نحو تعزيز الوعي القومي الوحدوي
الهُويَّة الوَطنيَّة والقَوميَّة
فِي مُوَاجَهةِ التَّحَدِيَات المُعَاصِرة
الجزء الرابع والأخير
الهُويَّةُ تَواصُلٌ بينَ المَاضِي والحَاضِر
د. محمد رحيم آل ياسين
في هذا الجزء سنَتحدَّث بإيجاز عن بقيَّة مَعاول الهَدم للهُويَّتَين الوطنيَّة والقَوميَّة، ولكنْ قبلَ ذلك سنَتناول قضيةً نَجدها في غاية الأهميَّة في موضوعة الهُويَّة، وهي ذلك البُعد الإنسان ي والتَّاريخي اللذان يُؤثِّران بشكلٍ مباشرٍ في الهُويّة من حيث فاعليَّتها وانتعاشها، أو خُفوتها وضَعفها في مرحلة ما.
ابتداءً علينا أنْ نفرِّق بين قراءَتين مُختلفتَين للتاريخ، قراءةً معرفيَّةً وقراءَةً قيَميَّةً ففي الأولى نبحث في الأحداث والتَحوّلات التاريخية. وفي الثانية نبحث عن قيمة الأحداث، أو نَنزع عنها هذه القيمة وهذا هو ما يهمّنا هنا.
البُعد التَّاريخي والإنسان ي للهُويَّة الوطنية والقَومية
التاريخ في مسألة الهُويَّة ليس هو تنظيماً لمراحل زمنية ننتقل فيها من ماضٍ الى حاضرٍ فمستقبل وحسب، بل هو تَشكيلةٌ دلالية تُحدِّد معنى حدثٍ ما من خلال وضعه في سياقه الزمني. وهنا تواجهنا عدَّة احتمالات، فأمَّا أنْ نعتبر التاريخ يَتَّجه نحو الأفضل، في منظور مثالي للتاريخ، وأمَّا أنْ نعتبر أنَّ الأفضلَ موجودٌ في الماضي، وما الحاضر الَّا خروجاً وتَمرّداً على ذلك الماضي، وتالياً يَتعيَّن العودة والرُّجوع الى ذلك الماضي، اذا كان طموحنا الى الأفضل! وأمَّا أنْ نعتبر الحاضر بغضّ النظر عن الماضي، هو عبارة عن واقعٍ قائمٌ بذاته، وبالتَّالي علينا التعامل والتفاعل معه كيما نُصَحِّح ما فيه ونَرتفع به ونَتقدم، وهذا هو منظور البعث للتاريخ على اعتبار أنْ لا حَتمية تاريخية، تَعلو بالإنسان الى العُلا والرُقيّ وتَطير به الى عنان السَّماء دونما فعلٍ وجهدٍ وتضحيةٍ منه، ولا حَتمية تَهبط به الى الاتِّضَاع في أسفل سافلين دونما أنْ يكون هو المُتَسبِّب بكلّ هذا، بل الإنسان هو من يَصنع تاريخه بنفسه.
أمَّا البُعد الإنسان ي المُؤثِّر في الهُويَّة وطنيةً كانت أم قومية، فالحزب ينظر إلى الإنسان العربي كفاعِلٍ تاريخيٍّ، وهو قادرٌ على صناعة تاريخه بنفسه مع أبناء الأمة. وهو بعد ذلك يتأثَّر بظروفه الزمانية والمعيشية وما يلازمها من مواقف وأحداث، وأنَّ هذا الإنسان هو ابن بيئته وهو خُلاصة ونتاج عصره، واليوم أصبح هذا الإنسان العربي جزءاً من مسارٍ تاريخيٍّ لا يُمكنه التَحرّر منه بسهولة أو العيش خارج دائرته. وعندما يكون سلوك الإنسان قابل للإصلاح والتعديل حسب الزمان والمكان، لأنَّه كائنٌ زمانيٌّ يَمرُّ بمَراحل من التَغيِّير والتَطوّر، فإنَّ الهُويَّة ليست عرضة للتَبديل أو التَطوّر كما هو الإنسان ، لماذا؟ لأنَّها تَحفظ للإنسان لغته وتاريخه وتراثه ومعتقداته، وخاصةً ما يَتمثَّل باللغة والثقافة والوطن والدين.
