بيان القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي فــي الـذكـرى الثـانيـة والسبعيـن لتـأسيـس الحـزب

بيان فــي الـذكـرى الثـانيـة والسبعيـن لتـأسيـس حزب البعث العربي الاشتراكي

 

يا جماهير أمتنا العربية، أيها المناضلون على مساحة الوطن العربي الكبير

تحل الذكرى الثانية والسبعون لتأسيس حزبنا العظيم، حزب البعث العربي الاشتراكي، والأمة العربية تنخرط في صراع حضاري انساني في مواجهة الاطماع الاجنبية وقوى التخلف والتطرف. أنه نضال ضد الامبريالية واوجه الاستعمار الجديد والصهيونية والشعوبية ، وضد نظم الاستبداد والرجعية وتيارات التكفير الديني والمذهبي، التي تستهدف خلق حقائق مفروضة لإعادة صياغة الواقع السياسي والبنية المجتمعية، على قاعدة تقسيم المقسم لتكريس الهويات الدينية والمذهبية والعرقية على حساب الهوية الوطنية والقومية الجامعة.

لقد تبوأ حزب البعث العربي الاشراكي ومنذ تأسيسه ، طليعة النضال والكفاح العربي على أرض فلسطين عبر الانخراط في مقاومة الاحتلال واغتصاب حقوق الشعب العربي فيها. كما لعبت المقاومة العراقية بكل أشكالها دورا قيادياً وحيوياً لمواجهة الاحتلال الأميركي والبريطاني للعراق وبما ينسجم مع القانون الدولي وارادة الشعوب في التحرر والاستقلال والسيادة، فجسد بذلك جوهر الكفاح العربي لمواجهة الاحتلال و الظلم والاستبداد والأنظمة الامنية التي فرضت اشكال مختلفة للعبودية في السودان وليبيا والجزائر وتونس وسوريا ولبنان، ولمواجهة الدور الخطير للنظام الإيراني الفاشي في تغذية الصراعات الطائفية في اليمن ولبنان والعراق وبما يعمق التخلف والجهل والامية وينشر الحروب الدموية تحقيقاً لاهداف نظرية ولاية الفقيه المبنية على التدخل في الشؤون السيادية للدول وانتهاك ميثاق الأمم المتحدة.

وإذا كانت مسيرة الحزب على مدى العقود السابقة قد عبرت محطات نضالية عديدة إلا أن تجربة البعث في العراق شكلت النموذج الثوري الذي استجاب بإنجازاته لتطلعات الجماهير في توقها نحو التقدم والتحرر وإنهاء كل أشكال الاستلاب القومي والاجتماعي. وإذا اشتد التآمر عليه من الداخل والخارج،فلأن البعث نجح في الربط بين المبادئ النظرية للقومية العربية والتطبيق في السياسة الخارجية والداخلية للعراق بعد ثورة ١٧-٣٠ تموز ١٩٦٨م، بوصفه نموذجاً لقاعدة التحرر والتقدم والازدهار الاقتصادي، وكرس استراتيجية شاملة للتكامل والتنسيق بين الفعل الوطني والقومي والبعد الإنساني العالمي من خلال حركة عدم الانحياز لتوسيع إطار تكامل كفاح شعوب العالم الثالث من اجل الحرية والاستقلال والتنمية الشاملة والمستدامة والعمل لضمان حقوق الأقليات القومية الثقافية والسياسية عبر تشريعات قانونية وسياسات وطنية، كما عبر عن ذلك بيان 11 آذار لعام ١٩٧٠ وقانون الحكم الذاتي للاكراد و تطور النظام السياسي نحو اللامركزية في الحكم ، ووضع شعار بترول العرب للعرب موضع التنفيذ في قرار الـتأميم التاريخي الذي استفز الأبعدين الأقربين مما دفعهم لأن يأتلفوا في حلف غير مقدس لشن العدوان التي تتالت جولاته انتهاءً بالغزو والاحتلال 2003 .

