البعث…. الفكر والجهاد
د. حسن طوالبه
رغم كل محاولات الدسّ والتأمر على البعث منذ التأسيس الا انه ما زال الفكرة التي تحتاجها الأمة في مثل هذه الظروف القاسية التي تعيشها, وما زال البعثيون هم المؤهَلون لإدارة دفّة الدولة الحديثة القائمة على العدل والمساواة واحترام حقوق الانسان. ولذلك يظل السؤال مطروحاً: لماذا ظلَّ البعث صامداً قوياً في العراق والوطن العربي رغم محاولات التطويق والتشويه والتآمر ومن بعد ذلك الاجتثاث؟ .
يكمن بقاء البعث في حيوية فكرته المعبرة عن حيوية الأمة ذاتها. ويكمن نجاح البعث في انه وعى وعياً كاملاً هويتَه الجهادية التاريخية كونه نتاج هذه الأمة . فالأمة هي الأصل والبعث هو التَعبير الحيّ والكبير عن ذات الأمة وعن حيويتها وطاقاتها الخَلاقة .
البعث منذ ولادته كان فكرة شعبية تعتبر الشعب أساساً وأصلاً في بناءِ الامة وفي حمل القضية القومية. فهو بالتالي حزب تاريخي لأنه نشأ من الأمة ومن تاريخِها وتراثِها .
وقد حرصَ البعث على ان تظل فكرته بحاجةٍ مُلِحّة الى تجديدِ نضاله وتنظيمه لخدمة الأمة وضمان مستقبلها وهو ما يجَسِده البعث اليوم, فهو المُدافع عن عروبةِ العراق وتأريخه وتراثه بوجه الطائفيين الذين يعمَلون على طمسِ كل ذلك لصالح نظرية ولاية الفقيه.
ويؤمن البعث بالتجديدِ في نضالِه وتنظيمِه, كما انه يؤمن بالانسانية فلم ينسى هذا السر وهو في أشد الأزمات والتحديّات فلم يثأر منتقماً من العدوِّ المقابل, بل ظلَّت الإنسانية ماثِلة في تصرفِ أعضائه المنتمين للحزب .
اضطَلَع البعث منذُ البداية بعملٍ تاريخيٍ عظيم شبَّهَهُ القائِد المؤسِّس رحمه الله بالبحرِ المتحرِّك القادر على قذفِ الشوائب الى الشاطئ, فالبحر يختلف عن الساقية التي لا تستطيع ان تتخلّص من الشوائبِ ولا أن تروي الامة في ظمئها عندما يشتدُّ بها العطش. فمنذ البداية نذرَ البعث نفسَه لعملٍ تاريخيٍ كبير, فلم يقبَل بأهدافٍ محدودةٍ او دورٍ محدود, لأن الله تعالى أراد للأمة دوراً تاريخياً مميزاً في نشرِ رسالة الإسلام, وبناء حضارة عريقة مدت البشرية بمعين الرقيِّ والثقافة .
ولما كانت الحياة في أحدِ أسرارها انها حركة دائمة لا تعرف التوقف باذن الله , فان من واجب الحركة الحية ان تضطلع بدور تاريخي, اكثر حيوية, فلا ترضى بالجمود والتوقف, لانها حركة ترفض ان تكون خارج الحياة وخارج حركة التاريخ .
قراءة في فكر البعث واستجلاء محطات نضاله الطويل يكشفان عن اقوى سر بقاء حيويته وديمومته هو امتلاكه منذ نشأته قوة الروح وقوة الايمان وقوة التصميم, فبقاء البعث طيلة سبعة عقود مضت وحفاظه على حيويته هو نتيجة الايمان والروح والمعاناة التي عاناها البعثيون في مسيرتهم الجهادية. فقد ارتقى الوف الشباب شهداء على درب النضال, اضافة الى معانات آخرين من السلطات الرسمية القمعية, سواء بالاعتقال والسجن او الحرمان من الوظائف او المطاردة داخل الوطن. ولكن بالايمان تمكن البعثيون من مواجهة التحديات الآنف ذكرها, وظل رائدهم الامل والتفاؤل .
وقد جسَّد البعثيون في العراق بعد عام 2003 اروع مسيرة نضالية عرفها التاريخ الحديث ونضالات الشعوب, اذ فقد البعث الوف الشهداء خلال السنوات الماضية, والوف المعتقلين واضعافهم مهجَّرون في دول الجوار العربي ودول العالم. ورغم كل اساليب القمع التي مارسها نظام الحكم التابع لملالي ايران والادارة الامريكية, الا ان البعثيين تمسكوا بالمبادئ النضالية وتمكنوا من اجبار القوات الامريكية على الانسحاب من العراق 2011. وما زال البعثيون يحملون راية الجهاد ضد المحتلين الفرس الصفويين ويقفون سداً بوجه التيار الطائفي الذي ينفذه اعوان ملالي ايران في العراق .
الإيمان ليست مقولة للمذاكرة, بل هو أحد اشتراطات ديمومَة البعث وبقاء حيويته. ولا يمكن الإستغناء عن الايمان لأنه هو الشرط الرئيس للنجاح . فالذي ارتضى أن يكون عضواً في البعث وينال شرف الإنتماء اليه لابد ان يعمر قلبه بالايمان العميق بمبادئ البعث واهدافه النبيلة, فالايمان يخلق الثقة والاندفاع ثم تتطور المعرفة بمبادئ البعث خطوة خطوة , حتى ينمو المناضل في صفوف الحزب ويكون مؤهلاً لحملِ رسالته الخالدة . فالذين عمَّر الايمان قلوبهم لم ينحرفوا ولم يتنازلوا عن مبادئهِم رغم كل الظروف القاسية التي مرت عليهم. اما الذين انتموا الى الحزب ولم يعمر قلبهم بافكار البعث الاصيلة فقد انهاروا وساروا في درب الانحراف وانحازوا الى طوائفهم وقومياتهم واعراقهم .