بيان القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي حول القمة العربية

بيان القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي حول القمة العربية

 

القيادة القومية: قمة جدة” غرقت بالشكليات، وغابت عنها الالتزامات القومية والمبادرات العملية.  

 

 

أكدت القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي، أن قمة جدة تجنبت مواجهة التحديات الفعلية التي تواجه الأمة، وأغرقت نفسها في الشكليات والطابع الإحتفائي، فيما مصلحة الأمة تقتضي إطلاق مبادرات جدية لمقاربة الحلول للأزمات البنيوية التي تعصف بالعديد من الأقطار العربية. 

جاء ذلك في بيان للقيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي فيما يلي نصه:

 

 

في الوقت الذي كانت فيه الأمة تنتظر من القمة العربية التي انعقدت في جدة مقاربات جدية وعملية للأزمات البنيوية والسياسية الحادة التي تعيش تحت وطأتها أكثر من ساحة عربية، طغت عليها   الأجواء الإحتفائية، وتجنبت مواجهة التحديات الفعلية التي تواجه الأمة   في ظل الاطباق المعادي الذي تنوء تحت وطأته الثقيلة وباتت المشاريع المعادية التي تستهدف الوطن العربي من داخله ومداخله تشكل تهديداً داهماً للوجود القومي والهوية العربية.

إن اعتبار عودة سوريا إلى شغل موقعها في جامعة الدول العربية نجاحاً باهراً للقمة هو تقدير افتراضي شكلي، لا يبنى عليه لتقييم أعمال القمة وما تمخض عنها من مقررات، لأن التقييم يبنى على إطلاق مبادرات فعلية وتحديد الإجابات على التساؤلات السياسية المحددة التي تحتاج إليها جماهير الأمة العربية وهي تخوض صراعاً متعدد الأوجه ضد أعداء الأمة المتعددي والمشارب والمواقع.

إننا بالأساس لم نكن مع تعليق عضوية سوريا في جامعة الدول العربية، لأن العضوية هي للدول وليست للأنظمة والمسؤولين فيها، ولهذا فإن المحاسبة السياسية للنظام على مواقف ارتكبها بحق الأمة والجماهير، يجب ألا تنسحب على عضوية الدول في الهيئات القومية والإقليمية والدولية. وعليه فإن حضور رئيس النظام السوري أعمال القمة لا يعتبر إنجازاً بحد ذاته   إلا إذا كان المطلوب تقديم الشكليات على الجوهر، ويبدو أن هذا ما كان يراد تحقيقه.

لقد انعقدت القمة والمواجهات في فلسطين المحتلة على أشدها حيث جماهير فلسطين تقاوم باللحم الحي قوات الاحتلال الصهيوني وإغارات  المستوطنين على المدن والقرى والمخيمات وآخرها ما سمي بمسيرة الأعلام الصهيونية في القدس في نفس الوقت الذي كان فيه  الملوك والأمراء والرؤساء ملتئمين لأخذ الصور التذكارية ، وبدل أن تُطلق القمة مبادرة لدعم شعب فلسطين بكل الامكانات التي تمكنه من الصمود والمواجهة ، اكتفى “إعلان جدة” على اجترار المواقف السابقة التي  تجاوزها الزمن سياسياً كما على  أرض الواقع حيث العدو  الصهيوني مستمر  في تنفيذ استراتيجيته القائمة على أساس التدمير لغزة والتهجير للقدس والضفة لفرض التهويد الكامل على أرض فلسطين التاريخية والصهينة على كل معالم الحياة فيها.

 وهنا نتساءل، ألا تستحق فلسطين وجماهيرها إطلاق مبادرة عملية لفك الحصار المالي والسياسي عن الثورة الفلسطينية وهذا أضعف الإيمان والبدء   بتأسيس صندوق قومي لدعم القضية الفلسطينية والمساعدة في تلتقي نتائج المواجهات مع العدو وما تدفعه جماهيرنا من تضحيات بشرية ومادية.

    إن فلسطين تستحق أكثر من ذلك، وهذا الموقف القومي لم يتخذ لأن من يسير خط التطبيع مع العدو الصهيوني جهارة وتحت الطاولة مداورة، لن يُقْدِم على اتخاذ مواقف قومية أصيلة تقارب القضية الفلسطينية دعماً واسناداً وتوفيراً لحضن قومي دافئ، لأن مصالحه الخاصة وتحالفاته الإقليمية والدولية وارتهاناته للخارج على حساب مقتضيات الأمن القومي هي التي تحتل الأولوية في تحديد خياراته السياسية.

