مع اقتراب مسرحية الانتخابات المُفترضة
العراقيون الأماجد .. وخيار المقاطعة
د.محمد رحيم آل ياسين
اثبت الشعب العراقي أنَّ وعيه وادراكه للمخاطر المصيرية التي يعيشها اليوم، هي أكبر بكثير مما كان يعتقده البعض. فقد كان ثائراً متحفزاً للتغيير والخلاص من حكومة الاحتلال العميلة، وبرهن أنَّه أقوى من الدعايات الانتخابية الكاريكاتيرية، والأكاذيب وحملات التضليل التي يحاول أذناب المحتل خداع العراقيين بها، بالوعود الكاذبة وتزيين صورتهم الكالحة التي لا يَكُفّون عن اطلاقها، وهم مَن تلبَّس بهم الشَّر وتلبسوا به، وباتوا يحترفون القتل، وسفك الدم الزكي لأبناء العراق الأماجد، وما يقومون به من استخدام كل الوسائل والأساليب الوحشية في التعامل مع الشباب الثوّار السلميين، دليل قاطع على اجرامهم بحق العراقيين.
لقد فُرِضَت على العراقيين حرباً تاريخية غير مسبوقة في عصرهم الحديث. هي معركة بين قيم الشرف والكرامة والوطنية الحقَّة، وبين الخيانة والفساد والتهتك. لقد وجَّه الشعب العراقي العظيم رسالة الى أصحاب الشَّر والخيانة، وهم على بيِّنة تامة بأنَّ ما تسمى الانتخابات المبكرة ما هي إلَّا مسرحية ساخرة، خادعة، وهي لا تتعدى كونها اكذوبة ألَّفها الأمريكان ووضعوا السيناريو الخاص بها، ويقوم بتمثيلها هؤلاء الدمى من أذناب المحتل المجرمين. لقد أفشل الشعب العراقي مخططات ومحاولات خبيثة كثيرة، منذ
أن وعي الدنيا كانت تستهدف نزع وطنيته، وتفتيت كيانه الواحد، وتفريق شمله، لكنه تعامل مع كل هذه المخططات بوعي تام، وتحمل كافة تداعياتها، وسحقها وانتصر عليها. فقد أثبت هذا الشعب قدرته على التعايش مع أقسى وأصعب الظروف، وخَبِر التعامل مع الواقع مهما تكن ضراوته وشدته، وبرهن قدرته على التحمل والصبر، فالعراقيون على درجة عالية من الوعي الوطني وأثبتوا مقدرتهم الكبيرة في التعامل مع الأحداث والقضايا التي مرَّ بها العراق، في الوقت الذي كان فيه العدو يراهن على نجاح مؤامراته الخبيثة على العراق وشعبه، في تصور منه أن الشعب لن يقوى على الصبر والصمود والمطاولة، وأنَّه لا يمتلك الارادة والقدرة على أن يقول كلمته الفصل!. لكنَّهم لم يقرأوا التاريخ جيداً ولم يستوعبوه، وتناسوا أنَّ وعي العراقيين، قد حطَّم كل مخططات استهداف العراق وشعبه.
ألَم يقدم العراقيون فلذات أكبادهم قرابين على الحدود الشرقية للوطن في سبيل حماية ترابه الغالي؟، فكانوا يواجهون العدوان بكل أشكاله وأحجامه، حتى يندحر العدو ويعود أدراجه خاسئاً مهزوماً عند حدود العراق العصيَّة. ألَم يربطوا البطون من شدة الجوع ولكنَّهم لم يستسلموا في مواجهة حصار الأشرار الجائر؟ وها هُم اليوم متحفزون للرد الحازم على مهزلة الانتخابات الهُزء. وهم اليوم ليس أمامهم إلَّا التصدى لحكومة الاحتلال من خلال مقاطعة عامة وشاملة لمهزلة الانتخابات.
فقد عانى هذا الشعب العظيم الأمرَّين من عذاب وألم وتحمل أعباء وشدائد الأحداث التي تعصف بالعراق منذ سبعة عشر عاماً عجافاً، لكنَّه استجمع قواه وبدأ بحراكه الشعبي في أوسع رد فعل منه على الحكومة الفاسدة. فالعراقيون مشهود لهم بالأفعال التاريخية الكبرى. تليق بعمق تاريخهم وعظمة حضارتهم.
