رسالة الرفيق المناضل علي الريح السنهوري أمين سر قيادة القطر إلى أعضاء حزب البعث العربي الاشتراكي
بسم الله الرحمن الرحيم
أيها الرفيقات والرفاق الأعزاء:
التحية لصمودكم ولنضالكم الدؤوب، الصبور والبطولي، في هذه الظروف القاسية والمعقدة التي تشاركون فيها شعبنا في معاناته المتفاقمة جراء الفوضى الأمنية، والأزمة المعيشية والصحية، وما لحق ويلحق بالبلاد من دمار وخراب بسبب الحرب العبثية وتداعياتها، التي يمكن أن تؤدي لتمزيق نسيجها الوطني وتفتيتها لدويلات، وتشريد شعبنا في مخيمات النزوح داخل البلاد ومخيمات اللجوء خارجها.
أيها الرفاق المناضلين:
إن هذه الحرب العبثية هي إحدى النتائج المباشرة لدكتاتورية شمولية، دامت 30 عاما، حاول فيها النظام المخلوع و حزبه المحلول، إعادة صياغة المجتمع السوداني بكل مؤسساته المدنية والعسكرية، وفق تصور أيديولوجي إقصائي بهدف ضمان مصالح أعضاء حزبه الاجتماعية والاقتصادية، وتمكينهم من السلطة والثروة، الأمر الذي أحدث تشوهات مركبة في كل مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية، وتأسيس سلطة الاستبداد والفساد، كما أدى الى التفريط في وحدة البلاد وخسران ثلث سكانها وأرضها، واستسهال العمل خارج أطر القانون والدستور، بقيام مؤسسات وأجهزة قمعية، تتبع مباشرة لحزب المتأسلمين، وتجنيب أموال الدولة للصرف على هذه المؤسسات والأجهزة.
أيها الرفاق المناضلين:
أنتم تعلمون أن حَمَلة السلاح، سواء كانوا ضمن قوات نظامية أو غير نظامية، فإنهم يحتكمون للسلاح في حل خلافاتهم، سواء فيما بينهم أو في مواجهة قوى مدنية، وقد أسفروا عن هذا الوجه القبيح في جرائم الغدر في فض الاعتصامات، كما في انقلاب 25 أكتوبر 2021م، وفي قتل وقمع المتظاهرين الشباب، وفي الاعتقالات، وفي تلفيق التهم لمعارضيهم، وفي محاولات تزييف الإرادة الشعبية، وفي مناورات بذر التناقضات وسط القوى الحية، وتفتيت قوى الثورة، وقطع الطريق أمام تحول ديمقراطي حقيقي، ولما لم تفلح كل هذه الجرائم والأساليب الخبيثة في تحقيق مآربهم وطموحاتهم السلطوية غير المشروعة، ومصالحهم الضيقة، في احتواء أو حرف مسار انتفاضة شعب السودان السلمية، فقد لجأوا لإشعال نيران هذه الحرب الغبية والمهلكة، التي لا يمكن لأي من الطرفين الانتصار فيها وفقا لموازين القوى القائمة بينهما، والتي يعرفها المواطن البسيط، دون أي رادع أخلاقي أو اعتبار للمسئولية الوطنية وسلامة البلاد. حرب تدور بشكل رئيسي في شوارع وأزقة ومنازل ومؤسسات الدولة فى العاصمة، التي تشكل أكبر تجمع سكاني، مما قاد إلى مأساة انسانية تتفاقم يوما بعد يوم، في كافة أوجه الحياة حيث أنعدمت السلع الغذائية أو تصاعدت أسعارها بشكل جنوني، وتوقفت، أو كادت أن تتوقف غالبية المستشفيات والمراكز الصحية والصيدليات عن العمل، وانقطع التيار الكهربائي والمياه عن معظم أحياء العاصمة القومية، وعدد من المدن، ذلك في ظل القصف العشوائي بالمدفعية والمدرعات والطائرات للأحياء المكتظة بالسكان.
وازدياد حالات النهب والاعتداء على السكان وتدمير ممتلكاتهم وترويع نسائهم وأطفالهم، والذى تفاقم مع إطلاق سراح السجناء ومعتادي الإجرام، وفيهم من هم أعضاء معروفين فى العصابات الإجرامية في غياب تام لأجهزة الشرطة والدفاع المدني.
وشهدت عدد من الولايات مظاهر مماثلة لما يحدث فى العاصمة القومية، إضافة لمحاولات آثمة لخلق فتن قبلية مما يرتقي لدرجة الخيانة الوطنية، لكون من أشعل هذه الحرب لم يبالِ بتعريض الشعب لمخاطر وأهوال ومآسي الحرب في استخفاف واضح بإرادة الجماهير.
وإذ تحركت القوى الوطنية في ولايات جنوب وشمال ووسط دارفور وغرب كردفان لنزع فتيل الحرب وبسط السلام والأمن والاستقرار، فقد قدمت المثال على قدرة الجماهير على فرض إرادتها والالتزام العالي بالمسئولية الوطنية والمبادرة، مما يقدم المثل للاحتذاء به في بقية ولايات السودان وإسقاط أجندة أمراء وتجار الحرب والفلول والعملاء وكافة أعداء الشعب والوطن الذين يدعون، علنا، لتأجيج أوارها وتكريس تسلطهم ووصايتهم عليه.