 

من هنا فإن القمة العربية الأخيرة وبعيداً عن البروبغندا الإعلامية التي تروج لإنجازاتها الفارغة من المحتوى العملي كما الكثير من سابقاتها، لم تلتزم بالحد الأدنى مما انطوى عليها ميثاق جامعة الدول العربية، بدءاً من تجاوز مفهوم وحدة الأمن القومي العربي، إلى مجاهرة من بعض من حضر القمة ومفاخرته بعلاقات تحالفية مع قوى إقليمية ودولية، كانت وما زالت تستبطن في سلوكها عدائية واضحة ضد الأمة العربية ومصالحها. وهذا ما ينطبق بشكل خاص على النظام السوري الذي استبق حضوره القمة بتوقيعه رزمة اتفاقيات أمنية واقتصادية مع النظام الإيراني لفرضها كأمر واقع على الواقع القومي فضلاً عن أنظمة عربية قطعت شوطاً في تطبيع علاقاتها مع العدو الصهيوني. 

إن قمةً  عربية ، لا تطرح مبادرة جدية لمساعدة السودان  على الخروج من أتون أزمته الخانقة والتي دخلت طوراً خطيراً بعد انفجار الوضع العسكري بعدما  وصل الانسداد السياسي إلى ذروته بسبب تعطيل آليات التحول الديموقراطي ، ولا تتوقف عند الآثار الخطيرة لمخطط التغيير الديموغرافي في الخارطة السكانية العربية من جراء موجات النزوح واللجوء التهجير القسري  الذي يتعرض له مواطنو الدول التي انفجرت أوضاعها السياسية والأمنية ، واستقدام مجموعات من جنسيات غير عربية لتوطينها في الأقطار العربية التي تشهد أزمات بنيوية في مشهديات  تعيد  للأذهان مخطط الاستيطان الصهيوني المتواصل فصولاً لتغيير التركيب الديموغرافي في البنيان المجتمعي  للأمة هي قمة مغرّبة عن الواقع القومي بعدما باتت أوضاع  العراق وسوريا واليمن والسودان وليبيا  وأقطار عربية أخرى على درجة من الخطورة.

وإن قمة عربية ،  تتجاهل ما ترتب على احتلال العراق من نتائج سياسية واقتصادية واجتماعية ، بل أكثر من ذلك ، تتعامل مع العملية السياسية بكل رموزها ورعاتها الإقليميين والدوليين ، بأنها الشرعية التي تمثل العراق ، هو استمرار للنهج التآمري الذي كان بعض من  حضر القمة شريكاً في مؤامرة  ضرب  العراق واحتلاله واسقاط نظامه الوطني، وهو ما ينطبق على مسألة  تجاهل  معاناة شعب سوريا وما تعرض له من تهجير وتدمير لمرافقه الحياتية والحيوية وغياب أية  مبادرة عربية لحل الأزمة  يعيد  لسوريا هويتها العربية  ودورها في صياغة مشروع قومي عربي انطلاقاً من  إعادة توحيدها أرضاً وشعباً ومؤسسات وتحريرها من الجيوش والقواعد  الأجنبية والميليشيات التي تعبث بالأمن الوطني والمجتمعي، وكل هذا يبين أن القمة العربية هي أسيرة تكوينها الرسمي ، وأن مواقفها تعبر عن انفصام في الشخصية السياسية لهذه الهيئة الاعتبارية التي باتت أسيرة الاملاءات التي تملى عليها والإيحاءات التي تحدد سقف مواقفها السياسية. 

لقد درجت العادة أثناء انعقاد القمم السابقة، وبات ما يشبه التقليد هو دعوة هيئات دولية ومنظمات إقليمية لحضور جلسات الافتتاح، لكن لم يشهد أن حصل في قمم سابقة أن تمت استضافة رؤساء لإلقاء كلمات ودولهم في حالة حرب مع دول أخرى تحكمها علاقات صداقة مع العديد من الدول العربية. وعليه فإن دعوة الرئيس الأوكراني لحضور القمة وتجاهل دعوة الرئيس الروسي هي سقطة سياسية لا بل أكثر من ذلك إنها انحياز لطرف دون الآخر في وقت كان يفترض فيه أن يبقى النظام الرسمي العربي طرفاً محايداً كي يتمكن من لعب دور الوسيط الذي يساعد على إنهاء هذه الحرب على قاعدة احترام حق الشعوب في تقرير مصيرها وتحديد خياراتها لكن ضمن الحدود التي تصون حقوق الآخرين وخاصة بما يتعلق بالأمن القومي.

