ملاحظات على مقترح الغاء قرار الكونغرس الأمريكي باستخدام القوة ضد العراق
بقلم عبد الواحد الجصاني
منذ سنوات ومؤسسات بحثية امريكية ومشرعين وسياسيين امريكان يدعون إلى إلغاء قرار الكونغرس الأمريكي رقم 107/243 الصادر في 16/10/2002 الذي أعطى للرئيس بوش الإبن التخويل باستخدام القوة لغزو واحتلال العراق عام 2003. وخلال عامي 2019 و 2020 سعى الديمقراطيون في الكونغرس الامريكي لإلغاء القرار إلا أن بعض المتطرفين الجمهوريين أفشلوا مسعاهم، وبمجيء بايدن اصبحت الفرصة اكبر لإلغاء القرار.
وفي هذا المجال نورد الملاحظات التالية :
1- ان الغاء القرار المرقم 107/243 لا يحد من تخويل الرئيس الامريكي باستخدام القوة في منطقة الشرق الأوسط ، فلدية تخويل عام 1991م المستند الى قرار مجلس الأمن 678 (1990) ولديه تخويل عام 2001 م (الذي صدر بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر) . إضافة الى التخويل
الأصل بموجب المادة الثانية من الدستور الأمريكي بصفته القائد العام للقوات المسلحة و”للميليشيات” الامريكية حيث تقر (الفقرة الثانية من المادة الثانية من الدستور الامريكي بوجود ميليشيات لمختلف الولايات يمكن ان تدعى الى الخدمة وتسمى بالدستور“Militias” ، كما ان التعديل الثاني للدستور الامريكي يعتبر وجود مليشيا حسنة التنظيم ضروري لأمن أية ولاية حرة، ولا يجوز التعرض لحق الناس في اقتناء أسلحة وحملها).
3- يستخدم الرؤساء الأمريكان التخويل المناسب لهم بدون تدقيق كبير بمدى انطباق التخويل على العمل العسكري، وآخر مثالين على ذلك هو استخدام الرئيس ترامب تخويل القرار 107/243 لسنة 2002 في عمل عسكري حاسم في مطار بغداد الدولي ولم يستخدم تخويل عام 2011 الذي صدر بعد اعتداءات 11 سبتمبر مع انه اقرب منطقيا للفعل كونه يتعلق بالتهديدات الارهابية. أمّا بايدن فقد استخدم التخويل بموجب المادة الثانية من الدستور لتوجيه ضربات جوية على مواقع في سوريا. لذا فإن الغاء تخويل أو استبداله لن يغير من الأمر شيئا.
4- ترى الاغلبية في الكونغرس الأمريكي أن القرار 107/243 لسنة 2002 استنفذ أغراضه وأصبح باليا (outdated) بعد الاحتلال الامريكي للعراق، وإن هدفه كان محدداً وهو وقف التهديدات المزعومة التي تمثلها اسلحة التدمير الشامل العراقية وضمان تنفيذ قرارات مجلس الأمن. لكن ما يتجنب الباحثون والمشرعون والسياسيون الأمريكان ذكره ، هو أن هذا القرار يمثل صفحة مخزية في التاريخ الأمريكي استخدمت فيها كل أشكال الكذب والغش والتزوير لتبرير العدوان على العراق وارتكاب جرائم ابادة ضد شعبه. ففقرات هذا القرار التي ملأت خمس صفحات لم تترك تهمة مزورة إلاّ والصقتها بالعراق وقيادته الوطنية: من إدعاء امتلاك خزين هائل من أسلحة التدمير الشامل والقدرة على تهديد أمن الولايات المتحدة، الى تهمة التحالف مع الارهاب وتمويل القاعدة وبقية المجموعات الارهابية وتزويدها باسلحة التدمير الشامل، الى إدعاء احتفاظ العراق بأسرى كويتيين، الى القول أن العراق ينتهك يوميا قرارات مجلس الأمن، الى روايات ملفقة عن إضطهاد
حكومة العراق لشعبها، الى القول ان العراق يؤوي أعضاء تنظيم القاعدة الذين نفذوا هجمات الحادي عشر من سبتمبر، الى الادعاء بوجود تخويل أممي باستخدام القوة ضد العراق بقرار مجلس الأمن (678) مع أن هذا التخويل انتهى مفعوله عام 1991 بانسحاب الجيش العراقي.
وللتدليل على أن هذا القرار اصبح سبّة في التاريخ الامريكي المعاصر (صدر القرار باغلبية 296 نائبا في مجلس النواب وعارضه 133 نائبا ، وفي مجلس الشيوخ أيده 77 عضو وعارضه 23 عضو).
أن المشرعين الأمريكان الذين وافقوا عليه أصبحوا يتبرأون منه ويعلنون أن ادارة بوش ضللتهم بمعلومات كاذبة جعلتهم يوافقون عليه ، تماما كما فعل كولن باول الذي اعتبر أن بيانه المليء بالاكاذيب امام مجلس الأمن في شباط 2003 نقطة سوداء في تاريخه انهت مستقبله السياسي.
5- ان قرار الكونغرس المرقم 107/243 لسنة 2002 الذي خوّل بوش الابن باستخدام القوة ضد العراق هو وثيقة ادانة للولايات المتحدة الامريكية ومؤسساتها السياسية والتشريعية ، وأية دعوى قضائية دولية يرفعها العراق بعد تحريره ضد الولايات المتحدة لا بد وأن يكون القرار 107/243 في صدر لائحة اتهام الولايات المتحدة بارتكاب جرائم ابادة وجرائم حرب وجرائم ضد الانسانية ضد شعب العراق، ولا يملك أي فقيه في القانون الدولي الاّ أن يقر بإن مضمون القرار 107/243 جعل كل دوافع أعمال امريكا العسكرية ضد العراق فاقدة للشرعية وانها جرائم حرب بكل المقاييس.
بغداد 16/6/2021