التطبيع مع نظام ولاية الفقيه وجه من وجوه المخاطر الوجودية على الأمة العربية

التطبيع مع نظام ولاية الفقيه

وجه من وجوه المخاطر الوجودية على الأمة العربية

حسن خليل غريب

 

من السائد في مصادر الثقافة السياسية العربية الاعتقاد بأن التطبيع مع العدو الصهيوني هو الوجه الوحيد من أوجه الخطورة على الأمة العربية، ولكن لو قمنا بالتحري عن عواملها، لتمكنا أن نكتشف بأن هناك أوجهاً أخرى لتلك المخاطر. فما هي العوامل التي نستند إليها لتعريف مخاطر التطبيع مع العدو الصهيوني؟

 

1-   العدو الصهيوني شريك أساس للاستعمار الغربي، فهو مزروع كعائق جغرافي للحؤول دون وحدة العرب. ولذلك أعدَّه الاستعمار الغربي لكي يكون القوة العسكرية الأضخم والأقوى في المنطقة. وغيره من الكيانات الوطنية الأخرى تبقى الأضعف لتستجدي الحماية منه ومن الدول الغربية.

2-   من أهم أهداف زرعه أن يكون الدولة الحديثة الوحيدة في امتياز الحصول على التكنولوجيا المتطورة وخاصة الأمنية والمعلوماتية و الاقتصادية منها، ليكون الممر الإجباري لتصريف الإنتاج الصناعي الاستعماري في أسواق المنطقة لأنه الشريك الأساس في أروقة الرأسمالية العالمية.

3-   إلى جانب هذا وذاك، خاصة بعد إعلان الكيان الصهيوني أن اليهودية تشكل الهوية القومية لكيانه في فلسطين المحتلة، يعمل بالتعاون مع التيار (المسيحي المتصهين) في الولايات المتحدة الأميركية ، لتنفيذ حلمه التلمودي في تأسيس مشروعه (أرضك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل). وهو لذلك يُعِدُّ لظهور (المسيح المخلص) الذي سوف يقود معركة هرمجدون على أرض فلسطين، بحيث يعتقد بأنها المعركة الأخيرة بين الخير والشر.

تلك العوامل يتشاركها إلى حد المطابقة كل من الكيان الصهيوني ونظام ولاية الفقيه الإيراني كإيديولوجيا- من جهة، ومشروعاً سياسياً من جهة أخرى.

فنظام ولاية الفقيه يُعلن ما لا يُبطن. فهو يُعلن أن أميركا (الشيطان الأكبر)، ولكنه يتعاون معها إلى أقصى الحدود. ونحن من فمه ندينه:

  • فلقد اعترف بأنه (لولا إيران لما استطاعت أميركا أن تدخل إلى كابول وبغداد).
  • وفي المقابل سلَّمته أميركا (الشيطان الأكبر) قيادة العملية السياسية في العراق بعد إعلان انسحابها منه في سنة 2011، فعاث في العراق فساداً ونشر فيه الظلم والتخلف بأقسى وقائعه، وسرق ثرواته الطائلة. ولولا ذلك لما استطاع أن ينشر ميليشياته في كل من سورية ولبنان واليمن، مادَّاً لها سبل التمويل والتسليح.
  • وخلافاً لما يظهره نظام ولاية الفقيه من عداء لأميركا، فقد تبادلا الخدمات الاستراتيجية، كعوامل لبقاء كليهما رابضاً على أنفاس الأمة العربية.

من كل ذلك، يمكننا تعداد عوامل التلاقي بين المشروعين الأميركي- الصهيوني من جهة، ومشروع ولاية الفقيه من جهة أخرى. والتي يمكن تلخيصها في النقاط التالية:

1- أن المشروع التلمودي الصهيوني يقوم على أساس غيبي يتمثَّل بانتظار ظهور (المسيح المخلِّص)، وكذا فإن مشروع ولاية الفقيه يقوم أيضاً على مشروع غيبي يتمثَّل بانتظار ظهور (الإمام المهدي المنتظر). وكلاهما مشروعان الغائيان لكل دين آخر، سماوياً كان أم غير سماوي. ولذلك، وعلى وقع أداء المشروعين وأهدافهما تدفع الأمة العربية الثمن الأكبر من وجودها وأمنها وثرواتها وإرادتها في العيش الكريم كما تعيش الشعوب الأخرى.

