القيادة القومية في بيان شامل في ذكرى ثورة ١٧ تموز المجيدة وحول الأوضاع العربية الراهنة
بسم الله الرحمن الرحيم
حزْبُ البَعْثِ العَرَبي الاشْتِرَاكي أُمةٌ عرَبِيةٌ وَاحِدَة ذاتُ رِسالَةٍ خَالِدَة
القيادة القومية وحدة حرية اشتراكية
القيادة القومية في بيان شامل في ذكرى ثورة 17 تموز المجيدة
وحول الأوضاع العربية الراهنة
۞ احتلال العراق أدى إلى انكشاف الأمة وتهاوي جبهاتها
۞ المشروع الصهيوني يتكامل بنتائجه مع المشروع الفارسي ويتبادلان الأدوار ضد الأمة
۞ ثورة السودان أعادت الاعتبار للحراك الشعبي العربي
بمناسبة انعقاد دورتها الاولى لهذا العام وتزامناً مع حلول الذكرى الحادية والخمسين لثورة السابع عشر من تموز المجيدة وحول الأوضاع العربية أصدرت القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي البيان الآتي :
يا جماهير أمتنا العربية ومناضلوها الابطال على مساحة الوطن العربي الكبير
في مثل هذه الأيام قبل 51 سنة كانت الأمة العربية على موعد مع حدث ثوري عظيم، استطاع في زمن قياسي، أن يعيد الاعتبار لدولة العراق الوطنية ودورها في رسم ملامح مستقبلها، مستقبل البناء الوطني المتين وتوفير القاعدة الصلبة للمشروع النهضوي الذي يرفع من مستوى الإنسان العربي ويضع ثروات الأمة في خدمة أهدافها التنموية الشاملة ويحمي البوابة الشرقية للوطن العربي من الاختراقات المعادية ويؤمّن الحاضنة الأمينة لقضايا النضال القومي العربي وفي الطليعة منها قضية فلسطين ويجعلها في صميم أولويات الجماهير.
قبل 51 عاماً، انبلج فجر الثورة العربية عبر واحدة من أبرز تجلياتها، بعدما اطلقها حزب ثوري مجرب، وحملت رايتها قيادة مناضلة، واحتضنها شعب متجذر في وطنيته ومتفانٍ في الدفاع عن عروبته، تشهد له بذلك جولات المواجهة والمعارك مع العدو الصهيوني.
ولم تكن ثورة السابع عشر من تموز التي أقامت صرحاً وطنياً على أرض العراق وشكّلت بإنجازاتها تحدياً لكل القوى التي ناصبت الأمة العداء من صهاينة واستعماريين وفرس صفويين وقوى رجعية عربية متعددة التوجهات، لم تكن ثورة وطنية عراقية وحسب، بل كانت ثورة قومية عربية بأهدافها ومداها وبالقوى المحرِّكة لها، إنسانية في مراميها، ولهذا شكَّلت على مدى 35 عاماً، قاعدة للنضال القومي والانساني التحرري النهضوي.
وإذ تمر الأمة العربية في هذه الأيام بمرحلة شديدة القسوة ، فلأنها بعد احتلال العراق وإسقاط دولته الوطنية ذات البعد القومي، باتت في حال انكشاف وبما مكَّن القوى المعادية لأن تصّعد من عدوانها انطلاقاً من كيان الاغتصاب الصهيوني الارهابي في فلسطين، ومن كيان الولي الفقيه العنصري في طهران الذي يمعن تغولاً في العمق العربي مستحضراً كل الحقد الشعوبي الدفين ضد العروبة مكملاً بعدوانيته، متعددة الأشكال، الأهداف الصهيونية الرامية إلى تفكيك البنى المجتمعية لضرب عناصر المناعة القومية، وعقد المؤتمرات الدولية والإقليمية لتمرير الحلول التصفوية للقضية الفلسطينية، وآخرها مؤتمر المنامة الذي انعقد تحت شعار “ورشة السلام من أجل الازدهار”، والذي يراد له توفير إطار اقتصادي لمشروع “صفقة القرن” الاستسلامي الذي تطرحه أميركا كمشروع (حل)، وهو بما ينطوي عليه من مضمون سياسي، إنما يشكل تصفية للقضية الفلسطينية عبر تحويلها من قضية شعب سُلبت أرضه وهجّر منها ويمنع عليه العودة إليها وطمست كل حقوقه الوطنية وهويته القومية إلى قضية خدمات إنمائية وبنى تحتية.
