أزمة أم قصر.. الاحتمالات والأبعاد
د. نضال عبد المجيد
عادت في الأيام القليلة الماضية، لصدارة المشهد السياسي والاعلامي، قضية تسليم ميناء ام قصر للكويت، وما استتبعها من اعادة ترسيم الحدود البرية، وترسيم الحدود البحرية بين العراق والكويت، وان البحث في هذه القضايا الشائكة، والتي تحتفظ بسجل طويل من الأحداث والوثائق، مثلما تحتفظ الذاكرة العراقية بمرارات النهج الكويتي في التعاطي مع هذا الموضوع، متبعة اسلوب الاستقواء والاستضعاف، واستغلال الوضع السياسي للعراق الناجم عن شدة استهدافه من القوى الخارجية المعادية للامة العربية، وتسخير اموال النفط للرشوة وشراء الذمم، حيث ما سنحت لذلك الفرصة.
ولا يخفى على كل ذي بصيرة الدور البريطاني، في سلخ الكويت وتشكيل كيانها، وأحاطته بالرعاية والأسناد، برغم علاقتها المتميزة مع العراق في العهد الملكي، وواكب هذا الدور البريطاني الدور الأمريكي وخاصة بعد الحرب العالمية الثانية، وظهور النفط فيها، فحظيت بكل اشكال الدعم، ليومنا هذا. مما جعل حكامها، يتصرفون خارج التقييم الموضوعي لحجم البلاد الطبيعي وافاق مستقبل اجيالها، مستعينين بالدعم والاسناد الخارجي.
إن اللحظة الراهنة التي تحيط بالقوى المعنية بالحدث تظهر الاتي:
اولا- العراق: منذ الاحتلال الامريكي عام 2003، وما تمخض عنه من تسلط وهيمنة ايران وادواتها على مقدرات البلاد، وهو يعاني من مشكلات لها اول وليس اخر، فقد نهبت هذه الطبقة السياسية الفاسدة، كل ما وقع تحت يديها، فكونت بذلك منظومة لا مثيل لها من الفساد واللصوصية، ولم تكتف بهذا، بل جعلت العراق الحديقة الخلفية للنظام الايراني، تمول ميزانيته، وتستورد بضاعته الرديئة، وتدعم نشاطاته الخارجية في تصدير الارهاب، وتدفع لعملائه في سوريا ولبنان واليمن. فهي تمد له اطواق النجاة من الحصار والعقوبات الشكلية التي يتعرض لها هذا النظام، ولم تكتف بذلك، بل اوقفت الصناعة العراقية، ومشاريع استثمار الغاز، واكمال منظومة الطاقة الكهربائية، وأهملت الزراعة، ونهبت الفوسفات الذي تزخر به المنطقة الغربية من العراق.
كل هذا، ليصب في مصلحة النظام الايراني، والاهم من كل هذا التفريط بالسيادة الوطنية، والتخلي عن اراض عراقية وحقول نفط عراقية لصالح ايران، بعد ان كانت هذه الحقول عراقية صرفه، وحولت بعضا منها الى حقول مشتركة، يضاف الى ذلك التخلي عن العديد من الجزر العراقية في شط العرب.
وبعملية منظمة تحاول هذه الطغمة الفاسدة ألهاء المواطن بلقمة عيشه اليومية، فأدخلته بدوامة من الازمات (انقطاع الكهرباء، ارتفاع الدولار، انقطاع الغاز، ازمات طائفية والتشجيع عليها وغير ذلك.)، هذا غيض من فيض مما يعانيه المواطن العراقي الجالس على بحار من الخيرات التي تزخر بها ارضه المعطاء.
وتجيء هذه الازمة القديمة الجديدة والنفخ في نيرانيها، علها تمد في عمر هذه الطغمة الفاسدة، وتصنع أجماعاً وطنياً، ولو بالرغم من ارادتها، ولكنها تجيره لمصلحتها، فهي لا تكترث لحقوق العراق المشروعة في الارض والمياه، والمهم لديها ما تضعه بجيوبها من اموال الفساد، وماذا سيكسب سادتها في طهران، بعد تغييب المصلحة الوطنية العراقية .
وفي هذا الصدد تدعي سلطة المنطقة الخضراء ان النظام الوطني هو الذي وافق على القرار 833 لسنة 1993 (قرار ترسيم الحدود) الصادر عن مجلس الامن الدولي، متناسين ان هذا القرار استند على القرار 687 لسنة 1991( قرار وقف اطلاق النار بين العراق والتحالف الدولي) وكل ذلك استنادا الى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي يخول استخدام القوة المسلحة، وان رفض النظام الوطني للقرار يعني عودة العدوان الامريكي الصهيوني على العراق، في وقت مازالت جراحاته لم تندمل بعد، فكانت الموافقة على القرار في ظل هذه الاجواء المفروضة بالقوة الغاشمة. وكان بأماكن حكام المنطقة الخضراء الان، التنصل من تنفيذه، لو كان هناك شعورا وطنيا عراقيا ومسؤولية ازاء الوطن طالما افتقدوها.
