القيادة القومية
ربَّان سفينة البعث الى بَرِّالأمان
وتحقيق الأهداف
(بعض آفاق عملها والواجبات المناطة بها)
الدكتور كاظم عبدالحسين عباس
فيما يأتي نقدّم قراءة لبعض واجبات وصلاحيات القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي المنصوص عليها في النظام الداخلي، والتي بيَّنت التشريعات الخاصة بآفاق عمل القيادة القومية، والواجبات المناطة بها، فقد نصَّت الفقرة ن من المادة ٤٤ من الفصل الثاني (التنظيمات القومية)، في:
ثانياً – القيادة القومية على ما يأتي:
(تحقيق الوحدة القومية للحزب وتأمين الفاعلية له في نظريته وتنظيمه ونضاله وكافة نواحي نشاطه، ودعوة مؤتمرات الأقطار ومؤتمرات المنظمات دون مستوى الأقطار لانتخاب قيادة جديدة عند الضرورة التي تقتضيها أمام المؤتمر القومي، وحق حل القيادات القائمة بسبب خروجها على مبادئ الحزب أو سياسته العامة، أو تمردها على مقررات القيادة القومية).
تبيِّن هذه الفقرة من النظام الداخلي النافذ للحزب، أنَّه على القيادة القومية أداء جملة واجبات ومهام، بعضها فكري، وبعضها عملي تنفيذي ميداني، سنتناولها بالتفصيل لإلقاء الضوء والتوضيح، واعادة التذكير لإزالة اللبس ان كان هناك لبس، أو سوء الفهم عند البعض، وبهدف آخر مهم جداً هو منع أي اجتهاد أو تفسيرات شخصية، من شأنها أن تلغي سلطة النظام الداخلي للحزب او تشوِّه تطبيقه ، وتحقق أغراضاً معاديةً وتخريبية وهدّامة، خاصة في المرحلة الراهنة، التي صار مطلوباً فيها تقويض منجزات الحزب العظيمة المعمَّدة بالدم، والتضحيات الجسيمة والمعاناة الشاقة. تلك التضحيات التي تمكّن البعث بها ومن خلالها، من اسقاط دستور الاجتثاث وقوانينه وتعليماته التي تبنّاها الاحتلال ومرتزقته بعد غزو العراق سنة ٢٠٠٣ م.
تحقيق الوحدة القومية للحزب
إن تأمين الوحدة القومية للحزب هو أهم واسمى واجب للقيادة القومية، لأنَّ وحدة الحزب القومية هي ركيزة وجود البعث وأهم دواعي تأسيسه على الاطلاق . فالوحدة القومية للحزب هي سمة الحزب ذات الأهمية القصوى، ليس لأنّها تمثِّل وتقدِّم نموذج عملي لوحدة الأمة العربية، بما يجسِّد ويكرِّس حقيقة الوحدة العربية، ويكون منهجاً عملياً قائماً لها يقوّض سياسات التيئيس لواقعية الوحدة وامكانات تحققها، التي تمارسها قوى العداء للوحدة وللأمة . فلا وجود لحزب (بعث) بدون وحدة القيادة القومية للحزب، وبدون سلطتها العليا في تسيير شؤون الحزب في كل تنظيماته القطرية .
عوامل تحقيق الوحدة القومية تتطلب الضمان والديمومة وهذه العوامل تتطلب تحقيق ما يلي:
1- وحدة الحزب الفكرية: وهذه الوحدة تتحقق بمتابعة القيادة القومية الحثيثة والدؤوبة لبرامج وانشطة التثقيف الحزبي المركزية بعقيدة الحزب، وفكره، ومبادئه، وتفاصيل رسالته، وممارساته النضالية الاستراتيجية منها والمرحلية ، بهدف ضمان وحدة الفهم والانسجام الفكري والعقائدي لعموم الحزب، وعلى كافة مستوياته التنظيمية. كما وتعمل على ادامة العطاء الفكري والثقافي المتطور بهدف ضمان الانفتاح على العصر ومواكبة تطوراته، وذلك ضمن الأطر الشرعية والهيئات النظامية للحزب التي نص عليها النظام الداخلي، وذلك منعاً لأي انحراف أو اجتهاد يتعارض مع المنهج القومي الوحدوي التحرري الاشتراكي للحزب او مع مبادئه ومنطلقاته واهدافه الاستراتيجية. ويضمن في ذات الوقت استمرار وتحقق روح المواكَبة ، ومنع الانسداد الفكري والانغلاق وكل ما يتعارض مع روح الحزب الديمقراطية والوطنية والقومية والانسانية، وايمانه بالتطور واستيعاب المتغيرات والمستجدات المختلفة .
٢- وحدة الحزب التنظيمية:
تتحقق وحدة الحزب التنظيمية من خلال خضوع قيادات الأقطار والتنظيمات، دون مستوى الأقطار لسلطة القيادة القومية، المستمدة من دستور الحزب ومن نظامه الداخلي. كما وتتحقق وحدة الحزب التنظيمية بالهيكل التنظيمي القومي وتفصيلاته المعروفة ( قيادة قومية، قيادات الاقطار، الفروع، الشعب، الفرق ) والتي لا يحق ولا يجوز بتاتاً خرق او التلاعب بصلاتها الهرمية او التجاوز عليها. تلك العلاقة النظامية المُعبَّر عنها بالنسغ النازل والآخر الصاعد، ليتحقق بموجب ذلك دور القيادة المُحْكَمة من جهة، كما وتتحقق عملية التفاعل الحيوي بين كافة مستويات الحزب من جهة اخرى، من خلال تطبيق الديمقراطية المركزية وفق ما ينص عليه النظام الداخلي وتقرره مؤتمرات الحزب وقيادته .