 

إن القيادة القومية لحزب البعث العربي  الاشتراكي ، التي ما برحت تدعو لإعادة الاعتبار للمركز القومي الجاذب كي يكون باستطاعته  تحقيق الامتلاء السياسي والتعبوي لأمتنا العربية ويضع حداً لحالة الفراغ في الواقع القومي الذي مكّن القوى  الإقليمية والدولية استغلال هذا الفراغ للتغول في العمق القومي ، ترى أن إعادة الحياة لصيغ العمل العربي المشترك هو مطلب شعبي عربي ، شرط أن تكون مضامين هذه الصيغ تصب في مصلحة الأمة  وأمنها القومي ، وليس في مصلحة المشاريع الخاصة التي يسعى أصحابها إلى توفير بيئة آمنة لاستثماراتهم المالية والتجارية والاقتصادية  من خلال ترتيبات أمنية وسياسية ومشاريع اقتصادية مشتركة مع قوى دولية وإقليمية ، وهذا ما ينّظر له تحت عنوان التنمية المستدامة التي تحاكي مصالح الشركات الكبرى وصناديق الاستثمارات الدولية دون مصالح الشرائح العظمى من أبناء الشعب العربي الذي باتت قطاعاته الواسعة تنوء تحت عبء الضغوط المعيشية.

إننا في السابق لم نكن نراهن، على خلاص لهذه الأمة وتحررها في ظل هكذا منظومات حاكمة، وفي ظل لقاءاتها الثنائية أو المتعددة الطرف، ولقاء القمة شكل من أشكالها. واليوم فإننا نؤكد على جوهر هذا الموقف ، وانطلاقاً من ثابتة هذا الموقف ، فإن “إعلان جدة “، هو بيان سياسي سمته الأساسية أنه ينطوي على  إعلان نوايا  واجترار لمواقف سابقة ، وهؤلاء الذين اجتمعوا في جدة إنما اتفقوا  على إعادة إنتاج النظام الرسمي العربي وترميم تصدعاته  ليس ليكون قادراً على تلبية الطموح الشعبي العربي في الوحدة والتقدم والتحرر وإنما في الشكل الذي يخدم أجندة القوى التي تحضر نفسها لتكون من ركائز نظام إقليمي جديد، وهو الذي يتطلب توسيع مروحة التطبيع مع الكيان الصهيوني ومثلها مع النظام الإيراني كما التركي كثلاث مرتكزات إقليمية للنظام الشرق أوسطي الجديد.

فبئس هكذا قمة عربية، لم تقارب الأزمات الفعلية بروح المبادرات الجدية للبحث عن مخرجات حلول لهذه الأزمات بإرادة عربية مستقلة، وبئس هكذا قمة لم تأتِ على ذكر الجزر الثلاث المحتلة من إيران وكذلك ثورة شعب الأحواز ضد الاحتلال الفارسي، وبئس هكذا قمة عربية لم تتخذ خطوات فعلية لدعم المقاومة الفلسطينية وفك الحصار المالي والاقتصادي عن جماهير فلسطين، وبئس هكذا قمة عربية تزين للاحتلال الأمريكي والإيراني للعراق وتتجاهل معاناة شعبه كما معاناة شعب سوريا. 

إن جماهير الأمة  العربية التي تنخرط في حراك شعبي من انتزاع حقوقها السياسية، وتقاوم أنظمة الاستبداد والردة والتسلط والتأبيد السلطوي ، وتدعو إلى اسقاط نهج التطبيع ،ليست بحاجة إلى إعلان نوايا، وهي تدرك أن هكذا لقاء لرؤساء منظومة حاكمة لن تتخذ مواقف وتطلق مبادرات ذات مفاعيل إيجابية على مجرى صراع الأمة  مع أعدائها ، وادراكاً منها بأن فاقد الشيء لا يعطيه ،بل أن   رهانها سيبقى  على القوى الحية في هذه الأمة  التي تخوض صراعها متمسكة بسلاح الموقف وقابضة على جمره وعلى استمرار رفضها ومقاومتها لكل من يسعى للنزول بالتطبيع مع القوى المعادية من دوائر النظام الرسمي إلى القاعدة الجماهيرية العريضة.

تحية لفلسطين وثورتها، وتحية لكل الثوار والمناضلين العرب الذين يقامون الاحتلال ويكافحون من أجل تحولات سياسية ديموقراطية.

المجد والخلود للشهداء والحرية للأسرى والمعتقلين والخزي والعار للخونة والمطبعين والمرتهنين للخارج الدولي والإقليمي.

 

 

القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي

٢٠٢٣/٥/٢٢

Author: nasser