التهجير القسري من غزة والضفة لتنفيذ مشروع “الشرق الأوسط الكبير” إنهاء لهوية الأمة العربية

التهجير القسري من غزة والضفة لتنفيذ مشروع

“الشرق الأوسط الكبير”

إنهاء لهوية الأمة العربية

الدكتور حسن شاكر

–    الحلقة الاولى –

 

 

مقدمة

بدا العقد الأخير من القرن العشرين حافلاً بإحداث مروعة متسارعة متنوعة ، إذ انهار الاتحاد السوفيتي السابق وانفرط المعسكر الشرقي الذي كان منتظماً في حلف وارسو، مما ولّد فراغاً في القوى وخللاً في التوازنات وانفردت الولايات المتحدة الأمريكية بالهيمنة وأصبحت القطب الأوحد في العالم وبدأت تخطط لرسم معالم نظام عالمي جديد، على أنقاض النظام العالمي الذي تأسس بعد الحرب العالمية الأولى، حيث اتفقت دول الحلفاء فيما بينها لتقاسم ممتلكات الدولة العثمانية، فبدأت بريطانيا وفرنسا تفكران بالسيطرة على بلاد الشام والعراق وشمال افريقيا وإحكام السيطرة على شبه الجزيرة العربية. وأعادت روسيا التفكير بالتوسع جنوباً على حساب الأقاليم الإسلامية في القفقاس وتركستان الغربية (1).

 وكان التهجير القسري لتغيير الهوية الطبيعية والتركيبة الديمغرافية والبناء الاجتماعي جزء من أدوات سياسة الهيمنة لتحقيق الاهداف الاستعمارية.

إن  التهجير القسري للسكان ليس بالظاهرة الجديدة او الفريدة التي تقتصر على دولة بعينها ، فقد وظفت الدول الأوربية تهجير السكان باعتباره وسيلة من وسائل غزو البلدان الأجنبية ومن الأمثلة على ذلك ؛ ما قام به الشعب الإنكلوسكسوني من تهجير الشعوب الكندية والامريكية الأصلية من ديارها ، ومحاكم التفتيش السياسية الاوربية التي حكمت بتهجير أبناء الأقليات الدينية من أراضيهم وديارهم في مطلع القرن السادس عشر الميلادي (2) ، وعبرت عدد من الإعلانات والمعاهدات الدولية التي صدرت في القرنين التاسع عشر والعشرين عن نقدها لتهجير السكان وترحيلهم عن أوطانهم ، إلا أن هذه المعارضة في الشرعة الدولية لم تتجلّ الا بعد الأفعال الجسيمة التي ارتكبتها ألمانيا النازية ، فوضعت محاكمات نورمبرج التي تلت الحرب العالمية الثانية الأسس القانونية للأحكام التي اندرجت ضمن المادة (49) من اتفاقية جنيف الرابعة 1949 التي اعتبرت نقل السكان واستعمار الأقاليم الواقعة تحت الاحتلال (جريمة حرب) و (جريمة ضد الإنسانية) ، وتعززت هذه الرؤية القانونية وتوطدت عبر نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية الذي صدر بعد مرور نصف قرن على اتفاقيات جنيف الأربعة (3) ، إذ بينت اللجنة الفرعية لمنع التمييز ما يأتي :

((يبقى النقل القسري للسكان في جوهره عملاً ذا طابع همجي وقسري ومتعمد … يقوم على نقل السكان الى منطقة معينة أو الى خارجها … بهدف أو لغاية تغيير التركيبة الديمغرافية للإقليم المعني، ولا سيما في المواضيع التي تؤكد فيها تلك الإيديولوجيا أو السياسة على هيمنة جماعة معينة على جماعة أخرى)). لذلك ينطوي التهجير القسري على ركن بارز من أركان الاستعمار وهو: ((إخضاع الشعوب لاستعباد الأجنبي وسيطرته واستغلاله)) (4).

هدف التهجير القسري والتغيير الديموغرافي لسكان غزة والضفة الغربية

تشكل جريمة التهجير القسري التي يمارسها الكيان الصهيوني بحق شعبنا العربي في الأراضي الفلسطينية المحتلة خطرًا حقيقيًا وداهمًا، إذ تقوم بعملية الجرف في قطاع غزة كما وتنفذ مخططات ترمي إلى الترحيل القسري للتجمعات السكانية الفلسطينية في المناطق الوسطى بالضفة الغربية.

ومنذ يوم 7 أكتوبر 2023 يتعرض السكان المدنيين في غزة للتطهير العرقي والإبادة والتهجير القسري لإفراغ قطاع غزة من سكانها المدنيين وتدمير كل مقومات الحياة باستخدام أشد أنواع الأسلحة فتكاً بما فيها الأسلحة المحرمة دولياً، والمجتمع الدولي يقف متفرجا وكأنه عاجز عن إيقاف آلة التدمير العسكرية الصهيونية. كما انكشف وتعرى النظام الإجرامي الإيراني في طهران لمن كان في عينه غشاوة بأن هذا النظام يمكن أن يكون في يوم من الايام مدافعاً عن فلسطين، وها هي إيران بدعم أمريكي و”إسرائيلي” تسيطر على اربعة عواصم عربية دون فعل شيء يذكر لفلسطين، رغم ان الطريق الى فلسطين أصبح أقرب اليها من أي وقت مضى.

