المُتَغَيِّرَات السيَاسِيَّة والعَسْكَرِيَّة في المِنطقَة وَدَوْر القِوَى الوَطَنِيَّة

المُتَغَيِّرَات السيَاسِيَّة والعَسْكَرِيَّة
في المِنطقَة وَدَوْر القِوَى الوَطَنِيَّة

بقلم: أبو مهدي

مقدمة
جاء فوز رئيس الولايات المتحدة الامريكية رقم 47 دونالد ترامب متزامناً مع واقع تشهد فيه منطقتنا والشرق الأوسط عموماً أحداث عنيفة من المتوقع أن تكون لها انعكاسات على شكل متغيرات سياسية وعسكرية وبروز حسابات جديدة للتحالفات وفقاً لمصالح الطرف الأقوى، في وقت يواجه فيه العالم العربي تحديات أمنية غير مسبوقة. حيث تعاني بعض الأقطار العربية من الحروب والعدوان، وأخرى تشهد عدم استقرار أمني وسياسي، وانهيار مفهوم الدولة الوطنية. كل ذلك في ظل اشتداد تنافس الدول العظمى في المنطقة، وزيادة المساحة الرمادية في تحديد شكل النظام الأمني العالمي الجديد، وقدرة الولايات المتحدة الأمريكية على تشكيله، وبرز التدخل العسكري من القوى الخارجية بشكل مباشر أو غير مباشر عن طريق دعم المليشيات والجماعات المتطرفة.
وتعتبر قضية فلسطين والعدوان الصهيوني الوحشي على غزة والضفة الغربية ولبنان في مقدمة تلك الأحداث التي وصلت إلى حد الإبادة الجماعية لشعبنا العربي في غزة وعلى مرأى ومسمع العالم اجمع، كما يشهد السودان حرباً ضروساً إضافة إلى احتمالات متفاقمة لتفجر الوضع في ليبيا مما يهدد الأقطار العربية في شمال افريقيا خاصة مصر والجزائر. أما العراق الذي سلمته الولايات المتحدة الأميركية ومعه المنطقة لإيران وأطلقت يدها فيه، وذلك وفقاً لتحالفات استراتيجية مشبوهة وأهداف وعقد تاريخية وحضارية تجاه العراق والأمة العربية والإسلامية فمن المتوقع أن يكون ساحة صراعات وهدف لتفجير نعرات تسعى إلى تقسيمه وتفتيت مجتمعه، مما يحتم تهيؤ أبنائه للدفاع عنه وتحريره واستعادته لحضن أمته العربية، وأن يحتل ذلك أولوية قصوى كونه طوق الأمة وحصنها العالي ودرعها المتين، وما يمثله من ثقل في الحفاظ على استقرار المنطقة والعالم من جهة أخرى.
تتبع العمليات العسكرية لما يسمى بقوات التحالف الدولي التي شهدتها المنطقة في الفترة الأخيرة أعلى درجات الردع والذي لا يتبنى فكرة الاندفاع الميداني للعمق والاحتلال المباشر للأراضي، بل الاستعاضة عنه بخلق وإيجاد منظومة ردع إقليمية تعتمد على كسر إرادة الطرف المقابل واحتوائه وفرض الإرادة السياسية عليه، وهي استراتيجية عسكرية جديدة تتلاءم وسياقات الحرب الحديثة.
وقراءة معمقة للسَوق العسكري والاستراتيجية السياسية لقوات التحالف الدولي تشير إلى أن ما نشهده في هذه المرحله يشمل تغير قادم في منطقتنا وفق كل العوامل والمتغيرات واستجابة للمصالح الاستراتيجية الدولية، وبالتالي فعلى العرب استثمار هذه المتغيرات الجديدة.
