طليعة لبنان:
وقف إطلاق النار يبقى مفخخاً بالملحق الأميركي الاسرائيلي
ومواجهة التحديات الماثلة تفرض تحصين الجبهة الداخلية
اعتبرت القيادة القطرية لحزب طليعة لبنان العربي الاشتراكي، أن وقف إطلاق النار على جبهة الحرب مع العدو الصهيوني هو اتفاق مفخخ بالملحق الأميركي الاسرائيلي ومواجهة التحديات الماثلة تتطلب تحصين الجبهة الداخلية بدءاً بإطلاق ورشة إعادة بناء الدولة.
جاء ذلك في بيان للقيادة القطرية فيما يلي نصه:
بعد ما يزيد عن شهرين من الحرب المفتوحة مع العدو الصهيوني، وأكثر من سنة على المواجهات التي كانت تدور تحت عنوان ما يسمى بقواعد الاشتباك، تم التوصل إلى وقف لإطلاق النار يمتد لشهرين بوساطة أميركية أسفرت عن سقوط ما يقارب ٤٠٠٠ شهيداً وأضعافاً مضاعفة من الجرحى فضلاً عن التدمير الهائل في المرافق الاقتصادية والأحياء السكنية والتي لم يشهد لبنان مثيلاً لها في كل جولات الحروب والمواجهات مع العدو الصهيوني منذ اغتصاب فلسطين وحتى الآن.
إن وقف إطلاق النار، لا يعني أن الحرب قد انتهت، وأن الأمور ستعود إلى مسارها الطبيعي لجهة استئناف دورة الحياة العادية، بل هو مجرد اجراء تقني، يعتبر مقدمة لإطلاق آلية تنفيذية لما تم التوافق عليه بين لبنان والكيان الصهيوني برعاية أميركية، وهو في أحسن حالاته سيقتصر على ترتيبات أمنية ستبقى عرضة للانتكاس عند أي اختلال في نصابه وهو ما نص عليه الاتفاق في مندرجات بنوده الثلاثة عشر.
وإذا كان وقف إطلاق النار يشكل فرصة لالتقاط الأنفاس وأولها الضغط الناجم عن تداعيات النزوح، فإن طبيعة الصراع الوجودي مع المشروع الصهيوني تدفع للقول بأن المواجهة الأخيرة مع العدو الصهيوني ليست سوى جولة من مسار الصراع الطويل مع العدو الصهيوني طالما بقي الاحتلال قائماً لفلسطين، وطالما بقي النزوع التوسعي يستبطن العقل الصهيوني لأجل فرض الهيمنة والسيطرة على المنطقة وهو الذي بات يجاهر فيه بأنه سيعيد رسم خارطة الشرق الأوسط وفق مقتضيات أهدافه وأبعاده.
إن هذه الحرب ورغم الخسائر البشرية والمادية التي مني بها لبنان، ورغم الانخراط بها في ظل انقسام سياسي لبنان داخلي حول مبرراتها، إلا أنها أعادت إنتاج وعي وطني على البعد الخطير للمشروع الصهيوني لما ينطوي عليه من تهديدٍ لكل البنية الوطنية اللبنانية وكما ظهر جلياً من خلال الاستهداف الشامل للعدوان الذي لم يوفر منطقة إلا وطالها بالقصف التدميري وعدم اقتصاره على ما يعتبره العدو مواقع ومراكز وعناصر ذات صلة بالجهود العسكرية للطرف المنخرط مباشرة في سياق المواجهات الميدانية.
وعليه فإن القيادة القطرية وفي ظل القراءات المختلفة التي ستتناول مشروع الاتفاق الذي بدأ التأسيس له بإعلان وقف إطلاق النار تؤكد ما يلي:
أولاً: إن وقف إطلاق النار ومن ثم إطلاق آليةٍ عمليةٍ لتنفيذ ما تم التوافق عليه، هو اتفاق مفخخ بوثيقة التفاهم الأميركي الاسرائيلي الملحقة به، وهي التي تعطي للعدو حرية التحرك لما يعتبره من وجهة نظره تهديداً لأمنه وبالتالي فإن العودة للمواجهة تبقى قائمة. وهذا ما يملي تحصين الجبهة الداخلية انطلاقاً من إعادة بناء الدولة وتشكيل مؤسساتها وفق الآليات الدستورية وإعادة الاعتبار لوظيفة الدولة الحمائية والرعائية وفرض سيادتها على كامل التراب الوطني.