إن القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي وبمناسبة حلول الذكرى الحادية والخمسين لثورة السابع عشر من تموز المجيدة، وفي ظل ما تتعرض له الأمة من ابشع اشكال العدوانية والتخريب ، وما تختلج به من مخاضات ثورية في أكثر من ساحة من مشرق الوطن العربي الكبير الى مغربه، ترى بأن ما تختزنه هذه الأمة في ذاتها من عناصر قوة وقدرة على الانبعاث المتجدد كفيل بأن يوفر لها كل مقومات الصمود والمقاومة والتي من خلالها تثبت أنها أمة حية عصية على الاحتواء والتطويع والتطبيع وأن رهانها يبقى قائماً على الجماهير المناضلة كي تستمر في مسيرتها النضالية لدحر المخططات المعادية وحماية حقها في الوجود والتحرر من كل أشكال الاستلاب السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
لقد كان قدر الأمة العربية عبر تاريخ نهضتها الحديث مواجهة شبكة واسعة من تحالفات القوى المعادية، إلا أنها لم تهادنها أو تستسلم لها، لذا فإن القيادة القومية وانطلاقاً من هذا اليقين التأريخي تؤكد على أن أمتنا لن تهادن رغم عنف الهجمة المتعددة الأطراف، وسوف تبقى تقاوم لأن الصراع على الأمة وفيها بات صراعاً يهدد وجودها وكينونتها من ثلاثة أخطار رئيسية هي : خطر المشروع الصهيوني الاحتلالي، وخطر المشروع الفارسي الصفوي العنصري التوسعي، وخطر القوى المذهبية والتكفيرية. وهي الأخطار الأساسية التي تحظى بالرعاية الأميركية الامبريالية وتشكل ادواتها الضاربة في قلب الامة .
وترى القيادة القومية أنه رغم قرع طبول الحرب الإعلامية مع النظام الإيراني فإن ذلك ليس إلا محاولة لابتزاز وسلب موارد الامة العربية واضعاف دولها تمهيداً لتمرير المخطط الصهيوني الكبير، عبر الادعاء الواهن باحتواء الدور الإيراني ضمن منظومة المصالح الأميركية الاساسية .
وتلفت القيادة القومية للحزب إلى أن الموقف الأميركي الذي يدّعي مناهضة النظام الفارسي وتقليم الأظافر النووية للوحش الإيراني من جهة ، انما يدعه يطلق أنيابه الارهابية الطائفية من جهة اخرى لتنهش جسد الأمة في العراق وسوريا ولبنان واليمن والبحرين والأحواز، وفي السودان والمغرب العربي والقرن الأفريقي وأقطار الخليج العربي ممعناً في تخريبها وتفتيتها وتغيير تركيبتها السكانية ونهب مواردها وتسخيرها للالتفاف على العقوبات الامريكية المزعومة، وكل ذلك على مرأى ومسمع الامبريالية الامريكية ومباركتها.
من هنا، فإن القيادة القومية للحزب إذ تعيد التأكيد على أن الحزب هو من حدّد مركزية القضية الفلسطينية من قضايا الأمة، تؤكد بأن المخاطر التي تهدد هوية الأمة ووجودها القومي أفرزت قضايا مركزية لا تقل أهمية عن قضية فلسطين في انعكاساتها على الواقع القومي، حيث يشكل الأمن القومي وحدة عضوية وأن أي تهديد لأيٍّ من مكوناته الوطنية هو تهديد للأمن القومي العربي برمته.
ومن هنا فان قضية العراق، وهي في حقيقتها ليست قضية تحرير أرض عربية من الاحتلال المزدوج، الأميركي الإيراني وحسب، وإنما قضية تحرير القاعدة التي ينطلق منها الاندفاع الاستعماري التوسعي الايراني في استهدافه لكل الامة العربية والتي بدون تحريرها لن تنجح جهود التصدي لذيوله وامتداداته في الاقطار الاخرى، لذا فإنها تمثّل في الوقت الراهن قضية مركزية للأمة برمتها ، تتطلب جهوداً استثنائية متواصلة.
فكما لم تكن فلسطين مستهدفة لذاتها بدءاً من وعد بلفور وانتهاءً بوعود ترامب المتلاحقة، فإن العراق لم يكن مستهدفاً لذاته وحسب بدءاً من العدوان الإيراني عليه ومروراً بالعدوان الثلاثيني وانتهاء بالغزو والاحتلال وتمكين النظام الإيراني من غرز مخالبه في بنيته الوطنية والاجتماعية وإحداث تغيير في التركيب الديموغرافي بهدف تمزيقه والعودة به إلى ما يجعله مجرد خليط من مكونات عشائرية عرقية طائفية ، بلا اي رابط وطني ولا هدف نهضوي يصهر الجميع ويؤسس لكيان وطني واحداً يعيش فيه أبناؤه متمتعين بحقهم في المواطنة والمساواة في الحقوق والواجبات والموارد العملاقة .