2- عامل العداء للقومية العربية، والتمهيد لترسيخ كل العوامل التي تمنع الوصول إلى الوحدة العربية. وهذا العامل تدعمه الكثير من الوقائع، لعلَّ من أهمها التدمير الإيراني لكل مقومات الدولة الوطنية حيثما وطأ نفوذها، في العراق وسورية ولبنان واليمن و(الحبل عالجرار)؛ وتلك نماذج مما ينتظر الأقطار العربية الأخرى. وتأتي دول الخليج العربي في المقدمة منها.

3- تعميم الجهل والأمية في المجتمع العربي، وخاصة ملاحقة العلماء العراقيين أو قتلهم من جهة، ومن جهة أخرى تجنيد مئات الآلاف من العرب الذين حرموهم من العلم ليكونوا جنوداً في خدمة المشروع الإيراني. ومن أهم تلك الوقائع كأنموذج صارخ أن أكثرية المجتمع العراقي وخاصة الشباب منهم قد تحولوا إلى متسولين للقمة العيش، حيث تتم سرقة موارد البلاد لمنع فرص العمل، واشاعة التجهيل المنظَّم، وممارسة الطقوس التي لا تمت للدين الحق والإيمان الأصيل بأية صلة، بزعم أنها تفتح أمامهم أبواب الجنة. والنتيجة هي تقاسمهم من قبل عشرات الميليشيات لقاء رواتب تُدفع لهم، وهي لا تكاد تسد الرمق، تدفع لهم من النهب والسرقات والإتجار بالممنوعات.  وقد حلَّت تلك الميليشيات مكان الدولة في حكم العراق، بعد أن سيطرت على كل مفاصلها.

4-على حسب قواعد مشروع ما يسمى بالشرق الأوسط الجديد، التي وضعها التحالف الأميركي – الصهيوني، وحيثما حلَّت ميليشياته أسهم نظام ولاية الفقيه في تفتيت الكيانات القطرية، كما رسمتها اتفاقية سايكس – بيكو. والهدف هو تقسيمها إلى دويلات طائفية تتحكم في إدارتها ميليشيات منفلتة من الضوابط الوطنية والقانونية والقيم الأخلاقية لأنها أبعد ما تكون عن المحاسبة والمساءلة. وكل ما لا تستطيع الصهيونية والرأسمالية العالمية فعله لأنها ليست لديها حواضن شعبية، يقوم نظام ولاية الفقيه بفعله مستغلاً تلك الحواضن في كل بقعة من بقاع الأقطار العربية ابتداءً من العراق، مروراً بسورية ولبنان واليمن، وصولاً إلى أقطار أخرى. والعمل بشكل جاد لتمرير مشروعه الخطير في دول الخليج العربي، في الكويت والبحرين والسعودية وقطر وعمان والإمارات العربية المتحدة.

5- وعند المقارنة بين خطورة المشروع الصهيوني وخطورة مشروع نظام ولاية الفقيه، نجد أن الأخير يمثل خطورة أشدُّ، وذلك استناداً إلى أن حدود المشروع الصهيوني تلمودياً تقف عند شعار (أرضك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل)، بينما حدود مشروع ولاية الفقيه تشمل كل زاوية من زوايا الوطن العربي، خاصة إذا ما وضعنا في حساباتنا أن المشروع قد استطاع استقطاب حركات الإسلام السياسي بشقيها الشيعي والسني.

من الملفت للنظر أن المشروعين معاً يتبادلان الأدوار في العبث بالوضع العربي تحت رعاية وإشراف الولايات المتحدة الأميركية. وكل ما يجنيانه من فوائد عليهما معاً أن يقتسماه معها. وإذا حصل خلاف بين أحدهما مع أميركا، فإنما يكون مرده إلى حصول خلل باقتسام الأرباح وقد أثبتت ذلك وقائع كثيرة لا مجال لتعدادها هنا.