إنَّ أي خروج عن النصوص والصلاحيات والمضامين التي نص عليها النظام الداخلي في هذا المجال، ليس لها سوى معنى واحداً: هو الخروج على النظام الداخلي نفسه، وبالتالي فإنه سيفضي الى ردة وانشقاق عن الحزب، لا يخدم الّا اعداء الحزب حتماً، ويخدم تنفيذ حلقات التآمر عليه ، للقضاء على الحزب او اعاقة تحقيق مسيرته الوطنية والقومية. وبالتالي فانه فعل معادي للحزب من ناحية مآلاته العملية مهما كانت المسوِّغات.
3- تأمين فاعلية نظرية البعث وتنظيمه ونضاله وكافة نواحي نشاطه :
تلزم هذه العبارة القيادة القومية القيام بواجبات ديمومة نشاط الحزب في كافة الساحات على مختلف الأصعدة النظرية والتنظيمية، وادامة وتفعيل ساحات النضال للبعثيين لتحقيق أهداف الحزب في مشروعه القومي الاستراتيجية منها والمرحلية. كما ويشمل ذلك ديمومة الحزب وتقويته من خلال ادامة الكسب الحزبي، والتثقيف، والتحشيد وتعبئة الجماهير، وخلق وادامة البيئة القومية التي هي الحاضنة الأساسية لتحقيق الوحدة العربية. ان هذه المفاهيم والنصوص تؤكد بوضوح تام المسؤوليات القيادية والإشرافية للقيادة القومية.
4- دعوة مؤتمرات الأقطار والمنظمات دون مستوى الأقطار:
لأجل انتخاب قيادة جديدة عند الضرورة التي تقتضيها أمام المؤتمر القومي، فان القيادة القومية هي من تدعو الى انعقاد مؤتمرات الأقطار، لانتخاب قيادة جديدة تشمل انتخاب العدد المقرر نظامياً من اعضائها. ونظراً لطبيعة الظروف الامنية والسياسية الشائكة المحيطة بعمل الحزب، فان هذه الدعوة وهذه الانتخابات تفرضها ضرورات وظروف وعوامل واقعية لا ينبغي القفز من فوقها، وليس بقرارات ورغبات فردية. وهذا يعني أنَّ قيام اي مؤتمر يقتضي موافقة القيادة القومية، ونتائجه كُلّاً أو جزءاً لا تكتسب صفتها القطعية الَّا بعد أن توافق عليها القيادة القومية، كما ولا ينفذ أي منها الَّا بعد حصول مصادقتها عليها .
وبناء على ذلك، فقد اوكل الحزب، عبر تاريخه الطويل، الحق للقيادة القومية لأن تختار الوقت المناسب لعقد المؤتمر الانتخابي، وحسب ما تفرضه معطيات الظرف الخاص بكل قطر، وبما يضمن أمن الكادر والقيادة وسلامة التنظيم ومسيرة الحزب.
كما أوكل لها حق حلّ القيادات القطرية القائمة بسبب خروجها على مبادئ الحزب أو سياسته العامة، أو تمردها على قرارات القيادة القومية، وهذا قانون وتشريع آخر لا يقبل أي لبس او تأويل . وفي هذا المجال فانَّ للقيادة القومية الحق المطلق في حل القيادات القطرية اذا ما رأت القيادة القومية قيام أيّ من تلك القيادات بخرق واحدة من ثلاثة أمور محددة هي:
١- خرق أو الاخلال بمبادئ الحزب خلال سير العمل الحزبي الاعتيادي.
٢- الاخلال بالسياسة العامة المُعلنة للحزب .
٣- الخروج على قرارات القيادة القومية .
وبصورة عامة، وعلى طول مسيرة الحزب العريقة وتاريخه الطويل، فإن أيّة عملية نقد للقيادة القومية وللرفاق في قيادات الأقطار للحزب، أيّاً كان نوعها، وأيّاً كانت دوافعها، ان تمت خارج الأطُر النظامية المعروفة لمنظمات الحزب في تشكيلاتها المختلفة، اي ضمن اجتماعاتها أو ندواتها أو مؤتمراتها، او عبر رفع التقارير الداخلية، هو خروج على النظام الداخلي، واعلان العداء للحزب، ويخدم اهداف التآمر الخارجي على الحزب.
لذا فقد حرص الحزب دائماً على أن يواجه ذلك بحسم، مستنداً الى قوة سلطة دستور الحزب ونظامه الداخلي، ومبدئية البعثيين ونضاليتهم المؤسسة على حقيقة أنَّ البعث حركة تغيير شامل للأمة كلها، وأنَّ نضال الأجزاء القطرية لا يجري في مساره البعثي، ان لم يكن متوافقاً ومنسجماً تماماً مع سلطة وصلاحيات مركزه وهي القيادة القومية للحزب.
إنَّ البعث قد عُرِف عبر كل تاريخه بصرامة انضباطه الذي كان مصدر قوته وانجازاته الثورية العظيمة، وعُرِف بتماسك وصلابة هذا التنظيم الحديدية الناتجة عن شدة الالتزام بالنظام الداخلي للحزب، وما يفرضه من سرية وانضباط، والابتعاد عن الثرثرة والنزعات الشخصية والمصالح الفردية . فبغير الانضباط الحزبي التنظيمي، يتسيَّد المزاج الشخصي وتكون النزعات الذاتية هي الحاكمة ، وبالتالي فإنها تؤدي حتماً الى احداث الأذى الفعلي بالحزب، وهو الأكبر من الأذى الخارجي بكثير .