بسم الله الرحمن الرحيم
(أُذِنَ للَّذينَ يُقَاتَلونَ بأنَّهم ظُلِمُوا وإنَّ اللهَ عَلى نَصْرِهِم لَقَدِيرٌ)
صدق الله العظيم
العَدوِّ الصُهيُونيّ لا يَعرِفُ سِوَى ثَقَافةِ القَتلِ والمَوت
في الوقت الذي يمارس فيه شعبنا الفلسطيني طقوسه الدينية في بيت المقدس الشريف، وحيث يؤدي عباداته في شهر رمضان المبارك، الشهر الفضيل الذي نزل فيه كتاب الحقّ، حيث تتَطهَّر النفوسُ، وتُتوجه بالصلاةِ الى الله تعالى، وإذا بساحات المسجد الأقصى المُبارك تتحوَّل الى ميدانٍ للحرب من طرف واحد، مُدَجَّج بالسلاح، يقابله عابدون عُزَّل من شعبنا الفلسطيني، ليستخدم جنود الاحتلال الصهيوني، كل أنواع الأسلحة من قنابل صوتية ومُسيلة للدموع، وأعيرة نارية، بينما ليس أمام شعبنا سوى الصدور العامرة بالايمان بعدالة قضيته، في دفاعه عن النفس والمقدسات ازاء عمليات الاجرام والقتل ومظاهر التوَّحش التي لا تختفي أو تنحصر، حتى استمرأ هذا العدو الغاصب القتل اليومي لأبنائنا مستخدماً كافة الوسائل الوحشية للاستهداف، وطرقاً جديدة في ممارسة العنف المفرط ضدَّهم.
لقد شنَّ جيش الاحتلال عدواناً واسع النطاق، على المسجد الأقصى وحُرَّاسه، والمُصلِّين فيه، حيث اقتحم باحات المسجد المبارك، مرتكباً عدوانه وجريمته، بالتزامن مع ذكرى احتلال مدينة القدس، زهرة المدائن، في يوم 16 نيسان الحالي، حيث يطلق الصهاينة عليه تسمية (يوم القدس)، حين أعلن الاحتلال عن ضمّ المدينة الى الكيان الصهيوني، متحدياً الوضع القانوني الواضح للقدس الشريف، كجزء من أرض فلسطين المحتلّة، وذلك بموجب القانون الدولي المستند الى القرارات الصريحة الصادرة عن مجلس الأمن الدولي، والجمعية العامة للأمم المتحدة، ومحكمة العدل الدولية.
واليوم حيث يوغِل الصهاينة في عدوانهم السافر على شعبنا الأعزل، لا نجد من ردود الفعل العربية الرسمية، سوى التنديد والشجب والادانة بأشدّ العبارات، واطلاق الزَبَد سِيالاً من الأشداق الخجولة !.
ورغم مضي أكثر من قرن في صراع العرب مع العدو الصهيوني الغاصب، الا ان النظام العربي الرسمي لم يتعلَّم الدرس جيداً، فلعشرات السنين وهو لا يعرف إلَّا الشجب والادانة، حتَّى كأنَّ هذا النظام قد(حنَّط) قضية العرب الكبرى(فلسطين)، وتَحجَّرَ معها!. والأنكى من ذلك أنَّ البعض، استبدل العمل بالأسباب لتحرير فلسطين وفي مقدمتها القدس الشريف ، بالتطبيع مع الكيان الصهيوني المحتل، متناسين ما تثبته السنين كل يوم من ان هذا الكيان المغتصب، لا يعرف سوى ثقافة الموت والقتل، ولا يفهم إلَّا لغة القوة، فالحقوق لا تُطلَب، ولا تُوهَب، انَّما تُؤخذُ عُنوةً وبالقوّة، وبالأخذ بالأسباب والشروط في استعادة الأرض المُغتَصَبة، وليس بالأوهام والتَّمني والتنديد والشجب!. فالعقلية الصهيونية هي عقلية عنصرية ، ملآى بالبغضِ والحقد الأسود على العرب والأمة، والتاريخ يُطلعنا على أنَّ ثقافة القتل والاجرام والموت، هي روح الثقافة الصهيونية، وضميرها الجمعي.
