كلمة رئيس حزب طليعة لبنان العربي الاشتراكي المحامي حسن بيان في الذكرى السادسة عشر لاستشهاد القائد صدام حسين والذكرى الثامنة والخمسين لانطلاقة الثورة الفلسطينية.

كلمة رئيس حزب طليعة لبنان العربي الاشتراكي

المحامي حسن بيان

في الذكرى السادسة عشر لاستشهاد القائد صدام حسين

والذكرى الثامنة والخمسين لانطلاقة الثورة الفلسطينية.

الأخوة والرفاق ممثلي فصائل الثورة الفلسطينية

الأخوة والرفاق ممثلي الأحزاب والقوى الوطنية اللبنانية وهيئات المجتمع المدني

الرفيقات والرفاق، الأخوة والأخوات، الحضور الكريم

 

“لأن الشهداء أكرم منا جميعاً ” خير الكلام فاتحته، توجيه التحية من قاعة شهيدٍ   من شهداء البعث في لبنان، إلى شهيد الحج الاكبر، شهيد البعث والعراق والامة، القائد صدام حسين والذي يصادف احياء ذكرى استشهاده هذا العام، ذكرى تأسيس الجيش العراقي البطل، فكل التحية لهذا الجيش في ذكرى تأسيسه ولكل شهدائه الذين سقطوا على أرض الواجب القومي في العراق وفلسطين والجولان ولبنان وأرض الكنانة وكل ارضٍ عربية تواجد عليها دفاعاً عن حياض الأمة وأمنها القومي.

وفي ذكرى انطلاقة ثورة فلسطين، نتوجه بالتحية لها ولقواها المناضلة ولجماهير شعبنا المنتفض في الأرض المحتلة وعالم الشتات، ولكل مناضليها وشهدائها وعلى رأسهم القائد الشهيد ياسر عرفات.

ولن ننسى أبداً استحضار الملحمة البطولية التي سطرها المناضلون، الأب والابنين، علي وعبد الله وفلاح شرف الدين في ساح المواجهة مع العدو الصهيوني على تخوم فلسطين، فالتحية لهم ولكل شهداء البعث وسائر شهداء الفعل الوطني المقاوم للاحتلال الصهيوني.

تحية لشهداء الأمة على مساحة الوطن العربي الكبير نرفعها لهم من رحاب طرابلس، مدينة القائد الوطني والشعبي الرفيق الدكتور عبد المجيد الرافعي الذي يبقى طيفه مظللاً هذه المدينة المناضلة.

 

أيها الرفاق والرفيقات، أيها الأخوة والأخوات، الحضور الكريم

إن تلاقي مناسباتٍ عدة، في محطة زمانية واحدة، قد يكون بمحض الصدفة، خاصة وأنها حصلت في أوقات زمنية متباعدة، لكن ما يجعل هذا التلاقي يخرجه بدلالاته عن محض الصدفة، هو أن حبلَ سرةٍ واحدٍ ربط فيما بينها، وتمحور حول قضيةٍ واحدةٍ في الأقوال والأفعال. إنها قضية فلسطين.

ففي التاريخ الأبعد، بزغ فجر الثورة مع إطلالة اليوم الاول من ال ٦٥، وبعد عشرٍ من السنين، دوّن التاريخ صفحة مضيئة من الفعل الشعبي الوطني المقاوم في الطيبة على خط التماس الجغرافي بين لبنان وفلسطين، وفي التاريخ الأقرب، كانت فلسطين هي الحاضر في وصية القائد الشهيد صدام حسين. 

 من هنا فإن البعثيين، عندما ينشدون إلى قضية فلسطين، فإنما ينشدون إلى ذاتهم، في حلولٍ نضاليٍ، تضيع فيه الفواصل بين ما هو ذاتي وبين ما هو موضوعي، حيث الذات البعثية لا تجد نفسها وجوداً نضالياً، إلا في رحاب الذات الموضوعية المتجسدة بالشخصية القومية، التي تحتل فلسطين موقعاً مركزياً فيها. ولمن فاته الادراك لهذه الحقيقة، فإن البعث هو من حدّد مركزية هذه القضية في صلب قضايا النضال العربي. وأن تكون فلسطين حاضرة في حلنا وترحالنا، فلأنها قضية تنطوي على الاختصار المكثف لقضايا الامة في التحرر والتقدم والوحدة.