وقد لا نُغالي إذا قُلنا أنَّ الهُويَّة الوطنية خاصةً تتعلَّق بالثقافة العامة للمجتمع ولها تأثير متبادل مع مزاجه العام، والحالات النفسية والمعنوية التي يَمرّ بها الفرد في المجتمع والوطن، متى كانَ هادئاً مستقرَّاً، حتى يغضب ويثور، ومتى كان فاعلاً منتجاً، حتى يهِن ويَفتر.
ويمكننا ملاحظة تأثّر الهُويَّة الوطنية والقومية بالأفعال الاجتماعية، والأنشطة الإنسان ية التي يقوم بها الأفراد، وهذا التفاعل يحدث بين أفراد الجيل الحاضر، كما وجدنا ذلك التفاعل الكبير وتلك الحماسة المشتعلة عندما فاز المنتخب العربي المغربي الشقيق في عدة مباريات هامة في بطولة كأس العالم الأخيرة ووصل إلى دور متقدم في هذه البطولة. ويمكن أن يكون التفاعل بين الجيل الحاضر والجيل السابق عن طريق التُراث الذي تركته الأجيال السابقة وهذا كان محور فكر حزبنا المناضل، ومسار عمله النضالي منذ تأسيسه في الربط والتفاعل بين الجيل السابق والجيل الحاضر في التراث والحداثة. وهنا يتمثَّل دور الهُويَّة القومية العربية من خلال بعث تراث الأمة، والغوص في أعماق تاريخها لاستخراج الدُرّ الكامن في عبق ماضيها التليد.
وبعد…فإنَّ مرادنا من هذه المقدمة هو تبيان العلاقة الرصينة التي تَجمع بين الهُويَّة والإنسان في كلّ مواقفه وتَجليَّاته، والتاريخ بكلِّ مراحله، وبالتَّالي تَوَفُّر الأسباب التي تجعل من الهُويَّة في أعلى درجات اتِّقادها وحَرارتها، أو في أدنى حالات نُكوصِها وتَعثّرها وضعفها.
أفكار الإسلام السياسي واستهداف الهُويَّة الوطنية والقَومية
حين يتمّ امتهان السياسة من قِبَل بعض مَن يَدَّعون الإسلام (المتأسلمين)، أو من يتخفُون بغطاء الدين لتحقيق اهداف سياسية، تكون الخطورة على الوطن والأمة كبيرة لسهولة اثارة المشاعر والعواطف الدينية وخاصة بين الأوساط الشعبية الأقل ثقافة ووعياً. يضاف الى ذلك ان القائمين بها قد اعتادوا أنْ يُحيطوا أنفسهم بهالاتٍ من القداسة ليَعلون بها قدرهم بين الناس. وقد اثبتت التجربة الواقعية وعلى مدى عقود من التاريخ المعاصر أنَّ خطابهم وعلى اختلاف هوياتهم وانتماءاتهم ليس سوى تَشبّث بالسلطة من أجل مصالحهم السياسية أو الشخصية الخاصة.
وقد كان من أخطر وسائلهم هو السعي المستمر لإقحام خلاف مُفتَعَل بين الدين من جهة وبين فكرة القومية العربية والوحدة والوطن الواحد من جهة أخرى، ومن دون أي أساس علمي او تاريخي او واقعي، بل العكس هو الصحيح . متَناسينَ عمداً أنَّ الدِّين لا يتقاطع بتاتاً مع القومية، حيث يتكامل الاثنين مع بعضهما البعض. كما انه لا يتقاطع مع الوطنية، بل أنَّ المواطنة هي قضية مقدسة في الأديان، ولأن القومية والمواطنة والوطنية هدفها جمع وتوحيد أبناء الوطن الواحد وعليه فإنها تَرفض الانتماءات والتَحزبات الدينية والعِرقية المفرقة، لذا فإنَّ الوطن والهُويَّة الوطنية تبقى فوق كلّ اعتبار. فالهُويَّة القومية والوطنيَّة تقوم على مبدأ انساني أولاً وأخيراً، فهي أسمى من الاختلافات العِرقية والدينية والإثنية.