إن القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي ترى بأنه لولا احتلال العراق وإسقاط نظامه الوطني الذي جاءت به ثورة تموز المجيدة وإطلاق يد نظام الولي الفقيه في تخريب بنيته الاقتصادية والاجتماعية، وما تبع ذلك من جعل العراق بوابة لتصدير الفتن الطائفية والعرقية والارهابية إلى أقطار عربية أخرى، وتسهيل تدخل هذا النظام العنصري الطائفي في ساحات عربية أخرى مباشرة أو عبر أذرعه الميليشياوية والأمنية، ما كان للعدو الصهيوني أن يتمادى في عدوانيته المتصاعدة على جماهير فلسطين، ويقدم على قضم أراضٍ عربية إلى كيانه الغاصب كما حال الجولان، ولما كان نظام طهران التوسعي قد تمكّن من التحكم بسوريا وعطَّل مشروع الحل السياسي العادل في اليمن واستثمر من خلال دعم قوى التكفير الديني ومراكز التخريب المجتمعي لتدمير البنية الوطنية ، عبر تشكيلات ميليشاوية ارتبطت بمركز تحكم وتوجيه إيراني مهمتها تنفيذ أجندة المشروع الفارسي الصفوي الذي حقق ما لم يستطع المشروع الصهيوني تحقيقه من اختراق لبنى المجتمع العربي رافعاً شعارات مزيفة انطلاقاً من المتاجرة والاستثمار السياسي الأمني بقضية شعب فلسطين.
وترى القيادة القومية للحزب إن الضجة الاعلامية الدائرة حول المواجهة العسكرية المزعومة بين واشنطن وطهران، تؤكد أن الغرض الأساسي والنهائي من حملة التصعيد الأميركي ضد النظام الايراني هو الالهاء من اجل إبرام “صفقة القرن” وليس ايقاف التوسع الاستعماري لنظام الولي الفقيه الدموي وقطع الأذرع الارهابية له فعلا.
وتشدد على أن النظام الارهابي الايراني الذي يدعي مناهضة الامبريالية ، ومن خلال جرائمه المتكررة ضد أقطار الأمة، وتحديداً في العراق بشكل خاص، الذي كان في ظل قيادته الوطنية سنداً أساسياً لقضية فلسطين، هو مساهم رئيسي في دعم المشاريع الامبريالية في المنطقة وعلى رأسها تصفية القضية الفلسطينية ودفع المشاريع الخيانية إلى أمام، وإن إدعاءات هذا النظام بنصرة شعب فلسطين ومقاومته كذبة كبرى يُراد منها التغطية على موقفه الفعلي في تصفية القضية الفلسطينية و تلميع صورته التي انفضحت دمويتها من خلال جرائمه البشعة في العراق وسوريا واليمن والأحواز، ومن خلال عمله على إثارة الفتنة الطائفية في لبنان والبحرين والمملكة العربية السعودية وغيرها من أقطارنا العربية عبر الأذرع الارهابية التي شكّلها مباشرة، أو تلك التي يدعمها، لتنفيذ وتسويق مشاريعه العنصرية الطائفية الارهابية التوسعية في وطننا العربي وعالمنا الاسلامي، بل وفي العالم كله.
وفي ضوء هذا الواقع الذي تعيشه الأمة، وانطلاقاً من المسؤولية القومية التي يفخر حزب الثورة العربية، حزب البعث العربي الاشتراكي بتحمل أعبائها فإن القيادة القومية وأمام المنعطف المصيري الذي تمر به الأمة إنما تؤكد على ما يلي :
أولاً : إن الخطر الشامل الذي يستهدف الأمة العربية بهويتها القومية ووجودها وتاريخها ومستقبلها، يتطلب مواجهة شاملة لكل من يهدد الأمن القومي العربي، وهذا لا يقتصر على المشروع الصهيوني بكل ركائزه وداعميه بل يشمل أيضاً المشروع الفارسي الصفوي المتكامل معه ، بكل ركائزه وأذرعه، وكل القوى السائرة مع هذين المشروعين واللذين باتا يشكلان فكي كماشي يكمل أحدهما دور الآخر بالنتائج وبالسياقات والادوات العملية المنفّذة لدوريهما.