ان قضية فلسطين بالنسبة لنا ايها الاخوة، لا ُتخْتـصرُ بنزاعٍ   على بعضٍ من أرضها كي نقبل بقسمتها، كما انها ليست للاستثمار السياسي من اجل تحسين مواقع تفاوضية، كي تتم المساومة عليها.  إن فلسطين بالنسبة لنا ولكل احرار الامة، هي قضية حقٍ قوميٍ بامتياز لا يخضع للمساومة ولا للتنازل ولا للتقادم   بمرور الزمن، وهي قضية تحررٍ ووحدةٍ كما قال القائد المؤسس الرفيق ميشيل عفلق، “فلسطين طريق الوحدة والوحدة طريق فلسطين”. وعندما يقول القائد صدام حسين، ان فلسطين في قلوبنا وفي عيوننا إذا ما استدرنا إلى إيٍ من الجهات الاربع، ويتوّج مآثره النضالية في صبيحة الاضحى، بشعار: “عاشت فلسطين حرة عربية “، عاشت الامة العربية.  فهذا يعنى ان الصراع الذي يدور حولها، هو صراع وجودي بكل ابعاده ومضامينه، حيث أن ما ِمنْ حدثٍ كبيرٍ عاشته الامة في عصرها الحديث، الا وكانت فلسطين محوره، منذ بدء التنفيذ العملاني لاغتصابها وزرع كيان غاصب على أرضها. 

وإذا كان العدوان على العراق املته عدة أسباب، إلا أن السبب الاساس فيه، أنه شكل حضناً دافئاً لفلسطين ولثورتها وانتفاضة جماهيرها، وكل المقدمات التي سبقت العدوان الثلاثيني بعد انتهاء الحرب العراقية الايرانية، اثبتت بالأدلة الدامغة، بأن العراق لو لم يضرب على ارضية الموقف من ازمة الدخول إلى الكويت، لكان سيضرب على ارضية موقفه من القضية الفلسطينية، التي لم يساوم عليها رغم العروض الاغرائية، التي قدمت به مقابل فك ارتباطه بهذه القضية.  فلو كانت الحرب شنت عليه بسبب دخوله إلى الكويت، لكانت انتفت اسباب استمراريتها بعد خروج قواته. اما ان تستمر الحرب عليه  عبر حصارٍ ظالمٍ  لم يشهد التاريخ مثيلاً له ، ويتعرض للغزو بعدما فشل العدوان الثلاثيني والحصار من اسقاط نظامه الوطني وفك ارتباطه بفلسطين التي تقاسم مع جماهيرها حبة الدواء ولقمة الغذاء واحتضانه للشهداء  ، فهذا دليلٌ دامغٌ  بأن قضية الكويت وما سمي “شرعية” دولية  تلطى وراءها اعداء العراق القريبين والبعيدين لضربه والثأر منه ،إنما كانت مجرد  شماعةٍ   ، عُلِقتْ  عليها مواقف كل من رأى في مشروع العراق النهضوي بكل عناوينه وابعاده القومية   خطراً على مصالحه ، من التحالف الصهيو-  الاميركي ، إلى النظام الايراني الذي تحكمه مؤسسةٌ مشبعةٌ بالحقد الشعوبي الدفين  ضد العروبة ، إلى  النظام الرسمي العربي التي ظنت بعض مواقعه  ان اسقاط العراق دولةً  ونظاماً سيمنحها امناً واماناً ، فاذ بها تدخل حالة الانكشاف والتعرض للابتزاز والتهديد لاستقرارها في الحكم ،ولم يعد يجدي معها  فعل الندامة ، وقد  ارتد الامر عليها ، بعدما ادت دورها التآمري  يوم ذهبت إلى حفر الباطن بحجة اخراج العراق من الكويت ، فاذ بها اليوم ،  تخرج من معادلة القوة وتستقوي وتستجدي  قوى دولية واقليمية لحماية مواقعها في السلطة من حراك الجماهير المنتفضة .