من هنا فالأفكار السياسية التي تعتمد الدين غطاءً لها تتقاطع مع الهُويَّة الوطنية والقومية الجامعة، لسببين أساسيين. الأول لان الوطنية والقومية تسمو فوق العنصر التفريقي المُشَتت للانتماءات المذهبية، والسبب الاخر هو أنَّ هذه الحركات الدينية المسيَسة تريد ان تعمل ضمن أطُر سياسية أو جغرافية عابرة للحدود بين الامم، لذا فإنها لا تؤمن بتلك الحدود، لذلك فهي تَقف بالضِدِّ من الوطن الواحد والأمة الواحدة.
ضعف الدولة وهَشاشَتها تَحَدٍّ خطير يواجه الهُويَّة الوطنية
عندما تَضعف الدولة الوطنية وتَتدهوّر أحوالها السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية عند ذاك تَتعرَّض الهُويَّة الوطنية الى مَقتلٍ ما بعده مَقتَل، ويتمّ الاستغناء عن الهُويَّة هذه واستبدالها بالهُويَّة الطائفية والعشائرية، ويتَحوَّل الانتماء للوطن إلى ولاءات خارج الحدود. وفي ذات الوقت وكتحصيل حاصل تبدأ الهُويَّات الجزئية المحلية في التصارع داخل الوطن الواحد، ويَغرق الوطن في خلافاتٍ وتنازعاتٍ لا تنتهي، ممَّا يزيد في ضعف البلاد ضعفاً أعظم، فيُصبِح بلداً هَشَّاً هَيِّناً ليس له من شأنٍ أو تأثير في الداخل والخارج وتصبح موارده عرضة للسلب والنهب من الخارج. لذلك فاستعادة الأوطان مرهونةٌ باستعادة الهُويَّة الوطنية، واعلاء شأنها واعتبارها قضية مُقدَّسة تَتجاوز كلّ الأفكار والعقائد أيَّا كانت. وعندما يَشعر الجميع في الوطن أنَّ البلاد تَسير نحو الهاوية، وأنَّ الحاضر أصبح مظلماً والمستقبل مجهولاً، عندها يَتبلوَر وعيٌّ جمعيٌّ بضرورةِ التَمسّك بالهُويَّة الوطنية وعدم التَّفريط بها. عندها يتساءل الجميع في الوطن الواحد، كيفَ لنا أن نكون شَعباً واحداً في وطنٍ واحدٍ؟ وكيفَ لنا أن نكون أُمَّةٌ واحدةٌ؟
إنَّ أيَّةَ محاولةٍ لإعادة الدولة الوطنية ودورها ومؤسساتها الفاعلة، وخاصة في العراق ولبنان واليمن وليبيا على وجه التَّحديد، ستُلاقي هجوماً شرساً من قبل قوى في الداخل والخارج ، وذلك للإبقاء على التَّفكّك والتَّشرذم الذي يخدم تلك القوى ليس في مؤسسات الدولة وحسب، بل في المجتمع ومكوّناته الاجتماعية، وفي منظومة القيَم والأفكار والسلوكيات المتداولة، والتي من خلالها تَتَشكَّل الهُويَّة الوطنية. ونرى من جانبنا أنَّ العودة للهُويَّة الوطنية هو الخيار الوحيد والحجر الأساس لإعادة الدولة الوطنية الى قوتها وفاعليتها، وتالياً انقاذ البلاد والعباد من التَقسيم والتَّفتّت والتجزئة والاستباحة من قبل الأجنبي.