وفي النتيجة استفرد كل من الكيان الصهيوني ونظام ولاية الفقيه بأسباب القوة العسكرية مع أرجحية مطلقة للأول. وأصبحت بعض الأنظمة الرسمية العربية، بحكم تركيبتها ومحدودية سكانها النسبية، منزوعة الأنياب عالقة بين شاقوفيْ قوتين عسكريتين كبريين في المنطقة. ولما اشتدَّ التهديد، راحت تلك الأنظمة تسوِّغ وسائل حماية كياناتها، فالتجأ البعض منها للتطبيع مع العدو الصهيوني الذي يعتبرونه الأقل خطورة – كما يحسبون- مستندين إلى أنه لا حدود جغرافية مشتركة معه، معتقدين أنه يركز على أولوية فسح المجال أمامه للاستثمار التجاري، بالمقارنة مع مشروع الولي الفقيه الإيراني حيث لا يمكن لجم مشروعه عند حدود بعينها حيث يعمل على اختراق النسيج الاجتماعي لتلك الدول لإسقاطها من الداخل. وبهذا يكون المشروع الإيراني سبباً أساسياً في إرغام الأنظمة التي قامت بالتطبيع مع العدو الصهيوني على التطبيع معه.

 ومع رفضنا القاطع للتطبيع مع العدو الصهيوني أو غيره من الدول الطامعة بأمتنا العربية، أيّاً كانت الأسباب، نعتقد أن العمل على إزالة الأسباب التي أدت إليه يجب أن يحتل أولوية مطلقة لوقف هذه التداعيات على الأمة العربية وحماية باقي الأقطار العربية من السير في هذا المسار الكارثي.

لقد استغلَّ نظام ولاية الفقيه ظروف الوطن العربي وشدة استهداف أقطاره، والتي يشكل هو أحد أهم أدوات ذلك الاستهداف والخراب، ليزيد من نبرة خطابه المزيَّف بتأييد القضية الفلسطينية، ليبدو وكأنه أكثر عروبة من العرب أنفسهم.

وفي الوقت الذي نؤكد فيه أن التطبيع مع العدو الصهيوني مرفوض جملة وتفصيلاً مهما كانت الأسباب والدوافع، فإن التطبيع مع نظام ولاية الفقيه من جهة أخرى مرفوض أيضاً، فهما وإن تمايزاً نسبياً في أهداف مشروعهما فإنهما يتفقان على اعتبار الساحة العربية ميداناً عملياتياً لتنفيذ تلك المشاريع التي كلاها تستهدف وجود الأمة العربية بالصميم.

وتبقى الحقيقة جلية في أنه لا خلاص لهذه الأمة من دون العودة إلى نهضة وحدوية على شتى الصعد، واستخدام طاقاتها وإمكانياتها في الضغط على كل دول العالم، لتعرية مخاطر المشروعين الالغائيين، لا على الوطن العربي فحسب وإنما خطرهما على شعوب العالم والإنسانية أجمع. ولن تكون الأمة العربية المستفيدة الوحيدة من ذلك الإنجاز، بل سيستفيد العالم بأسره بالخلاص من مشروعين غيبيين يهددان الأمن والسلم العالمي واستقراره.

 

في النتائج الأخيرة..

ولأن المشروعين الغائيان ينطلقان بالتنفيذ من الأرض العربية، ونتائجهما تمسَّان بسلبيتهما المجتمع العربي، فهما مشروعان معاديان للأمة على شتى المقاييس، نعتبر أن تطبيع بعض الدول مع أي منهما هو تطبيع مرفوض كلياً. فكلاهما متساويان بالخطورة مع التأكيد على أن مشروع ولاية الفقيه أشد خطورة، لأنه من خلال تلطيه بغلاف الإسلام، قد يجد من يُخدع به من قِبَل العرب أو المسلمين، بينما المشروع الصهيوني يبقى معزولاً شعبياً وجماهيرياً لانعدام أية حاضنة شعبية له بسبب الانتماء الديني على المستوى العربي من جهة، ولاستحالة انعكاس التطبيع الرسمي العربي إيجاباً على أبناء الأمة العربية على الصعيد الشعبي من جهة أخرى.

 

Author: nasser