا المسار ، او تعلق الامر بخارطة الطريق التي يتم السير بها نحو انتاج واقع سياسي جديد بكل عناوينه الوطنية والقومية . وعليه فإن القيادة القومية للحزب وفي تقييمها الاولي لواقع الحدث السوري مع كل نتائجه وارتدادته على مستوى الداخل والاقليم انما تؤكد على مايلي :
اولاً : ان التغيير في سوريا كي يكون منتجاً لمفاعيله الايجابية على المستويين الداخلي والخارجي ، يجب ان يكون تغييراً وطنياً يحاكي مصالح الشعب بكل طيفه المجتمعي ،وهذا يملي ان لا يكون بديل اسقاط النظام الذي استبطنته عقلية اقلوية بالمعتقد الايماني ، نظاماً تستطبنه عقلية اكثروية بالمعتقد الايماني ايضاً ، فكلا النموذجين هما تقسيميان بطيبعتهما على المستوى المجتمعي اذا لم ينصهرا في بعد وطني واضح المضامين والابعاد وهذا مايتطلب أن تدار سوريا الجديدة بنظام وطني تحكمه قواعد المساواة في المواطنة.
ثانياً : ان اسقاط النظام السياسي وقد تحقق ، لايعني اسقاطاً للدولة بكل الرمزية الاعتبارية التي تمثلها ، ومنها العلم الوطني. فإذا كان يسجل على النظام الذي تهاوى باسرع من لمح البصر ارتكابه الموبقات السياسية والوطنية بحق شعب سوريا والامة العربية، الا ان تاريخ سوريا قبل سيطرة الطغمة التي حكمت سوريا اكثر من خمسة عقود بالحديد والنار يحفل بالمحطات النضالية وابرزها محطة اعلان الوحدة والذي رصع علمها بالنجمتين. فالعلم ، هو علم الدولة وليس علم النظام، و بالتالي يجب الحفاظ عليه للرمزية الاعتبارية التي ينطوي عليها. اننا اذ نؤكد على ذلك فلاننا نريد ان تعود سوريا باوضاعها الداخلية وبكل الرمزيات التي تمثلها الى مرحلة ماقبل حكم الدولة الامنية التي بدأت مع النظام المتهاوي وليس الى مرحلة ماقبل الوحدة.
ثالثاً : ان القيادة القومية للحزب ، التي ترى في ماحصل في سوريا خلال الايام الاخيرة ، انجازاً بالغ الاهمية لجهة اسقاط واحدة من اخطر حلقات مشروع التغول الايراني في العمق القومي العربي والذي امعن تخريباً وتفتيتاً واضعافاً لبنية الدولة الوطنية في اكثر من قطر عربي واستشراسه في تنفيذ مخطط التغيير الديموغرافي في التركيب المجتمعي العربي وخاصة في ساحتي سوريا والعراق والذي مارسه النظام الايراني من خلال وصايته على النظام السوري الذي تهاوى ، ترى ان مصلحة سوريا الوطنية كما مصلحة الامة العربية ، أن لا يستبدل وصي اقليمي ايراني مغادر ومطرود ، بوصي اقليمي تركي قادم ومرحب به . ان كلا الطرفين تحكمهما مصالحهما الاقليمية الخاصة. والتي يرونها في الفضاء العربي ، وكلا الطرفين مطلوبين اميركياً في سياق ما يخطط وينفذ لاجل انتاج نظام اقليمي جديد يتشكل على حساب الامن القومي العربي.
رابعاً : ان القيادة القومية للحزب ، ترى ان امام شعبنا في سوريا مسار طويل لاعادة تأهيل اوضاعه الداخلية في ظل نظام سياسي جديد تحكمه التعددية السياسية والديموقواطية ، وهذا يتطلب اطلاق عملية سياسية ، تؤكد على الثوابت الوطنية بكل مضامينها الاجتماعية والقومية بكل عناوينها.وتنطلق من اقرار دستور جديد تنص ثوابته على وحدة الارض والشعب والمؤسسات وعلى انتظام الحياة السياسية الذي يقوم على مبدأ ديموقراطية الحياة السياسية والتداول السلمي للسلطة وفق الخيارات التي تفرزها الارادة الشعبية ، وعلى قاعدة ان الدولة الوطنية تظلل الجميع على مختلف طيفهم السياسي والمجتمعي بنظامها الدستوري الذي يحفظ حقوق كل مكونات الشعب في اطار وحدة مؤسساتها الدستورية . وهذه العملية السياسية بقدر ما هي معنية باعادة انتاج نظام سياسي جديد ، فهي معنية ايضاً باعادة الاعتبار لموقع ودور سوريا القومي في مواجهة اعداء الامة المتعددي المشارب والمواقع وخاصة المشروع الصهيوني الذي يرتقي الصراع القومي معه الى مستوى الصراع الوجودي ، كما باعادة دمشق لسابق عهدها بان تكون قلب العروبة النابض وليس ممراً او مستقراً للقوى الشعوبية وقوى التكفير الديني والتخريب المجتمعي.
خامساً : ان القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي ، التي تدرك بان دمشق كانت حاضنة لانطلاق حزب الثورة العربية ،حزب الوحدة والحرية والاشتراكية، تكبر بشعب سوريا وعيه الوطني وحرصه على المال العام وتوجه التحية لمناضليه الذي ثاروا وانتفضوا على حكم الاستبداد والتوريث ومصادرة الحريات العامة وارتهان سوريا لقوى اقليمية ودولية نمت ادوارها على حساب مصالح الشعب وامنه الوطني والمجتمعي . كما تدعوه لان يكون شديد اليقظة الوطنية في مواجهة مخاطر التقسيم والتفتيت والارتهان للخارج الاقليمي والدولي ، وان يعمل على توحيد قواه السياسية والشعبية من اجل تحرير ارضه المحتلة من العدو الصهيوني وكل الاحتلالات الاجنبية الاخرى واخراج قواتها من الارض السورية التي يجب ان تبقى تحت سيادة الدولة الوطنية .
ان التحديات التى تواجه سوريا كما سائر الامة العربية في لحظة اشتداد الصراع الدولي والاقليمي عليها، تتطلب الاسراع باطلاق العملية السياسية من اجل تسريع الخطى في البناء الوطني على كافة الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، وهو الذي يدفع باتجاه تحصين الجبهة الداخلية في مواجهة كل من يضمر شراً بسوريا سواء من الداخل والخارج. فسوريا الموحدة الواضحة الخيارات الوطنية والقومية هي ضمانة الجميع وهي الحضن الدافئ لكل الذين عانوا من صقيع المؤامرات الخارجية وانتهازية واستغلال الطفيليات الداخلية.
تحية لشهداء سوريا ، وتحية لتضحيات مناضلي حزب البعث الاصيل والى شهدائه الذين قضوا في سجون ومعتقلات نظام قوى الردة الشباطية.
وتحية للمحرَّرين من سجون واقبية النظام الذين خرجوا للحرية ، والشفاء للجرحى .
وثقة الامة وجماهيرها ان تبقى سوريا وفية لعهدها القومي وتاريخها النضالي الذي لم يُضِعْ لحظة بوصلته ، ان نحو فلسطين وقضيتها في التحرير وحق تقرير المصير لشعبها المقاوم والمتشبث بارضه حتى الاستشهاد وان نحو قضايا الامة العربية في الوحدة والتقدم والديموقراطية.
القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي
في 8/12/2024