إنَّ ما يجري في الأقطار العربية التي تُعاني اختلالاً وضياعاً للدولة الوطنية وتَغوّلاً إيرانياً فارسياً، كالعراق واليمن ولبنان وسوريا، وتَدَخَّلاً أجنبياً كالقطر الليبي، هو ناتجٌ عن اشكاليَّةً في المُوَحِّدات الوطنية والاجتماعية والثقافية، فهذه الأقطار تشكو التراجع والانحسار، في شؤون الحياة السياسية والاقتصادية والأمنية وفي استقرار المواطن وكلّ ما يتعلَّق بحياته اليومية البائسة. وهنا نلاحظ أنَّه كلَّما كان نظام الحكم وطنياً مخلصاً وفيَّاً لشعبه، كلَّما ازداد تَشبّث الشَّعب بهُويَّته الوطنية وتَمسّكه بها بكلّ قوّة، كما هو الحال في عدة اقطار عربية، وبالعكس من ذلك عندما يكون نظام الحكم عميلاً وفاسداً وبالضِدِّ من شعبه، يَفتُر ويَضعف تَمسّك الشَّعب بهُويَّته الوطنية، كما هو الحال في الأقطار المشار اليها أعلاه.
التَّعليم غير المُنضبط والمناهج القاصرة تَحَدٍ جديد يواجه الهُويَّة
للتَعليم الدور الريادي الخطير في تَماسُك أبناء الشعب في القطر الواحد وعلى مستوى الأمة. فالتعليم السَويّ المُمَنهَج هو الركيزة الأساسية في المجتمع، حيث بناء الإنسان والمجتمع يبدأ من خلال نهضة تعليمية حقيقية. فالتعليم هو الأساس والقاعدة والأصل لأنَّه الوسيلة المُثلى المُتَعلّقة ببناء الإنسان وفي وجوده. فبدون التَّعليم يفقد الفرد هذا الوجود، ويَتحوَّل الى كائنٍ مُتَحرِّكٍ لكنَّه هشَّاً قابل للتَغيِّير والتَحوّل في أيّ اتِّجاهٍ يشاء مَن يملك التَّوجيه والتَّحكُّم. لذلك يُركِّز أربابُ الشرّ في الداخل والخارج على التعليم في الجامعات والمعاهد والمدارس من خلال المناهج التي تَعرض لأفكارهم الضلالية السوداء وأهدافهم الخبيثة التي تسعى إلى محو الهُويَّة الوطنية. ويُعتَبر العراق المُثَل السيِّء الأول بين الأقطار العربية في استغلال الحاكمين الخاضعين للهيمنة الايرانية للمناهج الدراسية لِبَثّ سُموم أفكارهم الشرِّيرة، في محاولاتٍ يائسةٍ لغَسيل أدمغة النشء الجديد.
ومِن المناهج الدراسية المُهمَّة والتي لها الأثَر الكبير في تَعزيز وتَقوية الهُويَّة بين أبنائنا الطلبة هي كتب اللغة العربية والأدب والتاريخ والتربية الوطنية، لأنَّها تَعطي دروساً غايةً في الأهميَّة عن حُبِّ الوطن والأمة، والاعتداد بالتاريخ العربي وأخذ المواعظ والعِبَر منه، وفي التَّحلِّي بالأخلاق الفاضلة، كذلك الاهتمام باللغة العربية التي هي أحد ثوابت الهُويَّة الوطنية والقومية. من هنا نرى ضرورة الاهتمام بالمناهج الدراسية وفي الرَّبط بين التاريخ التليد للأمة، وتراثها الزاخر وحاضرها ولإعطاء مَثلاً في القُدوة الحَسنة من خلال استعراض صورٍ من سيرة رموز الأمة وأبطالها لتَعريف النشء الجديد بأجدادهم العرب، لأنَّ ذلك يُثَبِّت الهُويَّة ويَحميها من الزوال، وبالتَّالي تَبقى هذه الهُويَّةُ كالمَعبَر الثابت والحَيَويّ إلى ضِفةِ الأمان.
اللُّغة العربيَّة أحد ثوابت الهُويَّة القَومية الأساسي
تَواجه اللُّغة العربية تَحدِّيات جسام لاستهدافها من قِبَل أعداء الأمة، لأنَّها وسيلة التفاهم المشترك لأبناء العروبة، وهي الوسيلة التي تَنتَقل بواسطتها المعرفة والمُعتقدات والتاريخ والتراث من جيلٍ الى آخر. فمِن خلال اللغة نقرأ تاريخنا ونَتَبيَّن حضارتنا، وهي المُعبِّر عن ثقافتنا العربية والدينية. والعربية لم تكن لُغة نُطقٍ ولسانٍ وحسب، بل هي لُغة عبادة أيضاً، من هنا فهي لا يَنطُق بها أربعمائة مليون عربي فقط، بل مليار مسلم في العالم.