ثانياً: إن إعادة إنتاج الوعي الوطني وتصويبه على إدراك بُعْدِ الخطر الصهيوني، يملي بلورة هذا الوعي في إطار خطاب وطني جامع يقضي بإسقاط منطق التخوين المتبادل واحلال منطق الاعتراف الوطني المتبادل، انطلاقاً من هذا الوعي الوطني الذي يرى في الخطر الصهيوني خطراً على الكل الوطني اللبناني كما على الكل القومي العربي. وعلى أساس هذا الوعي الجديد المتشكل ، يجب أن يكون الجميع شريكاً في اتخاذ قرار الحرب والمشاركة في سياقاتها كما في تلقي نتائجها ، وهذا لا تستطيعه إلا الدولة التي تفرض على كل متعاطٍ في الشأن السياسي أن يدخل في مشروعها ويكون جزءاً من آليات عملها في مواجهة الأخطار التي تهدد الأمن الوطني وعلى رأسها الخطر الصهيوني ومنشداً إلى وطنيته على حساب أي انشداد لولاءات إقليمية ودولية تريد توظيف ساحة لبنان لإدارة مشاريعها التي تخدم مصالحها وأهدافها الخاصة، كما بنائها السياسي وفق أحكام الدستور والقوانين النافذة. وهذا ما يجعل من الدخول في ورشة إعادة بناء الدولة انطلاقاً من خلفية الوعي الوطني المتشكل عامل توحد وطني، لا عامل انقسام في مواجهة كل خطر يهدّد الأمن الوطني والمجتمعي أياً كانت مصادره وأطرافه. وإذا كانت القراءات للنتائج التي تمخضت عن سياقات المواجهة ستختلف باستنتاجاتها، فإن هذه الاختلافات يجب ألا تكون سبباً لانقسام عامودي جديد بين اللبنانيين، بل يجب أن تدار على أرضية موقف وطني ينطلق من ضرورة تقييم المسار العام الذي سبق اللحظة الراهنة بموضوعية، لأجل تجاوز السلبيات والأخطاء المرتكبة من هذا الفريق أو ذاك والبناء على الإيجابيات، وكله تحت سقف الولاء الوطني الذي يتقدم على أي ولاء آخر.
ثالثاً: وتبقى مسألة لا بد من الوقوف عندها تبرز دائماً، إذ كل الحالات التي تنتج عنها اتفاقيات يعتقد كل فريق معني به بأن الاتفاق انطوى على نصر له، علماً أن معطيات الوقائع قد لا تكون متماهية مع هذا الانطباع. والموضوعية تفضي للقول، إن العدو وإن استطاع أن يدرج بعضاً من شروطه في متن الاتفاق ، خاصة وأن الوسيط الأميركي ليس وسيطاً نزيهاً وأن موازين القوى العسكرية هي في مصلحته ، إلا أن مقاومته على مدى شهرين ونيف على أرض الجنوب واغراقه بالصليات الصاروخية في عمق كيانه وعدم إدراج ما يسميه منطقة عازلة على طول الشريط الحدودي هي نقاط إيجابية تسجل لقوى الفعل المقاوم وتثبت أن إرادة المقاومة والصمود متجذرة في شعبنا سواء تلك التي عبرت فعاليات المقاومة في غزة أو التي جرت على جبهة لبنان، وهذه الإرادة ليست وليدة المرحلة الحالية بل هي عميقة التكوين في الجينات الوطنية وتفصح عن نفسها في كل مرة تتهيأ لها ظروف موضوعية.
وعليه فإن اُعْتبِر الحاصل نصراً فهو لكل لبنان، وحتى لا يستقوي من يعتبر نفسه منتصراً على المعطى السياسي الداخلي تحاشياً للوقوع في فخ التجربة التي وسمت المرحلة التي أعقبت حرب تموز ٢٠٠٦، وإذا اعتبر الحاصل انكساراً فهذا يفرض أن يكون عبؤه على الكل الوطني بكل طيفه السياسي، وحتى لا يتم الاستقواء على من اتخذ قرار الحرب وانخرط في سياقاتها وقدم الكثير فيها.
وتبقى حقيقة لا بد من التأكيد عليها دائماً وهي أن المواجهة على جبهتي غزة ولبنان، أعادت الافصاح عن الحقيقة الكامنة في جماهير أمتنا، وهي أنها مع المقاومة ضد العدو الصهيوني وإن تباينت رؤاها السياسية والخلفية العقائدية مع الأطراف المنخرطة في سياقاتها العملانية. وهذا واقع يجب استحضاره دائماً لدى مقاربة جولات الصراع مع العدو الصهيوني، باعتبار أن هذا الصراع هو على الوجود ويتقدم في أولوياته على أي صراع آخر بين أطراف يجمعها العداء للمشروع الصهيوني ويفرقها وللأسف الصراع على السلطة ومواقع القرار فيها.
رابعاً: وأخيراً، فإن الوحدة الوطنية بقدر ما كانت ضرورة ملحة لمواجهة التحديات الناجمة عن العدوان ونتائجها الآنية في شقها الميداني، فإنها ضرورة أكثر الحاحاً لتلقي نتائج ما بعد العدوان في شقيه الاقتصادي والاجتماعي وخاصة جانب إعادة الإعمار وحتى لا تتحول نتائج العدوان قنبلة داخلية موقوتة إذا لم يتم تدارك الأمور والسعي لتأمين تمويل لمشروع إعادة الاعمار والتأهيل الاقتصادي والذي لن يستقيم إلا بإعادة تصويب وإعادة الاعتبار لموقع لبنان في خارطة انتمائه القومي لأمته العربية.
إن القيادة القطرية لحزب طليعة لبنان العربي الاشتراكي التي توجه التحية للشهداء الذين سقطوا في المواجهة مع العدو الصهيوني، سواء كانوا في الخنادق أو في تلقي نتائج العدوان من فلسطين إلى لبنان، ترى في هؤلاء الشهداء، شهداء للأمة العربية في مواجهة العدو القومي للأمة، وترفض تجيير هذه التضحيات لخدمة مشاريع قوى إقليمية ودولية ثبت بالحس والملموس أنها تستثمر بالقضية الفلسطينية كما بدماء شعبي لبنان وفلسطين من أجل أجندة أهدافها الخاصة وتحسين شروطها مع ما تسميه الشيطان الأكبر والشيطان الأصغر.
القيادة القطرية لحزب طليعة لبنان العربي الاشتراكي.
في ٢٠٢٤/١١/٢٧