وبدلاً من مواجهة هذا العدو باللغة التي يفهمها، شغلت الأنظمة العربية نفسها، بما يُفرّق بين أقطار العرب، وتمسَّكت بما يختلفون فيهم، فشكَّلت هذه القضايا سِلَّاءً في حلوق ابناء الامة العربية، وحصىً في مآقيهم، وناراً مستعرةً في صدورهم. وعلى هذه الأنظمة أن ترتقي بنفسها وإدائها، وتتجاوز عوامل فرقتها وضعفها، ووَهن ارادتها، وأن تُوقِف محاولاتها لتطويع الشعب العربي، وان تعمل بدلاً عن ذلك على تطويع نفسها والارتقاء لمستوى ارادة شعبها الحرّ وشجاعته وجسامة تضحياته.
إنَّ ما يحدث اليوم في فلسطين والعراق واليمن ولبنان، هو نتيجة العجز العربي، واللامبالاة، والمهادنة مع الصهاينة والفرس الصفويين، حتى وصلت الأمور الى مرحلة التطبيع المُذِلّ مع الصهاينة من جهة، ليتكامل معه التراجع المستمر أمام توغّل ايران في الأقطار العربية من جهة اخرى، دون رادعٍ أو مصدٍّ بعد غزو العراق واحتلاله، وتدمير بناه التحتية، وحلّ جيشه العربي المقدام، وتفكيك دولته المنيعة، واغتيال قيادته الوطنية والقومية، وتشريد شعبه في شُتات الأرض.
انَّ ممَّا يجب علينا أن ندركه اليوم، هو أنَّ الصهاينة يستثمرون الأزمات العربية والدولية ويستمدون قوتهم منها، في صراعهم ضدَّ شعبنا الفلسطيني، من اجل تهميش وانهاء قضيته العادلة التي هي قضية الامة برمتها، فقد استثمروا العجز والضعف العربي أمام العدوان الإيراني على الأمة، موهِمِين بعض الحكَّام العرب من ان التطبيع سيحميهم من الخطر الايراني المزعوم، في الوقت الذي يؤدي فيه النظام الايراني دوره التكاملي مع العدو الصهيوني وصولاً الى الهدف الأساسي وهو تطبيع بعض الدول العربية لإصباغ مشروعية على دولة العدو المسخ، والتفرّد بشعبنا الفلسطيني.
ويعزز كل ذلك استغلال العدو الصهيوني انقسام القوى والفصائل الفلسطينية، وانشغال العالم في الشرق والغرب، بالحرب في أوكرانيا، فهُمِّشَت القضية الفلسطينية، وهُمِّشت ابسط حقوق الانسان فيها ، مما أغرى الكيان الصهيوني بارتكاب ما يحلو له من الجرائم بحق شعبنا في القدس الشريف وفي كل مكان من فلسطين الحبيبة .
وإذ يتساءل المواطن المقدسي اليوم: مَن سيَفُكّ أسر القدس، ومتى؟!
نقول بكل وضوح، عندما تُفتَح أمام الجيل العربي الصاعد أبواب الحرية على مصراعيها، ليقول رأيه، ويتخذ قراره المستقل بارادته، دون ضغطٍ أو وصايةٍ أو تعسّفٍ. فهذا الجيل البطل الشجاع قادر على الانتصار لقضايا امته رغم الاحتلال والقمع والارهاب، ويثبت ذلك ما يجري اليوم في القدس الشريف والانتفاضة المباركة لشعبنا في السودان، وثورة تشرين في العراق الثائر، وفي الخلاص من العصابات الحوثية المتفرسة في اليمن. فأعداء الأمة الأشرار من صهاينة وفرس، يتقاسمون الأدوار فيما بينهما، فبالأمس كان الفرس من خلال أذرعهم من الأحزاب الولائية المجرمة، يرتكبون أبشع الجرائم بحق العراقيين، واليمنيين، والسوريين، واللبنانيين، في تزامن تام مع دور حليفهم الصهيوني بما يرتكبه من جرائم بحق شعبنا الفلسطيني.
كما ان ما يحدث اليوم يشكل دعوة ملِحّة لكي تتوحد القوى والفصائل الفلسطينية في استراتيجية وطنية شاملة واحدة بكل ابعادها ومقوماتها السياسية والعسكرية والاقتصادية والاعلامية، فإن هذه الوحدة هي الخطوة الوحيدة التي ترتقي الى مستوى وعي وتضحيات شعبنا وشبابنا الفلسطيني الثائر.
سيبقى شعبنا البطل، صامداً، صلباً، متحدياً الاحتلال الصهيوني وآلته الحربية، وسيبقى دفاعه عن القدس ايقونة النضال العربي في كل مكان تستلهم من صموده وانتفاضته وصبره الجماهير العربية وقواها التحررية كل معاني الثورة من اجل الحرية والكرامة الانسانية.
مكتب الثقافة والاعلام القومي
16/4/2022