انَّها المقاطعة التامة التي تشكل الرد المناسب والحاسم على سلطة أحزاب الخيانة والغدر، وتهديدات ميليشياتها السائبة والمتوحشة. انَّه الرد الشعبي الشجاع والصادم لهؤلاء، عندها يتحول مشهد الانتخابات الى مشهد للرفض والمواجهة الشاملة، في فعل تاريخي غير مسبوق حتى يغادر هؤلاء المجرمون، ويتركوا العراق للعراقيين. وقد كانت ثورة تشرين المباركة دليلاً حيَّاً على صدق وطنيته وقوة وعيه. وهو قادر اليوم ومتمكن على أن يحسم أمره باتجاه تحقيق النصر على العملاء الحاكمين، بعد الاتكال على الله تعالى. قال رب العِزَّة والجَلالة:(فإذا عَزَمت فتوّكَل على الله إنَّ الله يُحِبُ المُتوّكِلين) آل عمران،آية159 . انَّه رهانٌ تاريخي، في قدرة الشعب العراقي على مواجهة الصعاب وكسر حاجز الصمت والخوف. وفي وعيه لأبعاد المؤامرة الخبيثة، التي يُخَطِط لها الصهاينة والفرس منذ عشرات السنين، للانقضاض عليه وتدمير بلده وسحق انجازاته التاريخية الكبرى.
ويحدثنا التاريخ من خلال العِبَر والمواعظ التي سجلها للعراقيين وغيرهم من شعوب الأرض، أنَّ هذا الشعب المُضطهَد والمحكوم من عصابات الجريمة والفساد، لن يستطيع عبور هذه المرحلة الخطيرة والمصيرية، الاَّ بالتحدي والمواجهة والوقوف وقفة رجل واحد، كما هو فاعلٌ اليوم في ثورته المباركة للخلاص التام والنهائي من العملاء أذناب الفرس. حيث برهن على أنَّ صبره له حدود وقد نفذ هذا الصبر اليوم، وما تَحَّمَله خلال سنوات الاحتلال وتسلط أقزامه على مقدراته وأحواله. لقد عانى هذا الشعب وتحمل ما لم يتحمله شعب من شعوب الأرض، حتى كانت انتفاضته العارمة ضدّ النظام الحاكم ليبرهن بالفعل لا بالقول أنَّه شعب الذرى والبطولات الكبرى، وهو صاحب المَقام الرَفيع، ونهج المَعالي، فهَبَّ للدفاع عن تاريخه وكرامته ووجوده ومستقبل أبنائه.
واليوم حان الوقت ليبعث هذا الشعب مجده التليد من رحم المعاناة والعذابات والقهر، بعد أن أُغتُصِبَت كل حقوقه المشروعة، وأُستُبيحَت كل مقدساته
الوطنية منذ اليوم الأول للغزو الأمريكي الغاشم وحتى الساعة. مطلوب من العراقيين الغيارى أن يشدوا العزم أكثر بعد أنْ عقدوا النيَّة للثورة على الحاكمين الأوغاد. لقد سطَّر العراقيون أروع الأمثلة في الصمود والمطاولة والتصدي حتى وإن تكالبت عليه كل قوى الشر والعدوان، ومهما ثَقُلَ الباطل وانتشر، فإنَّه لن يصمد أمام الحق، قال تعالى:(وقُل جاءَ الحقُّ وزهقَ الباطل، انَّ الباطلَ كان زهوقا) الاسراء،آية81، وكما قيل:(انَّ للباطل جولة وللحق جولات) . وهكذا هيَ لحظات فارقة، فاصلة، يستشعر معها العراقيون بالمجد والكبرياء والشموخ. انَّها ساحة الوغى ويوم الثأر للكرامة المهدورة والحق المغتصب، بالقصاص من الخونة والمجرمين، والذود عن العرض والدين والمال، التي استباحها الأوغاد وأهل الشَّر، عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، أنَّه قال:(مَن قُتِلَ دونَ مالِه فهوَ شَهِيد، ومَن قُتِلَ دونَ أهلِه، أو دونَ دَمِه، أو دونَ دِينهِ فهوَ شَهيد).
وبخلاف ما يَدَّعيه اعلام النظام الاستبدادي الحاكم المغلَّف بغلاف الديمقراطية الزائفة، وأبواق الأحزاب الشيطانية فالشعب العراقي اليوم يستعيد عافيته التي فقدها طوال سنوات الاحتلال الغاشم، وهو يتمكن الآن من التعبير عن مواقفه الوطنية الصادقة بكل وضوح، ويفصح عن معدنه الحقيقي تجاه ما يدور في وطنه المحتل. بعد كل هذه المعاناة، وبعد هول الأعاصيروالعواصف التي فتكت بكرامته ووطنيته وتاريخه وكادت أن تغيِّر وجه العراق العربي الذي رسمته حقب طويلة من الحضارة الانسانية والتراث المشرق.
