خالدون في سبيل البعث
من سجل النضال القومي المجيد
حزب البعثُ العربي الاشتراكي هو حزبٌ قوميٌّ وُلِدَ من رحم معاناة الامة من أجل تحقيق وحدتها وحريتها ونهضتها، لتمارس دورها الحضاري بين الأمم بما يَليق بمكانَتِها الكبيرة وإمكاناتها الهائِلة وتأريخها المجيد. وهو فِكرٌ رَصينٌ وراسخٌ، ونَهجٌ ناضجٌ ومُتقدمٌ ينير درب مناضليه وجماهيرَه في كفاحهم لتحقيق أهدافه الاستراتيجية الكبرى في الوحدة والحرية والاشتراكية. وحزبٌ هكذا هي أهدافه، قومية تقدمية انسانية، لا ينهض برسالَتِه الحضارية العِملاقة في بعث أمة بكاملها، الاّ نوعية خاصة من أبناء الأمة المناضلين في صفوفِه، من الذين آمنوا بحقِّ أمتهم في النهضة والتقدُّم لتحتَّل مكانتها الكبرى بين الامم، فوهبوا حياتهم لتحقيق رسالته، خائضين في سبيل ذلك نضالاً ضروساً وتضحيات جسام لتأصيل الأهداف النبيلة للبعث، وقيمه ومبادئه السامية. انَّهم صُنَّاع الحياة ومستقبل الامة، ورجال العطاء والفداء من أجل تحقيق وحدة أمتهم العربية المجيدة. هكذا هُم مناضلو البعث على امتداد وطنهم العربي الكبير من المحيط الى الخليج.
يسعى هذا الباب الى القاء الضوء على محطات من السجلّ الخالد لمناضلي البعث في الوطن العربي، الذين شكَّلوا رايات عالية ستبقى تنير درب أجيال وأجيال من ابناء الامة في نزوعها نحو الوحدة والحرية والتقدم. ومن تلك الرايات الرفاق امن قطر اليمن الذين ساهموا في تأسيس حزب البعث في العراق.
البَعثيّون اليَمنيّون ودورهم في تأسيس
حِزب البَعث في العِراق
يحيى محمد سيف – اليمن
تفيد المعلومات التي تضمنتها العديد من الدراسات والبحوث الخاصة بتاريخ الحزب ومناضليه في قطر العراق بان الطلبة اليمنيون الذي بعثتهم – (مدرسة وجمعية الاخوة والمساعدة) في مدينة تريم – محافظة حضرموت منذ عام 1937م المبينة اسماءهم كما جاء في كتاب (تريم بوابة الفكر القومي في اليمن) وهم:
– موسى بن عبد القادر بن يحيى الكاظم، الذي التحق بكلية الحقوق جامعة بغداد وعبد الرحمن بن طاهر بن يحيى، وحسن با جابر، ومصطفى الزاهر.
كما تفيد بعض المصادر بان المدرسة المذكورة ارسلت بعثة دراسية أخرى إلى العراق ضمت أيضاً:
– صالح عبد الله الحبشي الذي التحق بكلية الحقوق جامعة بغداد واخويه أبو بكر عبد الله الحبشي الذي التحق بكلية الهندسة جامعة بغداد، وشيخان الحبشي الذي التحق بكلية الحقوق جامعة بغداد. وان اغلب الطلبة اليمنيون تمكنوا خلال دراستهم في قطر العراق من تنمية مداركهم السياسية والثقافية والتأثر بفكر البعث من خلال الاطلاع على كتابات الرفيق القائد المؤسس احمد ميشيل عفلق التبشيرية بفكر البعث ورفاقه المفكرين والمؤسسين للحزب الذي كانت تصل إليهم، عبر الطلبة السوريين الدارسين في المعاهد والكليات والجامعات العراقية، وصولاً إلى اعتناقها كغيرهم من الشباب العربي الذي وجد في فكر البعث انه يعبر عن آمالهم وتطلعاتهم ويروي عطشهم الفكري.