فعَن طريق اللغة يمكن لكلّ جيل أنْ ينقل خبراته الى الجيل الصاعد، لذلك وجدنا أعداء العروبة يعمدون الى محاولة اضعاف لغتنا العربية وايجاد بدائل لها، والتَقليل من شأنها واعتبارها (منتهية الصلاحية) كما يزعمون زوراً وبهتاناً مدعين أنَّها لا تواكب التَقدم العلمي الهائل! مع أنَّها لغةٌ حَيَّةٌ وطَيِّعةٌ وسَلسةٌ وحضارية* وهي تستوعب كافة التطورات العلمية العالمية بسرعة هائلة كما إنها ذات مكانة عالمية مرموقة ولها الفضل الكبير على الإنسان ية جمعاء، فقد حفظت وحافظت على الحضارة اليونانية القديمة عندما ترجم العلماء العرب كتب الأقدمين الى العربية، ثم قامت بنقل حضارة العرب الى الدنيا كلَّها من خلال ترجمتها الى اليونانية والهندية والصينية والفارسية، وهنا نضع بعض التَحديات التي تواجه اللغة العربية وآدابها في الوقت الراهن ومنها:
اللَهجات المحلية
حيث يتم التعامل مع اللهجات المحلية في التدريس في كلّ قطر عربي، دون استخدام اللغة العربية الفصحى. وهناك مسألة مهمة نود الاشارة اليها وهي أنَّ أغلب الطلبة يحفظون النصوص الأدبية اجباراً لغاية الاختبار، وليس عن حُبٍّ لهذه النصوص.
عدم الاعتناء بقراءة القرآن الكريم
وحيث أنَّ العربية هي لغة القرآن الكريم وبها نزل، من هنا فإنَّ الاستمرار في قراءة القرآن يُحسِّن النُطق واللسان بالعربية، وهذا ما يجب أن تهتم به المناهج الدراسية
الهاتف الجوَّال والانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، ويبقى استخدام الشبكة العنكبوتية او الانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي من مهدّدات اللغة العربية فالإدمان على استخدام هذه المنصات والمواقع يتسبَّب بضعف الأداء للغة العربية.
مُزاحَمة اللغات الأخرى كالأوروبية والآسيوية
حيث تغزو الكتب والنشرات والمجلات باللغات الأجنبية المكتبة العربية دون الكتب المترجمة الى العربية، كذلك هناك اشكالية خاصة في اقطار الخليج العربي وغيرها، حيث يتم الاستعانة بالمربيات الآسيويات في تربية الأطفال وهذا كما نراه يؤثِّر أثراً بالغاً في تنشئة هؤلاء النشء من حيث اللغة. وتبقى الترجمة إلى العربية لها أثر كبير في حفظ لغتنا العربية وبالتالي هُويتنا القومية.