لقد اندفع البعض للاستقواء بالنظام الإيراني، وهو الذي أمعن ويمعن تخريباً وتدميراً في البنية العربية قومياً ومجتمعياً، تحت عنوان الممانعة تارة والانتصار لفلسطين تارة اخرى. وهنا نتساءل: هل من يدّمر العراق ويفتت نسيجه الاجتماعي ويغرقه بكل الموبقات السياسية والاجتماعية وينهب ثرواته ويطيّف ويمذهب حياته السياسية يمكن ان يكون مع تحرير فلسطين؟  وهل من يدمر سوريا وينفذ مخطط تغيير التركيب الديموغرافي لهذا القطر العربي الاصيل في عروبته، يمكن ان يكون مع تحرير فلسطين.؟ وقس على ذلك ما يجري في اليمن ولبنان وليبيا واينما وصلت امداءات التغول الايراني كما التركي في العمق القومي العربي.  وهل من يعمل على اضعاف سوريا والعراق واليمن ولبنان وليبيا يمكن أن يكون مع تحرير فلسطين؟ إننا لن نذهب بعيداً، لأننا  لم ننس بعد ، صفقتي “ايران غيت ” وعوفر غيت” وصفقة ترسيم الحدود البحرية التي لم يجف حبرها حتى الان ، كما التدخل  التركي في سوريا والعراق وليبيا وعودة الحرارة إلى العلاقات التركية – الصهيونية    ، والكلام ليس موجهاً فقط لمواقعٍ  في  النظام الرسمي العربي التي تدخل في علاقات تحالفية مع النظام الايراني كما التركي  ،بل هو  موجه وبدرجةٍ  اوضح للذين يدرجون النظام  الايراني بشكل خاص  في خانة النظم  الحليفة  المؤيدة لفلسطين لتبرير تهافتهم  لنسج علاقات معه  ، فيما الحقيقة ان هذا النظام الذي يمارس القمع ضد الشعوب الايرانية وينتهك حقوقها الاساسية ويصادر حرياتها العامة  يمارس “بكفاءة” عالية اسلوب  التقية في تعامله مع القضية الفلسطينية ، محققاً  ما لم يستطع العدو الصهيوني تحقيقه من اضعاف  لمناعة الجسم العربي مما يتهدده من امراض وفيروسات سياسية واجتماعية  قاتلة .

اليس هو الذي أعلن   مراراً وتكراراً، ان إيران باتت تسيطر على اربعة عواصم عربية، وان بغداد ستعود عاصمةً تاريخية للإمبراطورية الفارسية؟ وهل هناك كلام اوضح من هذا الكلام عن ابعاد الدور الايراني وتغوله في الواقع العربي.

 أما الذين يسعون لنسج تحالفات مع العدو الصهيوني تحت مظلة توسيع مروحة العلاقات التطبيعية معه لمواجهة ما يعتبرونه خطراً ايرانياً عليهم، فإلى هؤلاء نقول: ان الذي يستقوي بعدوٍ لحماية نفسه من عدوٍ اخر، هو” كالمستجير من الرمضاء بالنار”.

في هذه المناسبات التي تنطوي في ابعادها على ابلغ الدلالات النضالية ، نقول لكل الذين ائتلفوا في حلف غير مقدس لضرب العراق ، ويمارسون الامر نفسه تجاه فلسطين ، نقول لهم  : انظروا إلى ما يجري في العراق ، وما حل به بعد الاحتلال وما افرزه من نتائج ، وانظروا إلى ما يجري في فلسطين من  اندفاع المشروع الصهيوني نحو مراحله المتقدمة من فرض الصهينة على كل معالم الحياة فيها والانتهاكات المتواصلة للأقصى واخرها اقتحام وزير الامن القومي الصهيوني لحرمه   لا فرق بين ما يسمي يمين او يسار صهيوني لأن  الكل الصهيوني  على ضفةٍ  واحدة من العدائية للوجود العربي وللهوية القومية لفلسطين ،كما  هي حال العراق حيث الكل الذي يتناوب على ادارة العملية السياسية تحت اشراف الاحتلال الايراني – الاميركي هو ضد وحدة العراق وعروبته واستعادة دوره الوطني والقومي  .   وعندما أقدم   النظام الرسمي العربي على الانفتاح على العراق، فهو لم ينفتح على شعبه وعلى قواه الوطنية وخاصة مقاومته البطلة التي تصدت للاحتلال الاميركي وفرضت عليه الانسحاب، قبل ان يعود تحت مظلة ما سمّاه “التصدي لداعش” وهي بالأساس منتج اميركي – ايراني مشترك، وإنما انفتح على منظومة فسادٍ افرزها الاحتلال وتتقاسمها قوى طائفية ميليشياوية   تعمل تحت اشراف مركز التوجيه والتحكم الايرانيين. وإذا كان الشيء بالشيء يذكر، فإن بعض هذا النظام الرسمي العربي الذي ساهم في ضرب العراق وادار الظهر لقواه الوطنية وجماهيره المتواصلة بانتفاضتها ضد التغول الايراني، يوّسع خطوات التطبيع   مع العدو الصهيوني في كل النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية والامنية، في نفس الوقت الذي يحجب   فيه عن جماهير فلسطين والانتفاضة الشعبية وفصائل المقاومة الدعم الذي يمكنها من الصمود، لا بل أكثر من ذلك فإنها تخضع   لكل اشكال الحصار السياسي والاقتصادي.