يا جماهير أمتنا العربية،

أيها المناضلون العرب في كل مكان

لقد تعرض حزب البعث العربي الاشتراكي لمختلف أشكال الضغوط والعدوان من الداخل والخارج لكنه بقي عصياً على الاجتثاث والاحتواء والتطويع، وتهاوت كل محاولات تهميش دوره الوطني والقومي من الحياة السياسية والديمقراطية في الاقطار العربية، وهذا ليس لأنه يغطي بانتشاره التنظيمي ساحة الوطن العربي الكبير من المحيط إلى الخليج وحسب، بل لأنه يجسد في بنيته وثقافته الفكرية وأهدافه القومية في الوحدة والتحرر والبناء الاشتراكي والديمقراطي التي يحملها ،شرعية ديمقراطية وسياسية، وشرعية فكرية لكونه المعبر الحقيقي عن أهداف الجماهير العربية وطموحاتها في التحرر والتقدم.

أيها الرفاق المناضلون في الوطن العربي الكبير

اليوم ومع ازدياد ضبابية المواقف حيال قضايا الامة المصيرية ، فان القيادة القومية ترى إن وضوح الموقف العربي بات مطلوباً اليوم وأكثر من أي وقت مضى من اجل مواجهة المتغيرات الإقليمية والدولية، وارتفاع وتيرة العداء للأمة من القوى التي تستهدف الاستحواذ والهيمنة على الشعب والثروات العربية، بدعم مطلق من الولايات المتحدة الأميركية التي فتحت باباً واسعاً للتغول الايراني في العراق والعمق العربي و اعترفت بالقدس “عاصمة لإسرائيل” وبالسيادة الإسرائيلية على الجولان السوري المحتل، وبما يتناقض مع قرارات الشرعية الدولية لمجلس الامن الدولي ذات الصلة بقضية فلسطين منذ عام ١٩٤٨م وحتى اليوم .وإذا كانت قرارات الإدارة الامريكية قد قوبلت بالاستنكار والرفض من مجلس الامن الدولي والدول الكبرى والاتحاد الأوروبي، فإن على الأمة العربية التحرك السريع للضغط على الإدارة الامريكية لفرض التراجع عن مواقفها بما يوفر فرصة حقيقية لاستعادة الشعب العربي في فلسطين حقوقه الشرعية، وعدم القبول بصفقة القرن التي تستهدف تصفية القضية الفلسطينية وإقامة ما يسمى بمشروع ” الشرق الأوسط الجديد ” بما يضمن استمرار التفوق والهيمنة الصهيونية على المنطقة، عسكرياً واقتصاديا وتكنولوجياً، بعد تدمير العراق وسوريا وتحييد الدور المصري وخروج ليبيا من المعادلة وانشغال الجزائر وتونس والسودان ولبنان وسائر أقطار الأمة في الهموم الداخلية.

وفي السياق ذاته تدعو القيادة القومية القوة الحية في الأمة لاتخاذ موقف متصدٍ للتداعيات السلبية التي يعاني منها الوطن العربي بفعل السياسيات الكارثية للنظام الرسمي العربي والتي ادت إلى اتساع مساحات الجهل والتخلف والفقر والأمراض والحروب وتشريد الملايين وتدمير المدن العربية من أجل إحداث التغييرات الديمغرافية الخطيرة.

كما أن وضوح الموقف مطلوب أيضاً حيال الخطر القادم من الشرق الإقليمي الذي يمثله النظام الإيراني فاضافة لما تقدم من تهديدات خطيرة للامن والاستقرار، فان التغول الإيراني لدولة ولاية الفقيه آخذ في الاتساع بفعل الحروب والفراغ الكبير في البلدان العربية، مما يبلور صراع وجودي بطبيعته واستهدافاته الأساسية ولا يحتمل حلولاً وسطاً، فالمطلوب اليوم تعزيز العمل العربي لمواجهة الخطر القادم من طهران وما بات يمثله دور النظام الإيراني التدميري والتدخل التركي السياسي والعسكري في الشؤون العربية من خطر على الأمن القومي العربي، بعدما استفادا من الانكشاف القومي باحتلال العراق وانتشار شبكات الفساد المالي والإداري والسياسي ونشر المليشيات المتطرفة المذهبية في العراق وسوريا ولبنان واليمن وأفغانستان وارتباطها بالبنوك السوداء في ايران مما وسع من الفقر والبؤس والتخلف والبطالة، وهذا مايؤكد على الفشل الذريع للنموذج الاسلاموي الفاشي لنظام ولاية الفقيه، وحتمية النهوض للانتصار لقيم الحرية والديمقراطية بين الشعوب.