ففي لبنان تسعى الدولة وبالتعاون مع أطراف دولية في مقدمتها فرنسا إلى تطبيق القرار 1701 لمجلس الأمن الدولي والذي يتضمن نزع أسلحة الميليشيات وحصر السلاح بيد الدولة اللبنانية ونشر الجيش اللبناني في الجنوب ومعها قوات اليونفيل شمال نهر الليطاني. ومن أبرز سمات ما يجري هي:
• تدمير قدرات الميليشيات وفصلها عن حاضنتها الشعبية باستخدام أسلوب جديد بالردع مثل (الردع التدميري) و(الردع العقابي) وهو نموذج للاستخدام الإجرامي المفرط للقوة، والقائم على تدمير أهداف منتخبة تبدأ من قمة الهرم نزولاً باستخدام مقذوفات هائلة التدمير تفوق كل الحسابات العسكرية الاعتيادية في تخصيص الأسلحة المطلوبة وفق حجم الهدف.
• انتخاب بعض الأهداف وليس كلها والامعان بتدميرها بشكل غير مسبوق في الحروب التقليدية.
• استخدام الحرب السيبرانية بشكل واسع ومؤثر ولأول مرة في تاريخ الحروب.
• التركيز على حرب المعلومات والحرب النفسية.
• تدمير إجرامي للقرى والمدن فوق رؤوس ساكنيها وايقاع الخسائر الفادحة بالمدنيين.
• تزامن كل ذلك مع الضغوط السياسية من قبل الولايات المتحدة وحلفائها وفي نفس الوقت التفاوض مع الحكومة اللبنانية ودعمها للمساهمة في تحقيق الهدف.
أما بالنسبة إلى سوريا فإنها تتميز بظروفها التي شهدتها المراحل السابقة مما أدى إلى تدمير كل أو أغلب قدراتها العسكرية الفاعلة، كما أن جزءً من أراضيها الشرقية والشمالية الشرقية محتلة من قبل الولايات المتحدة بشكل مباشر أو غير مباشر، كما وتسيطر تركيا على أجزاء من الشمال السوري، مع وجود قاعدة روسية في مدينة طرطوس.
وفي ظل هذا الواقع فإنه من المتوقع أن تواجه سوريا خيارين وهما:
• إما تدمير ما تبقى من قدراتها العسكرية وهي محدودة جدأ، وتدمير المنشآت والبنى الارتكازية للدولة، وخراب بعض المدن، وشن حملات لتدمير مقرات وقدرات المليشيات الإيرانية والعراقية التابعة لإيران الموجودة فيها.
• أو الرضوخ وقبول إخراج المليشيات مقابل بقاء النظام.
وتشير التوقعات إلى أن النظام في سوريا سيستجيب لكل الإملاءات، وسيجري إخراج الميليشيات وفق اتفاقات مسبقة لتفادي أي ضربات، وتقديم ضمانات بذلك، وربما يجري التنسيق مع الجانب الروسي والذي من المرجح أنه سيتعامل بموضوعية وفق مصالحه العليا.
أما ميليشيا الحوثي في اليمن، وهي إحدى أذرع إيران، والتي تهدد دول الخليج العربي والملاحة الدولية في مضيق باب المندب والبحر الأحمر فمن الاحتمالات الواردة هو أنه سيتم التعامل معها كمرحلة لاحقة.
أما بخصوص إيران فقد اعتمدت سياسة الولايات المتحدة المعلنة على مساومة إيران للتخلي عن أذرعها مقابل عدم شن حرب شاملة عليها، إضافة إلى التعامل مع مشروعها النووي وفق مصالحها الاستراتيجية.
والاحتمال الأكثر واقعية وبحسب العقلية الفارسية المراوغة فإنها ستستجيب وتنصاع ضمن حدود معينة بقبولها الشروط مقابل ضمان بقاء نظامها.