 

أيها الرفاق والرفيقات، أيها الأخوة والأخوات

إننا  عندما نتوقف عند مشهدية  استشهاد قائد العراق ، في واحدة من جولات المواجهة بين الامة العربية واعدائها ،فإنما نتوقف عند وصيته الاخيرة ، التي وإن قرأها البعض مشفرّةً ، إلا أننا نقرأها نحن رفاقه ،  كما  جماهير العراق وفلسطين وكل الامة  بكل الوضوح الذي تنطوي عليه   ، وهي أن  فلسطين كانت وستبقى  قبلة للبعثيين ولكل المناضلين  العرب ، وان الصراع مع اعداء الامة من داخله ومداخله يجب ان يبقى مفتوحا معهم على اختلاف مشاربهم ومواقعهم ،من صهاينة وامبرياليين وشعوبيين وطامعين  وقوى رجعية في مواقع السلطة وخارجها ، وأيا كانت اللبوس التي يتسترون بها إلى ان تتحقق اهداف الامة العربية في الوحدة والحرية والاشتراكية.   فالعروبة في العراق تنتصر، بانتصار مقاومته وانتفاضة شعبه ضد الاحتلال المركب بكل افرازاته، والعروبة تنتصر في فلسطين، بانتصار ثورتها التي تتجدد شخصيتها النضالية عبر انتفاضة جماهير الممتدة على المساحة الوطنية.

 

إن أمة ترتقي بقادة قواها الثورية إلى مستوى الاستشهاد من خلال المشهدية التي قدّم شهيد الحج الاكبر نفسه لشعبه وامته والانسانية صبيحة الاضحى، ومن خلال ما اطلقه القائد ياسر عرفات عند اشتداد الحصار عليه، لن أخرج إلا شهيداً شهيداً، هي أمة تنبض بالحياة، وهي امةٌ منتصرةٌ حكماً طال الزمن أم قصر. وإن انتصارها في ساحتي المواجهة الساخنة في فلسطين والعراق سينعكس انتصاراً في كل ساحات المواجهة في الامة، خاصة تلك التي تعيش تحت وطأة ازمات بنيوية، ومنها لبنان الذي اوصلته منظومةٌ فاسدة إلى الانهيار الكامل، واسقطت مقومات دولته بعدما ارتهنت للخارج الدولي والاقليمي غير العربي على حساب الامن الوطني والامن الحيوي والحياتي للمواطن، وهي ماتزال مستمرةً في نهجها على ادارة فراغٍ في مؤسسات الحكم، غير ابهةٍ بالتداعيات السلبية على مصالح الشرائح الشعبية.  فإلى كل هؤلاء نقول، انكم لن تستطيعوا ان تنتجوا حلاً وطنياً لازمة لبنان، لان فاقد الشيء لا يعطيه، ولا خيار امام الشعب الا اسقاط هذه المنظومة، بانتفاضة شعبية تعيد تجديد شخصية انتفاضة تشرين، لكن على قاعدة هيكلة سياسية وطنية، تطرح رؤية متكاملة للتغيير، وتقودها حاملة سياسية وطنية، تكون قادرة على تعديل موازين القوى لمصلحة مشروع التغيير الوطني الديموقراطي وفرض التغيير بالاستناد إلى ضغط الشارع بوسائل التعبير الديموقراطي.

في ذكرى استشهاد قائد البعث والعراق والامة، وفي ذكرى انطلاق ثورة العروبة على ارض فلسطين، نجدد العهد للشهيد القائد صدام حسين، بأننا سنبقى نعمل بوحي وصيته، ونجدد العهد لكل شهداء الامة، بان نبقى نناضل على ارضية المشروع الذي يربط بين اهداف التحرير والتغيير والديموقراطية، لإنهاء كل اشكال الاستلاب القومي والاجتماعي الذي تعاني منه الامة، وصولاً إلى تحقيق اهدافها في الوحدة والحرية والاشتراكية.

 

  ابتدأنا بتوجيه التحية، ونختم، إلى فلسطين خذوني، أُريد الآن بندقية.

 عشتم، عاش لبنان حراً عربياً ديموقراطيا عاش العراق العظيم المقاوم الثائر، عاشت فلسطين   حرة عربية من البحر إلى النهر، عاش حراك الجماهير العربية ضد نظم الاستبداد والقمع والردة والرجعية، عاشت الامة العربية.

في ٢٠٢٣/١/٨

 

Author: nasser