إن القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي التي تؤكد على أن الصراع العربي – الصهيوني هو صراع وجودي ومركزي للامة ، ترى أن قضية العراق بما هي قضية تحرير وتوحيد باتت أيضاً قضية مركزية للأمة بالنظر للخطر الذي يشكله التغول الإيراني على وحدة العراق والامة العربية أرضاً وشعباً ومؤسسات وعليه يجب التأسيس لإطلاق الموقف الذي يستجيب والحاجة العربية لحماية الأمن القومي العربي .

أيها الرفاق المناضلون في الوطن العربي الكبير

إن القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي وفي هذه المناسبة المجيدة تعيد التأكيد بأن النضال الوحدوي بقدر ما هو مطلوب ضد واقع التجزئة فإنه مطلوب أيضاً على مستوى فعاليات النضال التحريري ضد قوى الاغتصاب والاحتلال، وضد قوى الاستبداد و التخريب والتدمير للبنى المجتمعية لأن الحزب الذي يعتبر أن الوحدة هي مبرر وجود الأمة يعتبر أيضاً أن الحرية هي إكسير الحياة للجماهير وهذه الحرية ليست شيئاً شكليلاً في حياة الأمة كما يقول القائد المؤسس الأستاذ ميشيل عفلق بل هي الوسيلة التي تؤكد الأمة من خلالها أنها أمة حية تنبض بالحياة وتستحق العيش بحرية وكرامة.

ونظراً لأهمية الحرية في فكر الحزب، كان مناضلو البعث وما زالوا في مقدمه الصفوف وهم يقودون حراك الجماهير بوسائط التعبيرات الديموقراطية وسيبقى دائماً حيث تكون الجماهير، في نضالها الوحدوي والتحرري.

إن البعث الذي كان له شرف الريادة بإنجاز أول وحدة في التاريخ العربي المعاصر وتحديد مركزية القضية الفلسطينية من قضايا النضال العربي، واستطاع جعل العراق في ظل حكمه الوطني سداً منيعاً في مواجهة المشروع الفارسي الشعوبي ودعمه قضايا النضال العربي، واطلق مقاومة ضد الاحتلال المتعدد الجنسية ،ها هم اليوم مناضلوه يدعون للديموقراطية والتغيير الوطني ضد نظم الاستبداد كما دعوا للوحدة والمقاومة والتحرير.

إن الحراك الشعبي العربي الذي انطلق لثماني سنوات، وتعرض في بعض ساحاته لمصادرة شعاراته تارة واختراقه تارة أخرى وفرض العسكرة عليه من موقع رد الفعل، استعاد اليوم حيويته، وأعاد الاعتبار للشارع العربي في مواجهة أنظمة الاستبداد والفساد والمحاصصة والارتهان للخارج الدولي والإقليمي.

إن القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي التي واكبت وتواكب الحراك الشعبي في السودان ودور الحزب المحوري فيه، تكبر في هذا الحراك قدرته على الاستمرارية والحرص على سلميته رغم كل إجراءات القمع السلطوي وإعلان حالة الطوارئ، وتخص بالتقدير الرفاق في قيادة الحزب وكل كوادره ومناضليه بانخراطهم بهذا الحراك بكل إمكاناتهم ومواجهتهم تعسف السلطة التي لم تنل من عزيمة المناضلين ولم تفت من عضدهم رغم اعتقال عشرات الرفاق وعلى رأسهم الرفيق المناضل الأمين العام المساعد للحزب أمين سر القيادة القطرية بحيث إن الدور الذي قام ويقوم به الحزب في قيادة الحراك وتصويبه في اتجاه تحقيق أهدافه التي انطلق لأجلها، هو وسام تقدير يعلق على صدور البعثيين في السودان كما على مستوى الساحة القومية،

أيها الرفاق المناضلون في الوطن العربي الكبير

إن الحراك الشعبي في السودان ودور الحزب المحوري فيه، وحراك جماهير الجزائر والتحرك الشعبي في لبنان والأردن وفلسطين المحتلة وتونس وفي كل ساحة أفسح فيه المجال لحراك شعبي لم يحاصر القوى السلطوية وحسب، بل أعاد الاعتبار لدور الجماهير في أحداث الاختراق السياسي لمصلحة الطبقات الشعبية التي صودرت حرياتها الديموقراطية، ولهذا فإن القيادة القومية تدعو البعثيين في كل ساحات نضالهم إلى إعادة المركزية لشعار الحرية والديموقراطية في خطابهم السياسي ونضالهم الجماهيري كما مركزية الوحدة. فإذا كانت الوحدة تصهر الإمكانات في بوتقة واحدة فإن الحرية تطلق طاقات الجماهير وتعيد لها دورها في تحديد خياراتها السياسية.