مع ابقاء التهديد بالعودة لها في وقت لاحق لتقويض قدراتها العسكرية وضمان عدم امتلاكها للأسلحة النووية، إن كان بالضغط السياسي أو العقوبات أو كلاهما. مع الأخذ بنظر الاعتبار أن سياسة الغرب هي عدم التفريط بالتهديد الإيراني للعرب، لذا فإن هذا الهدف سيبقى شاخصاً أمام الولايات المتحدة الأمريكية والغرب عموماً لأنه يخدم ضمان مصالحها في المنطقة.
ويبقى التهديد باحتمال شن هجوم شامل يستهدف البرنامج النووي الإيراني وتدمير قدراتها العسكرية والاستراتيجية قائم، إلا أن هذا يمثل خيار مكلف جداً لدول التحالف، وهو ما تعارضه دول الخليج العربي لأنها ستكون أهدافاً مفتوحة للهجوم الإيراني في ظل امتلاك الأخيرة لترسانة من الصواريخ الدقيقة بعيدة المدى، ومنها صواريخ الفرط صوتية وأسراب من المسيرات المتطورة وبعض القدرات السيبرانية، إضافة للطوربيدات والزوارق السريعة، وأسلحة مضادة للطائرات، ومنها منظومات الدفاع الجوي الروسية (أس 300) مما ينذر بحدوث حرب شاملة في المنطقة، وربما تتطور الأمور لحرب عالمية ثالثة. لذا فإن الخيار الأول هو المرجح.
ووفق كل المعطيات والتقديرات فإنه من الضروري انتباه العرب إلى الخطر الكبير المحدق القائم، وهو أن إيران تسعى للمراوغة لشراء الوقت، فاحتمال أن تكون إيران قد امتلكت بالفعل السلاح النووي، هو احتمال قائم، وهو ما تجعله ورقة ضغط لتجنب الضربة الشاملة من جهة، واستمرار فرض شروطها لتقاسم النفوذ في الوطن العربي والهيمنة على القرار السياسي في بعض أقطاره من جهة أخرى، وأن كل ذلك يتعارض تماماً مع الأمن العربي واستقراره الإقليمي ومصالح الدول العربية.
ويعتبر العراق هو البلد الأهم والأصعب في مواجهة مخالب إيران فيه، وذلك لعوامل عديدة اجتماعية وجيوسياسية فرضها الموقع الجغرافي ونفوذ إيران وميليشياتها، وهيمنتها على مقدرات البلد من خلال حكومات عميلة تابعة لها وسيطرتها المطلقة على السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية ومحاولات تغيير التركيبة الديمغرافية وإشاعة الجهل والتجهيل وانتشار السلاح المنفلت بوجود الميليشيات المتعددة.
وقد أثبتت الأحداث كما كل الدراسات والمختصين بالسياسات الاستراتيجية العالمية وبالذات الغربية منها، فشل وخطأ بل خطيئة احتلال العراق، والذي تسبب في اختلال موازين القوى والتي، باعترافهم، بات أثرها يهدد العالم والمنطقة بفضل إطلاق يد إيران وأذرعها فيها.
وفي ظل هذا الوعي الدولي المتزايد لخطأ احتلال العراق وما نتج عنه من احتلال إيراني مطبق عليه، والذي منه انطلق اندفاع نظام الولي الفقيه إلى أقطار عربية أخرى، وفي ظل سيادة المناخ الأمني المليء بالتحديات، فإن على كافة القوى الوطنية والقومية في الأقطار العربية أن تدرك حجم المخاطر التي ستواجهها، وتباشر بإقامة أقوى درجات التعاون والتنسيق
الحيوي لتعزيز أمنها في مواجهة التهديدات الخارجية وبعض التهديدات الداخلية. وتصعيد النضال لانتزاع العراق والأقطار العربية الأخرى من جميع أشكال الهيمنة والتسلّط الإيرانية هذه، والعمل على استغلال نتائج المتغيرات الدولية الجديدة باتجاه تحقيق هدف استعادة كرامة بلدانها وضمان استقلالها وإعادتها إلى الحاضنة العربية وإقامة أنظمة وطنية ديمقراطية مستقلة.

Author: nasser