 ودخلت الحرب “الاسرائيلية” على غزة اسبوعها السابع عقب عملية طوفان الأقصى يوم السابع من أكتوبر 2023، مع استمرار القصف “الإسرائيلي” العنيف على الأهداف المدنية داخل قطاع غزة، إذ شن جيش الكيان الصهيوني حرب إبادة على القطاع استخدمت فيها أسلحة جديدة سوت 60% من المنازل بالأرض اي الاف الوحدات السكنية خلال شهر واحد ونيف. هذه الجرائم خلفت أكثر من (13 ألف) شهيد بينهم أكثر من (5 آلاف) طفل وأكثر من (40 ألف) جريح.

ولقد ثبت من الاستراتيجية التي تعتمدها “اسرائيل” ان استهداف المدنيين هو قرار متعمد وممنهج، وتقوم هذه الاستراتيجية على تفعيل قوة نار غير متكافئة مع مصدر التهديد، وتسوية البنى التحتية للقرى والبلدات بالأرض بهدف تحميل الحاضنة الشعبية لأية مقاومة المسؤولية وكسر موازين القوى العسكرية في الميدان، وهي عقيدة التدمير لأجل التدمير.

 ويمكن ان تؤدي هذه الحرب الى عدد من التداعيات بسبب العمليات العسكرية “الإسرائيلية” واسعة النطاق من القصف الجوي المكثف ونيران المدفعية والعمليات البرية داخل القطاع والتهجير القسري لسكان القطاع الى الجنوب والقتل المتعمد الذي طال الأطفال والنساء والشيوخ وفرض حالة الحصار والعقاب الجماعي على المدنيين وانتهاك قوانين الحرب والقانون الدولي الإنساني، وهي انتهاكات واسعة النطاق تشكل جرائم حرب ضد المدنيين والمواقع المدنية من مساجد وكنائس ومدارس ومشافي ، بدعم غير محدود من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا وكندا ومعظم دول أوروبا . هذا الدعم شمل الجانب الاقتصادي والعسكري والاستخباري، وسيكون لهذا العدوان “الإسرائيلي” أثر كبير على مستقبل القضية الفلسطينية وقطاع غزة وانعكاس ذلك على الوضع الإقليمي والدول العربية ما لم تتم بلورة مشروع عربي للمواجهة.

ورغم أن لهذه العمليات العسكرية واسعة النطاق والمدمرة والضحايا من الأطفال والنساء والرجال من المدنيين الذين هم في تزايد مستمر قد أعاد الحياة الى الوعي العربي والى قيم العروبة ، ووجهت اهتمام الرأي العام العربي نحو القضية الفلسطينية، لاسيما لدى الشباب العربي وكذلك الراي العام العالمي ، ورغم مطالبة مصر والاردن الوقف الفوري للحرب على غزة ورفض سياسة العقاب الجماعي لسكانها ، واية محاولة للتهجير القسري للفلسطينيين الى الأردن ومصر، الا ان خطر التغيير الديموغرافي ما زال قائما مع استمرار استخدام  ابشع  الوسائل واكثرها اجراما وفضاعة .

إن الهدف الرئيس لإسرائيل من التهجير القسري لسكان غزة ولاحقاً لسكان الضفة الغربية هو تصفية القضية الفلسطينية وحرمان الشعب الفلسطيني من استثمار موارده الطبيعية والانتفاع بها.

وهو غير معزول عما جرى ويجري من خطوات لتحقيق مشروع الشرق الاوسط الجديد” الذي هو في حقيقته “اسرائيل الكبرى”، عبر التغيير الديموغرافي الذي جرى ويجري تنفيذه في العراق وسوريا ولبنان واليمن وليبيا والسودان. والسيطرة على كافة موارد تلك الاقطار الغنية ومنها فلسطين في غزة والضفة.

حيث يمتلك قطاع غزة موارد طبيعية بمليارات الدولارات تشكل السبب الاضافي الذي يقف خلف تكالب القوى العظمى عليها في مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، على دعم “إسرائيل” في تدمير غزة وتهجير سكانها إذ يقدر احتياطي النفط والغاز في الأراضي الفلسطينية بنحو (1.5) مليار برميل من النفط الخام و(1.4) ترليون قدم مكعب من الوقود الأزرق على وفق مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (UNCTAD) وتقع هذه الموارد الطبيعية في المنطقة (ج) من الضفة الغربية وساحل البحر الأبيض المتوسط قبالة قطاع غزة.

 ويُعدُّ حقل (غزة مارين) الواقع على بعد 30 كيلومتراً من ساحل غزة بين حقلي الغاز العملاقين (لونيان) و (ظهر) من حقول الطاقة المهمة في الشرق الأوسط، ويقدر مخزون الحقل بأكثر من تريليون متراً مكعباً من الغاز، وكانت شركة الغاز البريطانية (British Gas) تتولى مهمة التنقيب في الحقل.

 لذا فقد أعلن رئيس وزراء الكيان الصهيوني بكل صراحة عن إعادة تشكيل الشرق الأوسط بعد عملية (طوفان الأقصى)، حيث يقوم هذا الكيان باستغلال الدعم الأمريكي والاوربي له الى أقصى حد ممكن بما يعظّم ويحفظ مكتسباته الحالية والمستقبلية من الحرب.

إن الاستراتيجية المعتمدة تهدف الى إعادة تشكيل الشرق الأوسط الجديد على وفق قواعد ((الصراع الظاهري، والتكامل الخفي))، بين المشروعين العدوانيين الكبيرين في المنطقة وهما: (المشروع الأمريكي الغربي الإسرائيلي)، و (المشروع الإيراني)، وذيولها في المنطقة، والتي ستكون فرادى ومجتمعة على حساب الأمة العربية، وجوداً وهويةً وحقوق.

 

 

يتبع لطفاً..

Author: nasser