إنَّ الحفاظ على اللغة العربية يعني الحفاظ على هُويَّتنا، وأنَّ عدم الاهتمام في تداول العربية في مناهج التعليم هو اشكالية تُهدِّد اللغة العربية. وعندما نحصي عدد الطلاب في وطننا العربي فإنَّنا سنجده بعشرات الملايين، لذلك فهم عماد المستقبل، لماذا؟ لأنَّه عندما يَتحدث هذا العدد الهائل من أبنائنا الطلبة بلغتهم العربية، فإنَّنا سنضمن اجادة النُطق بها من قبلهم واستيعاب قيمها ومُثُلها في تكوينهم النفسي والثقافي مما سيؤثر على زيادة فاعليتهم ودورهم في قيادة المجتمع والأمة في المستقبل. وهكذا نجد أنَّه مطلوب اعادة النظر في منظومة التعليم في الأقطار العربية، من خلال برامج متقدمة تستند الى التعليم الحديث، القائم على الاهتمام بالشخصية الوطنية لكل طالب، والدفع بهم الى الابداع والابتكار وتعزيز الثقة في نفوسهم بأهمية تاريخ الأمة، وما أنتجه أبناؤها آنذاك من علومٍ ومعارفٍ وفلسفاتٍ وصناعاتٍ راقية في ظل الحضارة العربية. ولأهميَّة التَّاريخ لأيّ أُمَّة وشعب حيّ وفاعل كما هي أمتنا العربية المجيدة، فإنَّنا نرى أن يتمّ التَّأسيس لوزارة خاصة في الحكومات العربية تعتني بالتَّاريخ والتراث والآثار لكلّ قطر عربي، وتسمى باسم يعبر عن مهمتها مثل (وزارة التاريخ والتراث)، تأخذ على عاتقها الاهتمام بالتاريخ الوطني والقومي والإسلامي، وتَتَبنَّى تعميق الثقافة التاريخية لأبناء الشعب، وابراز الجوانب المشرقة من تاريخنا العربي. ولا تخفى الأهمية التي يحتلها الاعلام في هذا المجال لذا فان القيام بحملة اعلامية وصحفية واسعتان في هذا المجال، والاشراف بالاشتراك مع وزارتي التربية والتعليم على كتب التاريخ المُخَصَّصة لكافة الطلبة وفي كل المستويات الدراسية هو امر في غاية الأهمية.
التعليم الاهلي
ومن التَحديات الأخرى للهوية الوطنية هي التعليم الأهلي في المدارس والمعاهد والجامعات لعدم وجود ضوابط أساسية تحكم هذا التعليم… فالتعليم الحكومي له الأثر الكبير في الاندماج الوطني بين كافة الدارسين، على مختلف نحلهم، ومللهم، وأيَّاً كانت انتماءاتهم الاجتماعية والدينية. حيث المدارس والجامعات الحكومية مؤسسات للتنشئة الاجتماعية والسياسية والوطنية والأخلاقية. غير أنَّ المدارس والجامعات الأهلية لا تكترث بالقيَم الأخلاقية والوطنية بقدر اهتمامها بالأرباح والعائدات المالية، وهذه مشكلة تعاني منها أغلب الأقطار العربية.
ومع التَّدهور المريع الذي تشهده الهُويَّة الوطنية في العراق واليمن وليبيا ولبنان فإنَّ على شعبنا في هذه الأقطار:
- أن يَعي ويؤمن بأنَّ الهُويَّة الوطنية هي الجامعة والأسبَق لكلّ الهُويَّات الجزئية العِرقية والمذهبية، وأنَّها هي المُنقذ لكلِّ ما يمرّ به الوطن من أزَمات.
- أنَّ هذه الهُوية لا تتناقض أو تتقاطع مع الهُويَّة القومية العربية بل هي تتكامل معها، والاثنان يُغذِّيان بعضهما البعض.
- وأنَّ تحقيق الهُويَّة الوطنية والحفاظ عليها وتجسيدها يكمن في العمل على استعادة الدولة الوطنية وبنائها من جديد.
- أن يؤمن كلّ عربي في أيّ قطر رغم صغره في الجغرافية والامكانات أنَّ وطنه ذو أهميَّة استراتيجية للأمة العربية، من خلال المصالح المشتركة والمصير الواحد والوحدة التاريخية والثقافية والأمن القومي العربي.
- كُلَّما كان المجتمع متعلِّماً، واعياً، ومثقفاً كان تَمسّكه بهُويَّته الوطنية قويَّاً صلباً، ولا يُفرِّط بها على الاطلاق، وعندما يكون هذا المجتمع مُتَخلِّفاً يَستشري فيه الجهل والتواكل، فإنَّ حفاظه على هُويَّته تكون من القضايا الصعبة جداً. فالثقافة والوعي تُمثِّلان الأساس المعنوي لأيّ مجتمعٍ وتؤثِّر تأثيراً ايجابياً في سلوك الأفراد وتعاملهم في كل مناحي الحياة السياسية والاجتماعية والإنسانية.