فالجماهير هي صاحبة الحق والمصلحة الحقيقية في أمن واستقرار البلاد وسلامتها وتقدمها. والكلمة الفصل لجماهير الشعب من خلال نظام ديمقراطي يُؤمِّن حرية الفكر والاعتقاد والتعبير والتنظيم والتداول السلمي للسلطة.
فلا وصاية على الشعب ولا سلطة لغير الشعب، ولا مكان لحَمَلة السلاح، نظاميين أو غير نظاميين، في السلطة الانتقالية، إلى حين توفيق أوضاعها وتحولها إلى حركات سياسية.
إن شعبنا قوي بتعبيراته السلمية وقد اختزن من تجاربه وخبراته النضالية المتراكمة ما يؤهله لإنفاذ إرادته ومواجهة أي نتائج تنجم عن هذا الاقتتال، للعودة للوراء، أو فرض بديل استبدادي، أو محاولة لتزييف إرادته أو تجييرها. ولذا فإن الواجب الوطني يقتضي تعزيز الجهود الجارية لتوحيد قوى الثورة الحية في جبهة شعبية عريضة ببرنامج وطني واضح يتضمن إيقاف الحرب ومعالجة تداعياتها . وسلاحنا إلى ذلك مواصلة التعبئة بالوسائل السلمية وتتويجها بالإضراب السياسي والعصيان المدني.
أيها الرفاق المناضلين:
ضمن الأوضاع في هذه المرحلة التي تختلف بين منطقة وأخرى، فإن على منظمات الحزب وقيادات الفرق تكييف عملها وفقا لواقع المنطقة وتقوية وتشجيع العلاقات الاجتماعية التكافلية بين الرفاق والمجتمع، والتقاط المبادرات الإيجابية مهما بدت بسيطة من الأفراد أو الجماعات ودعمها بما يعزز ثقة المجتمع في نفسه وفى قدرته على تجاوز واقع الحرب. علينا دعم وتبني المبادرات الإنسانية لأبناء شعبنا فى المناطق غير المتأثرة، والإشادة بمواقفهم النبيلة المعبرة عن وحدة الوجدان الوطني الرافض للحرب من حيث المبدأ. كما علينا تحمل كامل المسئولية في تصريف وابتداع خطط العمل الحزبي في الأحياء والمناطق في إطار الخط المركزي المعلن للحزب، بالاهتمام بقضايا الحي والمنطقة بكل الوسائل الممكنة، بما في ذلك تشكيل التحالفات مع كل القوى السياسية والاجتماعية ولجان المقاومة، سواء بالحي أو بالمنطقة ممن يتوافقون مع خط الحزب بصرف النظر عن موقف قياداتهم، والحد الأدنى للتوافق يتمثل في: رفض الحرب وما ينجم عنها من ترتيبات سياسية، والتهيئة للمواجهة بسلاح الشعب المجرب الإضراب السياسي والعصيان المدني، ورفض عسكرة الممارسة السياسية بأي صيغة من الصيغ، ومن أي كائن كان. وبالتالي رفض الاتفاق الإطاري الذي شرعن الانقلاب على مسيرة التحول الديموقراطى، علينا الالتزام بالموضوعية وتجنب الإساءات والمهاترات، وأن نعمل ضد إعطاء هذه الحرب الحمقاء أبعادا جهوية أو قبلية. وعلى الرفاق في قيادات الشُعب والفِرق المشاركة سواء الميدانية أو عبر التواصل في دعم وإسناد عمل المنظمات في الأحياء والمناطق.
أيها الرفاق والرفيقات:
إن مسؤوليتنا التاريخية تجاه شعبنا تحتم علينا أن نرتقي بجهودنا بتواصلنا وتلاحمنا مع جماهير شعبنا في المدن والبوادي والأرياف، بالمطالبة بوقف شامل لإطلاق النار بين الأطراف المتحاربة، وفتح ممرات ٱمنة لتقديم الخدمات الصحية وتمكين المواطنين من مزاولة حياتهم الطبيعية. وتقديم كل الخدمات الممكنة لمداواة جراحهم وتوحيد الرؤية بنبذ الفرقة ودعاتها وقبر أدواتها وإعلاء
قيم التعايش السلمي المجتمعي. وتوحيد الرؤية ضد الحرب ومشعليها وأدواتها، وحتما ستنتصر إرادة شعبنا في مواجهة قوى الردة والفلول وتضع بلادنا على طريق النظام الديمقراطي التعددي والسلام المستدام. والنصر المؤزر لشعبنا وثورته الممتدة بشعارها (حرية سلام وعدالة)
الخلود للشهداء الأكرم منا والشفاء للجرحى والمرضى والعودة الآمنة للمفقودين والمغيبين قسريا.
الرفيق على الريح السنهوري
أمين سر قيادة القطر
الخرطوم
2023/4 /27
7 شوال 1444