العُدْوَان عَلى سُورْيَا بِزَعْمِ حِمَايَةِ الدُّرُوز وَمَنْعِ المُسَاعَدَات الإِنسَانِيَّة لِغَزَّة اسْتِمْرَارٌ لِلنَّهْجِ الْوَحْشِيِّ
احمد ابو داود
ان الوضع الكارثي للاخوة الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية قد تفاقم بمقترح ويتكوف القاضي باستمرار تمديد وقفة إطلاق النار 50 يوما، اي لما بعد شهر رمضان المبارك وما بعد عيد الفصح اليهودي، وبما ينسجم مع تصريحات رئيس وزراء حكومة الكيان الصهيوني بدون وجود أي مبرر، مما يعني: تعطيل تبادل الاسرى والمحتجزين بين الكيان وحماس.
إن تفاقم الوضع الانساني للسكان الصامدين في غزة البطلة يحتم ضرورة الاستمرار بوقف اطلاق النار وتبادل الاسرى بين الطرفين، ويحتم ضرورة إيجاد حل لهذه المشكلة من اجل الانتهاء من هذا الملف، للذهاب إلى ملف جوهري آخر يتعلق بإعادة أعمار غزة لعودة الحياة الطبيعية والاجتماعية تدريجيا للقطاع ولكي يتمتع شعبنا العربي في فلسطين الحبيبة ولو بجزء من حقوقه المشروعة التي يفترض ان يتمتع بها كاملة في إطار مبادئ حقوق الإنسان وحقه في تقرير المصير.
لهذا السبب يجب مواجهة مختلف العقبات التي توضع أمام الهدنة والإجراءات الخاصة بتبادل الأسرى والعمل على تقديم الدعم الانساني لشعبنا الفلسطيني الصامد، لمعالجة المشاكل الكبرى على صعيد النقص الحاد في الغذاء والأدوية ولقاحات الأطفال وغيرها كما على صعيد المدارس والمستشفيات وامدادات المياه والكهرباء والبنية التحتية الاقتصادية في غزة. ان كل هذه المشاكل والتحديات الكبرى التي تواجهها القضية الفلسطينية وخاصة في غزة قد تضاعفت بصورة خطيرة بوجود اكثر من 160,000 ضحية من القتلى والمفقودين الذين ما زالوا تحت الأنقاض اضافة الى المعوقين. مع وجود 90% – 95% من الدمار الشامل للبنية التحتية المدنية في غزة، كل هذا يشكل تحديات خطيرة تتطلب التدخل الإقليمي والدولي لإيجاد حلول جذرية تضمن حقوق شعبنا الصامد في غزة والضفة الغربية.
إن استمرار موقف حكومة الكيان الصهيوني بالضغط والتصعيد وبإصدار قرارات تعسفية لوقف إدخال المساعدات الإنسانية والغذائية بشكل نهائي إلى قطاع غزة حتى توافق حماس على تمديد المرحلة الأولى من الهدنة، يشكل تهديداً خطيراً للحياة ولكل القيم الإنسانية، مما يتطلب بذل جهود استثنائية لدعم صمود وثبات الإنسان الفلسطيني الذي تعرض لدمار وحشي فاق كل التصورات، كما لو ان غزة قد قصفت بقنبلة نووية تكتيكية.
إن ما حصل من دمار في غزة يشكل كارثة اجتماعية على صعيد البنية التحتية للقطاع مما يعني: ان الكيان الصهيوني لا يفكر بالجوانب الإنسانية لشعب غزة كما يدّعي ويزعم، ولا باحترام القضايا والطقوس الدينية للمسلمين في غزة، وبالتالي لن تؤدي هذه الضغوط إلى إيجاد حلول جدية للمشكلات الكبرى، اذ لابد من العودة الى قرارات الأمم المتحدة والقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان وغيرها من المواثق والاتفاقيات الدولية لوضع حلول حاسمة لمعالجة الوضع الانساني في فلسطين .
لكن وكما هو متوقع تستمر حكومة الكيان الصهيوني باتباع منهج قانون القوة بعد كل ما احدثته من دمار وكوارث. إذ نواجه اليوم استمرار منطق قانون القوة وليس منطق قوة القانون والأخلاق واحترام مبادئ حقوق الإنسان الفلسطيني، ولا وضع اي اعتبار لإرادة المجتمع الدولي الرسمي والشعبي الذي يقف مع حقوق شعبنا في فلسطين في جميع انحاء العالم.