لقد باتت مواجهة الأخطار المحدقة بالأمة العربية، اليوم، تفرض نفسها أكثر من أي وقت مضى باعتبارها ضرورة قومية تحتاج إلى إعادة فرز الخنادق والخروج من الدوائر الرمادية في تحديد المواقف وعبر صياغة مشروع شامل للمواجهة على الصعيد المرحلي والاستراتيجي.
فمشروع “صفقة القرن” وكل ما يبني عليه من مواقف ومؤتمرات هو ليس التهديد الوحيد للأمة، وإذا كان كل ما صدر من مواقف ضد هذه الصفقة ، ينظر إليه بإيجابية ويجب التأسيس عليه وتطويره للحيلولة دون تمادي تداعياته السلبية على الواقع الوطني الفلسطيني كما على الواقع القومي العربي، إلا أن هذا لا يكفي لتحقيق الهدف ما لم يتم القضاء على الاسباب التي ادت الى هذا التداعي وفي مقدمها قبر مشروع المد الشعوبي الفارسي عن طريق مواجهته بموقف قومي موحَّد وفعّال.
وإنه لمن المؤسف جداً أن بعض من يروج للمشروع الفارسي العنصري الطائفي ويوفر له التسهيلات ويعمل على منحه أغطية للتحرك هم ممن يصنفون أنفسهم “وطنيون ” و ” قوميون” عرب . اذ باتوا يدافعون عن النظام الإيراني دفاعاً مستميتاً متبنين ادعاءاته الزائفة بأنه معادٍ للامبريالية والصهيونية ، وهو زعم متهافت تدحضه أحداث التاريخ ووقائع الحاضر التي تؤكد قيام هذا النظام بتنفيذ الاهداف الامبريالية في المنطقة بحذافيرها ، لذا فانهم بتجاهلهم كل ما يقوم به هذا النظام التوسعي الارهابي في العراق وسوريا ولبنان واليمن والأحواز وأقطار الخليج العربي ، وهم بهذا التجاهل انما يمعنون في موقفهم المعادي للأمة في حقيقة الامر .
ان النضال العربي الذي يتطلب توحيد الموقف الفلسطيني على برنامج مقاوم ضمن إطار منظمة التحرير الفلسطينية وبما يوفر غطاءً للصمود الشعبي في الأراضي المحتلة وتفعيل المقاومة على كل مساحة فلسطين، فإن هذا النضال يتطلب وبنفس المستوى إسقاط كل أشكال تغول المشروع الفارسي في الأقطار العربية التي يعبث بها، وهو ما لن يكون إلا عبر قطع أذرعه وإخراج تشكيلاته العسكرية والأمنية والاقتصادية والثقافية من الأرض العربية وإنهاء كل أشكال وصايته على الساحات العربية التي رسخ فيها نفوذه السياسي والأمني، وعلى أن يكون ذلك مقروناً بقيام القوى التي ارتبطت بمراكز التوجيه والتحكم الإيراني بالعودة إلى مرجعيتها الوطنية ولتادية دورها في إطار التفاعل الوطني الإيجابي البنّاء مع أبناء مجتمعها بعيداً عن الارتهان لمراكز التوجيه والقرار في إيران.
ثانياً : إن القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي وفي الذكرى الحادية والخمسين لثورة 17 المجيدة، تعتبر أن هذه الثورة التي صار الانقضاض عليها، ثأراً من إنجازاتها والدور الذي قامت به باعتبارها نموذجاً للنضال العربي وداعماً أساسياً لكل قواه، والتي جسّدت على نحو حي مبادئ الحزب في التغيير والبناء الثوريين، هي ثورة باقية بأهدافها وقيمها وروحها المتجذرة التي بالاستناد إليها انتظم شعب العراق في أروع مقاومة شعبية باسلة استطاعت أن تتصدى للاحتلال الأميركي الغاشم وتتمكن بفعلها الجبار من هزيمته وطرده شر طردة ، ولتشرع في التحضير لبناء الأرضية اللازمة لإعادة البناء الوطني، قبل أن تعود القوى العميلة التي ائتلفت قبل الغزو ، لعرقلة نتائج الفعل المقاوم والحيلولة دون توظيفه في إعادة العراق إلى سابق عهده الوطني.