كما تشير الى انهم لم يكتفوا باعتناق فكر البعث فحسب، بل كان لهم دورهم في التعريف بفكر البعث العربي الاشتراكي في أوساط الطلبة العرب الدراسين في قطر العراق والطلبة العراقيين بشكل خاص، والتأثير عليهم وكسبهم للحزب، واسهامهم المتميز في تكوين التنظيم الحلقي للحزب في قطر العراق، وفي التوسع في الكسب وتوسيع رقعة التنظيم في العاصمة بغداد والمناطق المجاورة لها. وسوف نكتفي هنا بإبراز بعض الحقائق المجردة الموثقة في المصادر التاريخية الموثوقة الدالة على ذلك والمتمثلة بالآتي:
🔸 حيث تشير احد الكتب المختصة بتوثيق الفكر القومي في العراق، إلى دور الطلبة البعثيين اليمنيين في تأسيس حزب البعث في قطر العراق ويذكر منهم الرفيق صالح الحبشي وأبو بكر الحبشي فيقول:
(انطلق حزب البعث من دمشق، وبحكم أفكاره القومية وفلسفته التنظيمية استطاع الحزب أن ينشر أفكاره وتنظيمه في المشرق العربي الذي كان الساحة الأساسية لمثل هذا الفكر، وكانت مجموعات الطلبة الجامعيين في جامعة دمشق والجامعة الأمريكية في بيروت، كما كان الطلبة السوريون والأردنيون، الذين سافروا إلى بغداد، بمثابة صلة الوصل بين المركز في دمشق والبلدان الأخرى التي بدأت تتكون فيها التنظيمات الحزبية بشكل سريع واختلط الطلبة السوريون بزملائهم العراقيين في مختلف الكليات، ونقلوا لهم أفكار حزب البعث. فكلية الحقوق كانت تضم كلا من صالح الحبشي، وعبد الكريم خريس، وفايز مبيضين، وارشود الهواري، وأحمد الهنداوي، إضافة إلى الطلبة العراقيين وهم عبد الرحمن الضامن، وأخوه عبد الوهاب، ويحيى ياسين وفيصل حبيب الخيزران. وفي دار المعلمين العالية أبو القاسم كرو، وأحمد اللوزي، وسليمان العيسى، وعبد الله سلوم السامرائي، وعبد الله نجم.
وفي كلية الهندسة أبو بكر عبد الله الحبشي، وفؤاد الركابي. وفي التجارة فخري قدوري، وشمس الدين كاظم، وصفاء محمد علي، وطه الرشيد، وعلي صالح
السعدي، وإياد سعيد ثابت، وممتاز أحمد شوقي، وباسل خليل إسماعيل، وعدنان العزاوي، وأحمد شمسي، ووحيد غرايبة. وفي كلية الآداب عبد الستار الدوري، وشفيق الكمالي، وعادل أحمد زيدان).
🔸من جانبه يؤكد الباحث ضياء حسين في الحلقة الثانية من مقاله (البعث وحديث البداية في العراق) المنشور في شبكة ذي قار صوت المقاومة العراقية البطلة، إلى الدور المتميز الذي قام به الطلبة اليمانيون وفي طليعتهم الرفيقين صالح الحبشي وأبو بكر الحبشي إلى جانب زملائهم ورفاقهم الطلاب العرب الآخرين في تأسيس حزب البعث العربي الاشتراكي في قطر العراق بمختلف المراحل التي مرت بها عملية التأسيس، حيث يقول:
(جاءت ولادة الحزب في العراق متأثرة بمنهج البعث ومبدئيته عبر معايشة لما نقله فريق من الطلبة العرب والسوريين منهم بالدرجة الأولى الذين جاءوا الى العراق للدراسة في مدارسه الثانوية وكلياته بعد أن حصلوا على منح دراسية حكومية اعتباراً من منتصف الثلاثينات من القرن الماضي.
وتميز تأسيس الحزب بثلاث مراحل وهو ينتظم وينشط سراً وهي:
الأولى: وتمثلت بالتعريف بفكر الحزب القومي الاشتراكي من خلال تواجد الرفاق العرب في المدارس الثانوية والكليات العراقية بهدف خلق المناخ المناسب لكسب رفاق عراقيين يتولون معهم وضع اللبنة الأساس للتنظيم الجديد قبيل مغادرتهم البلاد بعد انتهاء فترة دراستهم فيها.