وكما هو معلن ومتوقع فان سيطرة اليمين المتطرف على سياسات الكيان الصهيوني في هذه المرحلة و تبنيه المطلق لاستراتيجية قانون القوة المفرطة (الحرب) هو ابعد ما يكون عن تبني منهج قوة القانون، بمعنى قوة النظام في العلاقات بين الدول والشعوب وضمان العلاقات الدولية المبنية على مبادئ أخلاقية وليس مبادئ الحرب والموت والعنف والدمار.
ولقد بلغ تمادي التيارات المتطرفة في الحركة الصهيونية انها بدأت تعلن عن مخططاتها الصريحة والعلنية ورغبتها بطرد السكان الفلسطينيين الأصليين من غزة ومن الضفة الغربية ومن القدس ( وهذا كجزء من تحقيق ما يسمى باسرائيل الكبرى) .
وليس هذا وحسب فاليوم تهدد التصريحات “الاسرائيلية” سيادة سوريا والحكومة الجديدة فيها وتقوم بالتوسع في داخل الأراضي السورية، وهذا ما يمثل انتهاكاً خطيراً لميثاق الأمم المتحدة ولمعاهدة عدم الاعتداء الموقعة بين سوريا و الكيان الصهيوني عام 1974م.
ومن المعروف ان الحركة الصهيونية تضم العديد من التيارات والاحزاب كالتيارات الاشتراكية والتيارات اليمينية واليمينية الدينية المتطرفة الموجودة اليوم في قمة السلطة في حكومة الكيان. وهذه الاخيرة تُعد الأكثر تطرفا في تاريخ “إسرائيل” منذ عام 1948 لليوم. والمعروف ان هذه التيارات المتطرفة لا تؤمن بالقواعد المرعية في العلاقات الدولية والدبلوماسية وفي السياسة الدولية ، لأنها تتبنى منهجاً مختلفاً تماماً يتمثل بالمنهج الديني التوراتي، و تلجأ لتحريف النصوص أو التمسك بتأويلات مُحَّرَفة للنصوص التوراتية، بما يتيح تبني استراتيجية استمرار احتلال فلسطين، والتوسع في محور داود في جنوب سورية، وحتى نهر الفرات، وباتجاه الجنوب اللبناني، والجولان.
كما كشفت مؤخراً التصريحات “الإسرائيلية” التي تتعلق بحماية الدروز (اللذين هم جزء لا يتجزأ من المواطنين السوريين)، عن انتهاكٍ صارخٍ للسيادة السورية. ومن حيث المبدأ لا يجوز لدولة ان تذهب لحماية قومية أخرى أو دين آخر أو مذهب آخر في بلد ذو سيادة تحت أية ذريعة كانت.
وفي الواقع يشكل الدروز جزءاً حيوياً من الخارطة السياسية والجغرافية للجمهورية السورية، ولا يحق للكيان الصهيوني التدخل لتغييرها تحت اية ذريعة كانت كما لا يحق له القيام بتغير الخرائط السياسية والاجتماعية في الضفة الغربية والتدخل في شؤون المواطنين الفلسطينيين وحقوقهم المشروعة في غزة.
بناء على ماتقدم، لا يحق لإسرائيل أن تفرض تأويلات توراتية على الدول العربية في الوطن العربي، لأنها بذلك واضافة الى النهج العدواني المتوحش الذي تنهجه، فانها ترتكب خطأ أخلاقياً فادحاً بتطبيق مناهج متطرفة توراتية على مجتمعات اسلامية، وان كان ذلك ليس غريباً عن ممارساتها منذ اغتصاب فلسطين الى اليوم.
فنشر الكيان الصهيوني لثقافة التطرف الديني انما يشجع التيارات المتطرفة الدينية الاخرى كالقاعدة ودولة الخلافة الاسلامية وولاية الفقيه وغيرها من التيارات المتشددة. لأن التطرف الصهيوني الديني يؤسس لانتشار التطرف الديني بكل انواعه ، مما يبرر استخدام التأويلات الدينية لشرعنة القتل وارتكاب جرائم ضد الانسانية من شأنها ان تشكل انتهاكاً فاضحاً للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة و يؤدي إلى تعميق التوتر والأزمات والحروب في العلاقات الدولية وتهديد الأمن والاستقرار مما يعني استمرار العنف وحروب الإبادة الجماعية سواء تجاه شعبنا في فلسطين اوالتوسع الإسرائيلي الخطير في الأراضي العربية، او تهديد الوحدة الوطنية داخل الاقطار العربية ذاتها وتعريضها الى الحروب الداخلية والتناحر والتفتيت المجتمعي والذي لن يكون في مصلحة بناء الأمن والاستقرار الوطني والقومي .