وإذا كان العراق أغرق في بحر من الدماء بعد خروج أميركا ودخول إيران على خط الهيمنة والتسلط والتخريب والتنكيل فلأن مخطط استكمال الاستيلاء على كل فلسطين لا يمكن تمريره إلا إذا كان العراق ممزقاً ومسلوباً لقراره الوطني ومسروق الخيرات والثروات الوطنية، وهذا الذي بدأته أميركا في العراق وأوكلت مهامه اللاحقة إلى إيران بعد خروج قواتها المدحورة منه، وامتد بتداعياته إلى سوريا التي أدير الصراع فيها من اجل تدميرها وتشريد أهلها وإضعاف مقوماتها في مؤامرة انخرط فيها النظام الطائفي الأسدي بتحالفاته الإقليمية والدولية والقوى التي صنّفت زوراً على الثورة وكانت تنفذ مشاريع وتوجهات القوى الإقليمية والدولية التي استثمرت بها وحوَّلت سوريا إلى ساحة خراب ودمار وساحة تصفيات لا تملك إلا الاستجابة للاملاءات التي تفرض عليها ولذلك فإن الخروج من هذا الواقع المرير الذي تنوء تحت أعبائه الضاغطة الأقطار العربية التي تمزقت وحدتها الوطنية وتعصف بها أزمات بنيوية لا يكون إلا عبر حلول سياسية تعتمد خارطة طريق ذات اسس وطنية وقومية واضحة.
فطريق الحل في العراق هو إسقاط العملية السياسية التي أفرزها الاحتلال الأميركي وتلقفها النظام الإيراني، وإسقاط كل رموزها وهياكلها السياسية والأمنية والادارية والعسكرية والاجتماعية، وإعادة بناء عملية سياسية جديدة، تستحضر من خلالها كل المقومات الاساسية التي استند إليها العراق في بناء دولته الوطنية قبل الاحتلال، وتعيد تفعيل مؤسساته الوطنية السيادية وخاصة المؤسسة العسكرية وإطلاق الحريات الديمقراطية ضمن اطارالتعددية السياسية التي تقوم على أسس وطنية، والغاء كل أشكال التفريس السياسي والأمني والثقافي والاجتماعي، حتى يعود العراق في إطار بيئته الوطنية الجامعة الى امته العربية هوية وانتماءا ودوراً فاعلاً وبما يليق بتاريخ شعبه المجيد ومكامن قوته البشرية والمادية.
وطريق الحل في سوريا، هو في إنهاء كل أشكال التدخل الدولي والإقليمي في شؤونها وإخراج كافة القوات الأجنبية والقوى الميليشياوية خاصة تلك التي استقدمها النظام الإيراني، وانهاء كل اشكال الاستثمار الدولي والاقليمي في قوى التكفير الديني، وإطلاق عملية سياسية جديدة تعيد بناء الحياة السياسية على اسس التعددية السياسية والممارسة الديموقراطية الحقة وتنهي تسلط المنظومة الأمنية على الحكم وإدارة البلاد والعباد ومحاسبة المسؤولين عن جرائم الحرب التي ارتكبت بحق أبناء العراق وسوريا، وإعادة النازحين إلى ديارهم حيث كانوا وما زالوا ضحية لمخطط الفرز السكاني والتغيير الديموغرافي خدمة للمشروع التوسعي الايراني من جهة والمشروع الصهيوني من جهة اخرى ، وبذلك تعود سوريا لتستعيد دورها كموقع عربي متقدم في مواجهة العدو الصهيوني بعد أن شوَّه حاضرها ودورها نظام طائفي قمعي أمعن في قمع الحراك الشعبي بما مكّن القوى الدولية والإقليمية وخاصة الروسية منها والإيرانية من الإمساك بمفاصل الدولة السياسية منها والأمنية.
وطريق الحل في اليمن هو في وقف التدخل الايراني في شؤونه الداخلية واسقاط كل النتائج التي ترتبت عن انقضاض الزمر الحوثية على الشرعية، واعتماد الحل السياسي المستند على نتائج الحوار الوطني والقرار الأممي والمبادرة الخليجية، وبهذا الحل يعاد الاعتبار للشرعية وتُنهي كل أشكال التدخل الإقليمي وبشكل خاص التدخل الإيراني، ويوقف الصراع الذي أدمى اليمن ورفع الخسائر البشرية الاقتصادية، ودمر المرافق الحياتية، ومعه يعود اليمن إلى حاضنته القومية في ظل الحل السياسي الذي يوفر أمناً وطنياً وسياسياً واجتماعياً وبمشاركة كافة القوى التي تحسم خياراتها بالانضواء تحت سقف الحل الوطني للبدء بإعادة إعمار اليمن عبر إطلاق مشروع قومي يموَّل ويُدار بمرجعية عربية لإعادة تأهيل ما دمرته الحرب وما ألحقته من خسائر في كافة بناه الاقتصادية والخدمية.