على هذا الأساس، فإنه على البعثيين إعادة التأكيد على ترتيب مضمون خطابهم السياسي على قاعدة التكامل والتفاعل بين سياقات النضال الوحدوي والتحرري وقضايا الحرية والديموقراطية والتقدم الاجتماعي كي يبقى خطاب الحزب دائماً في موضع المحاكاة لأهداف الأمة، و متمسكاً شعارات نعم لتحرير فلسطين كل فلسطين، ولا لكل الحلول الاستسلامية وصفقات التصفية للقضية الفلسطينية.ونعم لدحر المشروع الفارسي الشعوبي بكل تعبيراته وأذرعه السياسية والأمنية والعسكرية ولا لكل ترويج وتسويق له تحت العنوان المخادع، عنوان “المقاومة والممانعة” .لا للتطبيع مع العدو الصهيوني ونعم لاستعادة القرار العربي في حل الأزمات العربية ولا لكل أشكال التدخل والعدوان الدولي والإقليمي في الشؤون العربية من الدور الأميركي إلى الدور الروسي، ومن التغول الإيراني في شرق الوطن إلى الدور التركي من شماله وعليه يجب إطلاق لا قوية لوجود القواعد العسكرية والأمنية الأجنبية على الأرض العربية.

إن الحزب الذي يستحضر كل عناوين القضية القومية في صلب خطابه السياسي، ليس غريباً عليه أن يستحضر القضية الديموقراطية، قضية إقامة الدولة المدنية العلمانية، قضية احترام حقوق الإنسان، وقضية تداول السلطة وتحقيق الإصلاحات الجدية في بنية النظم على قواعد الحوكمة وإسقاط منظومات الفساد وقبل كل شيء إسقاط حكم الدولة الأمنية وإقامة دولة المواطنة والحريات العامة.

إن القيادة القومية للحزب وفي هذه المناسبة المجيدة، وهي تؤكد على موقفها الداعي إلى إنتاج الحلول السياسية للأزمات البنيوية التي عصفت ببعض الساحات العربية وخاصة في سوريا واليمن وليبيا، فإن هذه الحلول يجب أن لا تكون ضمن سياقات إعادة إنتاج النظم الحاكمة لنفسها وهي التي تتحمل المسؤولية الأساسية في ما آلت إليه أوضاع الأقطار المتفجرة، بل انتاج الحلول التي تعيد هيكلة الحياة السياسية على قواعد التعددية والديموقراطية وتداول السلطة وإنهاء دور المنظومات الأمنية ومنظومات الفساد السياسي والاقتصادي، وهذا يتطلب توحيد رؤية قوى الاعتراض السياسي لأجل التغيير الوطني الديموقراطي.

في هذه المناسبة العزيزة على قلوب البعثيين، تحية لكل مناضلي الحزب في كل ساحات نضالهم، في فلسطين والعراق والسودان ولبنان والأردن والجزائر واليمن والبحرين وأرتيريا وأقطار المغرب العربي والخليج العربي، وعهد قيادة الحزب بهم أنهم كانوا وسيبقون أوفياء لمبادئ حزبهم وأهدافه وقيمه وإعرافه النضالية.

تحية للقائد المؤسس الرفيق أحمد ميشيل عفلق ولكل الرفاق الذين شاركوا في انطلاقة البعث والذي نحي هذه الأيام الذكرى الثانية والسبعون لتأسيسه، وتحية للشهيد الأمين العام للحزب الرفيق القائد صدام حسين، ولكل الرفاق القيادين الذين بقوا على عهدهم النضالي حتى الرمق الأخير من حياتهم.

تحية للأمين العام للحزب والقائد الأعلى للجهاد والتحرير الرفيق عزة إبراهيم على رأس مسيرة الحزب والمقاومة

تحية للأمين العام المساعد للحزب الرفيق المناضل علي الريح السنهوري والحرية للرفاق في قيادة قطر السودان وكوادر الحزب ومناضليه المعتقلين،

المجد والخلود لشهداء الأمة الأكرم منا جميعاً والحرية للأسرى والمعتقلين،

عهداً أن تستمر مسيرة حزبنا لأجل تحقيق أهداف أمتنا في الوحدة والحرية والاشتراكية

 

القيادة القومية

لحزب البعث العربي الاشتراكي

Author: nasser