نقول، انَّ الحلول الحاسمة لدى الشعب العراقي وحده، فالمعدن الأصيل للعراقيين وإن غطَّاه التراب، فإنَّه بمسحة خفيفة يظهر بريقه ولمعانه، فالسمات العراقية الوطنية ملآى بالحيوية والاقدام والمجابهة، وكما تظهر في أوقات الرفاهة والخير، فإنَّها تبرز وبوضوح أكثر في أوقات المحن المشحونة بصلابة الإيمان والشجاعة والتضحية والتصدي للحاكمين الظالمين.
لقد وقف العالم مذهولاً، في مواقف كثيرة لهذا الشعب، ذُهِلَ العالم من قوة احتماله وطول صبره، ومطاولته،وعدم استسلامه، في أصعب الظروف، فالشعوب الملهمة لا تصبح كذلك بالانجازات المادية والعمران والبناء فقط، بل بامتلاك القدرات الهائلة على الصمود والثبات في اللحظات المصيرية الحاسمة، وعدم التراجع أو الاستسلام للأمر الواقع. وهذا هو شأن شعب الرافدين، الشعب الذي تفوح منه رائحة فوَّاحة من ماضٍ عريق وحضارة عظيمة، وتراث مجيد….
ونحن نقترب من اجراء الانتخابات الهزلية والتي نعرف من الآن نتائجها فيما لو أُنجِزَت، فإنَّنا نحثُّ أبناء شعبنا العراقي الأبيّ على مقاطعة صناديق الاقتراع، فأصواتكم عزيزة وغالية لا يجوز التفريط بها لهؤلاء الهابطين الذين سلكوا طريق الخيانة منذ أن تحالفوا مع المحتل الأمريكي، وباتوا ذيولاً للعدو الفارسي الصفوي، وقدَّموا له العراق على طبق من ذهب، ليستبيح أرض الرافدين الحبيبة. هؤلاء قد نضب الخير فيهم، ولا رجاء فيهم فقد رُفِعَت الأقلام وجَفَّت الصحف.
وبعدُ … ماذا يبشِّر به هؤلاء الخونة، وبماذا يعدون الناس؟ هل يبشرونهم بانعدام العدالة الاجتماعية، والفقر والمرض، والظلم والتهميش، أم بآلة القتل مفتوحة الصلاحية !، أم بالنهب والسرقات، أم بسوء حال المستشفيات والمراكز الطبية، والمدارس الحكومية؟!.
وفي الختام، وإذْ لا نجادل في وطنية شعبنا ووعيه المتصاعد فإنَّ ثقتنا عالية بأنه سيقاطع هذه الانتخابات جملة وتفصيلاً، وفي نفس الوقت نسترعي انتباه جماهير شعبنا الأماجد، أنَّ الانتخابات اذا سارت وفق المسار المخطط له من العملاء، فليبشر أبناء شعبنا بحكومة أكثر اجراماً وفساداً وتنكيلاً بالعراقيين، وأنَّ العراق لاسمح الله سيصبح حديقة خلفية للفرس لا محال. لذلك نتمنى على شعبنا العراقي العظيم أن تكون له وقفة مشرفة تليق بشعب قدَّم للدنيا
أرقى الحضارات منذ آلاف السنين، وأبسل مواقف الوعي والصبر والمقاومة في زمننا الحاضر.
فالمقاطعة التامة لهذه الانتخابات المهزلة هو الرد الحاسم على حكومة الاحتلال المارقة، وهو رد الفعل الشعبي الشجاع والحازم لهؤلاء الحاكمين.
وليتحول مشهد الانتخابات الى مشهد حيّ وواقعي للرفض والمقاطعة، والثورة على هؤلاء الحاكمين، حتى يغادر الأوغاد السلطة التي اغتصبوها من الشعب العراقي. ونحن على يقين بمقدرة شعبنا وعزيمته التي لا تلين، وهو قادر على أن يحسم أمره بعد الاتِّكال على الله تعالى، يقول الحقّ سبحانه:(فإذا عزمت فتوكَّل على الله إنَّ الله يحب المتوكلين)آل عمران،آية159.
انَّه رهان تاريخي في قدرة الشعب العراقي على مواجهة التحديات التاريخية بكل عزيمة واندفاع لِدَكِّ حصون المنطقة الخضراء، والاجهاز على النَفَس الأخير لحكومة القتل والفساد المجرمة..