وطريق الحل في ليبيا، هو في إنهاء كل أشكال الوجود الميلشياوي والتشكيلات القبلية والجهوية التي باتت تشكل بوابة لتدخل خارجي إقليمي ودولي، وبما يمكّن من إعادة الأمن والاستقرار إلى كافة الربوع الليبية وإعادة بناء الدولة الوطنية، وتحقيق وحدة المؤسسات السياسية والأمنية والتاسيس لحياة سياسية سليمة تقوم على التعددية والديموقراطية.
ثالثاً : إن القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي التي نظرت إلى جوهر الحراك الشعبي العربي بأنه دليل عافية وصحة وحيوية الجماهيرية العربية، تستحضر هذا الموقف في تقييمها لهذا الحراك الذي انطلق في قطرين عربين هما على قدر من الأهمية في البنيان العربي، وهما السودان والجزائر.
لقد استطاع الحراك الشعبي في هاتين الساحتين، ان يعيد الاعتبار للحراك الشعبي العربي من خلال الديناميكية التي تميز بها والتمسك بسلميته رغم محاولات المنظومة الأمنية المتحكمة، وخاصة في السودان، جرّه إلى ميدان الصدام المسلح .
والقيادة القومية إذ تقدر عالياً ثورة جماهير السودان والتي كان للحزب دور فاعل في إطلاق الحراك الممهد لها وقيادته وضبط إيقاعه وتعزيز خطابه السياسي ضمن تحالف قوى الإجماع الوطني ومن ثم قوى الحرية والتغيير، ترى أن هذه الثورة التي استطاعت أن تسقط حكم الديكتاتورية التي مثلها نظام عمر البشير، بقدر ما هي إنجاز وطني وجماهيري سوداني هي في الوقت نفسه تعبير عن الحيوية النضالية التي تختزنها الأمة العربية ، وهي في السياقات التي حصلت عليها، شكّلت رداً على محاولات فرض التيئيس على الأمة وفرض الهيمنة الدولية والإقليمية عليها عبر المشاريع السياسية والاقتصادية التي تديرها قوى العولمة المتوحشة.
وإذا كانت قوى الثورة في السودان قد استطاعت أن تفرض نفسها رقماً صعباً في المعادلة الداخلية لا يمكن تجاوزها في البحث عن مخرجات للحل السياسي، إلا أن قوى الردة داخل السودان وخارجه لن تتقبل بسهولة حصول تغيير وطني ديموقراطي ينهي دور المنظومات الأمنية ويطلق الحريات السياسية. وبالتالي فإنها سوف تبقى تتربص بالمتغيرات الإيجابية عبر دعم القوى التي تربت في أحشاء النظام السابق لإعادة تمكينها من السلطة، وإجهاض كل النتائج الإيجابية التي أفرزها الحراك الشعبي. وعليه فإن على جماهير السودان وقواه القومية والوطنية والتقدمية والديموقراطية وكل القوى التي أدّت دوراً في تفجير الثورة، وحزبنا في طليعتها، أن تكون يقظة مما يخطط ضد الثورة للحيلولة دون قيام دولة وطنية ذات بعد قومي واضح تكون مدنية ديموقراطية تصان في ظلها الحريات العامة وأن ينحصر دور الجيش والمؤسسات الأمنية بوظيفة حماية الأمن الوطني والقومي وحماية المكتسبات التي تحققت تحت مظلة القرار السياسي المدني المنبثق من الإرادة الشعبية الذي عبَّرت عنها الجماهير التي نزلت إلى الميادين في مظاهراتها المليونية وليكون السودان في طليعة الاقطار العربية التي تبني نهضتها الديمقراطية التنموية على اسس سليمة في الوقت الذي يمارس دوره القومي المأمول في حماية الامن القومي العربي والدفاع عنه كجزء اساسي من امته العربية ضد ما يشهده من مشاريع استعمارية توسعية ببعديها الاقليمي والدولي .
والأمر ذاته بالنسبة للجزائر حيث آن الآوان لدخول البلاد مرحلة التغيير السياسي السلمي الديموقراطي الذي يوفر عناصر المناعة للوحدة الوطنية ويعيد تفعيل دور هذا القطر العربي المهم على المستوى القومي.