الثانية: تركز الجهد فيها على شد التنظيم الذي ضم الطلاب العرب الى جانب من كسب من تلاميذ المدارس الثانوية وطلبة الكليات في بغداد، وتقويته بخوض معترك النضال الجماهيري بصورة تدريجية.
الثالثة: التوسع في بناء التشكيلات الحزبية بكسب وضم المزيد من المناضلين الى صفوف البعث بتوسيع قواعده في المناطق الشعبية البغدادية.
فعلى وفق هذا المنهج بدأت الخطوات الأولى للتنظيم الحزبي البعثي في العراق بقيادة الرفيق فايز أسماعيل الذي وصل بغداد يصحبه شاعر البعث الرفيق سليمان العيسى وتبعهما بالوصول أدهم مصطفى ومسعود الغانم وجميعهم من القطر السوري الشقيق. ومن الأردن وصل الرفاق عبد الكريم خريس وفائز مبيضين وأرشود الهواري وأحمد اللوزي وأحمد الهنداوي ووحيد غرايبة وحاكم الفايز. ومن اليمن صالح الحبشي وأبو بكر عبد الله الحبشي من حضرموت، ومن تونس أبو القاسم كرو.
🔸أبو بكر الحبشي
يؤكد الاستاذ الدكتور ابراهيم خليل العلاف، الاستاذ في جامعة الموصل في دراساته وبالاستناد إلى ما ورد في (موسوعة اعلام وعلماء العراق)، إن المناضل البعثي اليمني أبو بكر الحبشي هو من كسب لحزب البعث في قطر العراق فؤاد الركابي الذي أصبح اول امين سر لقيادة قطر العراق لحزب البعث العربي الاشتراكي. حيث يشير الى انه (كان منذ دراسته الثانوية مؤيدا لحزب الاستقلال ذو التوجه العروبي القومي وعندما دخل كلية الهندسة انتسب الى حزب البعث العربي الاشتراكي سنة 1948 بتأثير طالب يمني كان زميلا له في الكلية ذاتها اسمه ابو بكر الحبشي..).
🔸 موسى بن عبد القادر بن يحيى الكاظم
كما كان للأستاذ المناضل موسى بن عبد القادر بن يحيى الكاظم الشهير باسمه التنظيمي (أبو موسى الكاظم) اثناء دراسته في كلية الحقوق جامعة بغداد أواخر الثلاثينيات ومطلع الاربعينيات من القرن الماضي، إسهاماته المتميزة في تأسيس حزب البعث في قطر العراق. وكذلك ساهم بعد عودته مجدداً للعراق بعد أن أنهى دراسته الجامعية فيه واختاره ملجأ اختيارياً له مطلع الخمسينيات من القرن الماضي، نظراً لتعرضه لبعض المضايقات من قبل أصحاب الفكر التقليدي المتعصب والمعارض للتحديث والتنوير بمختلف اتجاهاته في مسقط رأسه حضرموت نظراً لكتاباته التنويرية، ونشاطه الثقافي والسياسي الوطني والقومي، والتبشير بفكر البعث، وانتقاداته اللاذعة لمجمل الاوضاع التي كانت قائمة في حضرموت واليمن عموماً في مقالاته وأحاديثه.
وفي العراق تفتحت امامه افاق جديدة لتعميق وتطوير انتمائه القومي، ومنها اخذ يواصل مشواره النضالي الوطني والقومي، بوعي أعمق لأبعاد الفكر الجديد فكر الامة العربية، نحو التغيير والوحدة والحرية والاشتراكية.
وأثناء دراسته في بغداد ترسخت عرى علاقاته التنظيمية وتعمقت أكثر قناعاته البعثية، وانخرط في صفوف البعث تنظيمياً، وقد تم توثيق تفاصيل كل ذلك في (صحيفة الاحياء العربي)، لسان حال حزب البعث العربي الاشتراكي القومي قطر اليمن في دراسة بعنوان: (لمحات موجزة من تاريخ البعث) الحلقة (١٦) العدد (٦٠٨) الصادر بتاريخ ٢- يناير / كانون الثاني، ٢٠١١ م.