رابعاً : إن القيادة القومية للحزب التي حددت مصادر الخطر المهددة للأمن القومي العربي والتي يلخصها التحالف الموضوعي بين قوى الرأسمالية العالمية المتوحشة والصهيونية العنصرية والصفوية الفارسية الشعوبية، لا تعفي الانظمة العربية من مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع من تردٍ وانكشاف.
فهذه الانظمة، المرتهنة لمراكز القرار الدولية والاقليمية التي تامرت على فلسطين ومقاومتها وحاصرتها، تتهافت اليوم على التطبيع مع العدو الصهيوني وتسعى للاستقواء بالقوى الدولية والإقليمية، في الوقت الذي تتعرض فيه للابتزاز السياسي والمالي من قبل من يزعم تقديم خدمات أمنية لها. ولهذا فإن هذا الدعم الذي يتم دفعه لتوفير مظلة حماية غير حقيقية لو تم توجيهه للقوى العربية التي تصدَّت للاحتلال الأميركي في العراق وقاومت المشروع الفارسي فيه، وللثورة الفلسطينية، لما كان الوضع وصل إلى هذا المستوى من التردي ولما كانت القوى الدولية والإقليمية استقوت على الأمة، وتمادت في ابتزازها والاستهانة بها.
وعليه فإن مواجهة الأخطار المحدقة بالأمن القومي العربي توجب أولاً وقف التطبيع مع العدو الصهيوني وتقديم كل الدعم لثورة شعب فلسطين ومناضيلها لتجذير صمود جماهيرها، وتقديم الدعم السياسي والمادي للقوى الوطنية في مواجهتها للتغول الإيراني في العراق، وعندها سيعود الوضع إلى توازنه، وتعود الأمة لتمسك بناصية قرارها، ولا تعود فلسطين لقمة سائغة تقدَّم على طبق “صفقة القرن” الخيانية، ولا يعود المشروع الفارسي يعبث بأمن العراق من شماله إلى جنوبه وامن الوطن العربي من شرقه إلى غربه، ولا يعود الدور التركي يعبث بالشمال السوري ولا تعود الحلول السياسية المزعومة ترسم في ظل توافق أميركي روسي يضع مصالح الكيان الصهيوني فوق كل اعتبار.
خامساً : إن القيادة القومية للحزب اذ تستعرض مصادر الخطر المهددة للامة العربية ومستقبل اجيالها تخلص الى ان هذه التهديدات لا تنحصر في طابعها الامني وحسب وترى في استفحال ظاهرة الفساد الاداري والاقتصادي التي تستنزف الموارد العربية وفي تخلف البنى التحتية الاقتصادية والمجتمعية في الاقطار العربية والعجز المزمن لانظمتها عن مواكبة تطورات العصر وتبني الحلول المجتمعية التي من شانها توفير ابسط حقوق الانسان العربي في الحياة الحرة الكريمة من خلال القضاء على البطالة وتوفير فرص العيش اللائقة ووقف النزف الحاصل في العقول والكفاءات ، ان كل ذلك يشكل المقدمات والعوامل الحقيقية التي افضت الى الانهيارات الامنية التي تشهدها الامة . لذا فان القيادة القومية تدعو الحزب وجماهير الامة العربية إلى تصعيد نضالها للثورة ضد منظومات الفساد الحاكمة وتصعيد النضال نحو بناء مؤسسات حديثة مواكبة لتطورات العصر وحاجاته ، وإنجاز التنمية المستدامة و تحقيق الإصلاح الاقتصادي والعلمي والتربوي والقانوني الكفيل بتحقيق كل ذلك وترصين الجبهات الداخلية ضد الاختلالات الامنية والتداعيات السياسية والعسكرية التي تهدد وجود الامة في الصميم.
إن القيادة القومية للحزب وهي تؤكد على الموقف المبدئي بكل ما يتعلق بالصراع الدائر على أرض هذه الأمة، تدعو قواعد الحزب وجماهيره إلى تصعيد نضالها المقاوم ضد كل احتلال تتعرض له الأرض العربية، في فلسطين والعراق والأحواز والجزر العربية الثلاث في الخليج العربي، وفي غيرها من الأراضي العربية المحتلة، كما تدعو إلى تصعيد نضالها الديموقراطي ضد أنظمة القمع والاستبداد، ولأجل إنجاز التغيير الوطني الديموقراطي في حده الأقصى والإصلاح السياسي في حده الأدنى وإقامة الدولة المدنية والتأكيد على اعتبار الديموقراطية والتعددية السياسية وتداول السلطة من ثوابت الخطاب السياسي للحزب في الساحات التي تتوفر فيها ظروف ومعطيات النضال الديموقراطي.
وفي هذه المناسبة، مناسبة الذكرى الحادية والخمسين لثورة السابع عشر من تموز، توجه القيادة القومية التحية للرفاق مفجري هذه الثورة، من قضى منهم شهيداً ومن توفاه الله ومن ما يزال منخرطاً في العمل النضالي، لما زرعوه في ارض العروبة من تجربة عملاقة سيبقى يخلدها التاريخ بانجازاتها النهضوية الوطنية والقومية المشرقة والتي ستبقى راية خفاقة تتلقفها الاجيال الصاعدة ومنارة تهتدي بها لادامة زخم النهوض الحضاري لامتنا المجيدة.
كما توجه التحية للرفاق في منظمات الحزب في عموم الوطن العربي وهم يخوضون معارك النضال دفاعا عن امتهم العربية وحقوقها المشروعة في الوحدة والتحرر وتحية لهم في لبنان حيث يخوضون نضالاً يومياً ضد نظام المحاصصة والفساد ويدعمون قضايا النضال العربي في كل ساحاته، وتوجه التحية إلى نضال الرفاق في فلسطين المتواصل رغم ظروف الاحتلال والحصار الاقتصادي والضغط الأمني، ونضال الرفاق في الأردن في دفاعهم عن القضايا القومية ومواجهة منظومة الحكم الفاسدة، وللرفاق في البحرين الذين وقفوا موقفاً متميزاً ضد مؤتمر المنامة الخياني وقادوا حملة مناهضة له، وللرفاق في اليمن الذي أعادوا الاعتبار لدورهم في إطار التحالف الوطني لدعم الشرعية ولرفاقنا في تونس الذين يبذلون جهداً متميزاً لتفعيل مؤسسة المؤتمر الشعبي العربي ومقاومة التطبيع مع العدو الصهيوني، وتوجه التحية أيضاً للرفاق في تنظيمات الحزب في ليبيا والجزائر وسائر أقطار المغرب العربي الذين انخرطوا في الحراك الشعبي منذ انطلاقته وأطلقوا موقف حددوا من خلاله ثوابت رؤيتهم للتغيير الوطني ضمن ضوابط الخطاب الوطني ببعده القومي.
والقيادة القومية إذ تشيد وتنوه بدور منظمات الحزب في داخل الوطن العربي وخارجه ، توجه التحية الخاصة للرفاق في قطر العراق، وهم يخوضون اشرس معارك الاجتثاث متعددة الأوجه، وتعتبر أن صمودهم في ظل الظروف هائلة الصعوبة التي يمر بها العراق والدور الذي يؤدونه في تحريك الفعاليات الشعبية ضد مخططات التفريس وفي مواجهة منظومات الفساد هو الذي جعل صمودهم ينعكس صموداً لدى الجماهير في كثير من المدن والقرى العراقية التي باتت تهتف باسمهم كلما ضامها ضيم الاحتلال وعملائه.
وإن القيادة القومية التي واكبت تطورات الوضع في السودان لحظة بلحظة توجه التحية للرفاق في قيادة الحزب وكوادره وكل مناضليه، وتفخر بالدور الذي أدّوه، وتخص بالتحية الرفيق الأمين العام المساعد للحزب أمين سر قيادة قطر السودان المناضل علي الريّح السنهوري ودوره الحيوي في قيادة هذا الحراك.
تحية للأمين العام للحزب القائد الأعلى للجهاد والتحرير الرفيق القائد عزة إبراهيم وهو يواصل حمل راية البعث بكل اقتدار ويقود نضال الامة العربية في هذه المرحلة نحو تحقيق اهدافها المشروعة لتستعيد دورها الحضاري بين الامم ، ويقود العراق نحو التحرير الكامل من براثن الاحتلالين الامريكي والايراني .
تحية للابطال الذين فجروا ثورة السابع عشر من تموز، من رحل منهم إلى ربه ومن يواصل مسيرة الثورة والمقاومة
تحية لشهداء الحزب والأمة وعلى رأسهم شهيد الحج الأكبر الرفيق القائد صدام حسين
تحية للعراق ومقاومته الباسلة ، ولفلسطين وثورتها والأحواز وانتفاضتها المتواصلة،
والحرية للأسرى والمعتقلين.
القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي
أواخر تموز ٢٠١٩