ثانيا- الكويت: يحاول النظام في الكويت تصدير ازماته للخارج مثلما تفعل الزمرة المتسلطة على شعب العراق، فالنظام الكويتي يعاني ازمة بنيويه مستحكمة، ادت الى عجز مؤسساته عن القيام بواجباتها، فشهدت السنين الماضية، انتخابات متعددة لمجلس الامة، فلم تكد تنتهي الانتخابات الا ويحل المجلس، وتستقيل الحكومة، اضافة الى ازمات متعددة اخرى تتعلق بالفساد. فتحاول في هذا الشأن ان ترمي ثقلها خلف ملفات مستعصية مع الجوار الكويتي، منها مع ايران، والغالب الاعم منها مع العراق، فالنهج المستديم لحكام الكويت هو الزحف المستمر والقضم التدريجي لأرض العراق، وشواطئه المحدودة اصلا، (فالعراق بلد شبه مغلق). هذا هو سلوكهم، الذي اوصل العلاقات بين الشعب الواحد في المكانين الى حالة من القطيعة، والعداء الموغر في الصدور بدلاً من ان تسود مشاعر الاخوة والتكامل بين ابناء الامة العربية.
ثالثا – ايران: يعاني النظام الايراني، من ازمات عديدة، ناهيك عن الحصار والعقوبات، فأن الشعوب الايرانية، قد سئمت الحال التي وصلت اليها بسبب سياسات النظام الخرقاء، فأتسع الرفض الشعبي للنظام وسياساته برغم أساليب القمع وأحكام الاعدام بحق المعارضين، الا ان الثورة الشعبية تتصاعد، اضافة لعلاقاته المتشنجة مع دول الجوار والمنطقة وخاصة في الخليج العربي، برغم اتفاقه مع المملكة العربية السعودية برعاية صينية، والذي لم يثمر عن شي حقيقي على الارض لحد الان، سوى اعادة العلاقات الدبلوماسية وتبادل السفراء، فهو يسعي لمد مشروعه في تصدير الارهاب والتفتيت الطائفي، ليشمل الخليج بعد ان امتد الى مشرق الوطن العربي.
وبالتالي فأن هذا النظام، سيستغل هذه الازمة الجديدة بشأن ام قصر، في موضوع حقل الدرة الغازي (الذي هو بالأصل حقلا عراقيا خالصا)، حيث تصر السعودية والكويت على ان هذا الحقل حق حصري لهما، فيما يرفض النظام الإيراني ترسيم الحدود البحرية، ويصر على حقه المزعوم في هذا الحقل ويستمر في التنقيب فيه، بعد ان اعلنت الكويت رسميا البدء بالتنقيب في هذا الحقل، فيما الزمرة الحاكمة في بغداد ساكتة عن حق العراق في هذا الحقل بأكمله، وكأن الامر لا يعنيها لأنه يتعلق بأسيادها في طهران. فالنظام الايراني، الذي ما فتيء يعتاش على الازمات، سيستغل هذا الازمة، لتحويل الانظار عن ازماته الداخلية.
نستخلص من العرض السابق، بأن الموضوع اكبر من ان ينظر اليه، نظرة ضيقة، فأنه يتعلق اولا واخيرا بالأمن القومي العربي، الذي تناساه النظام الرسمي العربي، مثلما لا يعرفه ذيول ايران الحاكمين في المنطقة الخضراء، فأن النظام الايراني، سيستغل هذه الازمة بتحريك ميليشياته في صحراء وسط العراق، او الحوثيين في اليمن لضرب المنشأت النفطية الكويتية او السعودية، مثلما سيحرك عملائه للعبث بأمن أقطار الخليج العربي، وما موقفه من موضوع حقل الدرة، الا بداية. وهكذا سيحاول النظام الايراني استثمار الازمه لصالحه، فمن جهة سيعزز موقفه بشأن حقل الدرة، ويمد في عمر عملائه في المنطقة الخضراء، حيث اقتربت بشائر انهيار سلطتهم الغاشمة.
نأمل ان ينتبه الخيرون في اقطار الخليج العربي، وخاصة في الكويت، لما يحاك ضدهم من تأمر معلن ومفضوح، يقوم بأدواره النظام الايراني وعملاءه الجاثمين على صدر شعب العراق، مستغلين هذه الازمة لدق الاسافين في العلاقة بين ابناء شعب عربي واحد وبما يعزز الهيمنة الإيرانية على العراق، ومحو عروبته الذي هو غاية المشروع الإيراني، وذلك بافتعال الازمات مع محيطه العربي.
فالرؤية القومية للازمه تقتضي من حكام الكويت وأد اي تأجيج للصراع بين ابناء الامة الواحدة، وانتظار تعافي العراق من جراحاته وتحريره من الاحتلال والهيمنة الايرانية ، ليتم مناقشة كل القضايا العالقة، بما يخدم الامن القومي العربي الذي لا يمكن تجزئته.
وبخلاف ذلك فأن الأموال المدفوعة كرشاوي لسياسي الصدفة، لن تنفعهم، لأن شعب العراق، سيدحرجهم الى القاع ومزبلة التاريخ بأسرع مما يتخيلون. وأن الوضع الدولي مختلف جدا عما كان عليه قبل ثلاثة وثلاثين عاما.
إن المصلحة القومية العليا تقتضي ان يكون العرب يدا واحدة في مواجهة التحديات، وليس هناك اكبر من التحدي الايراني الذي يحتل اربعة عواصم عربية، ويسعى للمزيد، مستخدما كل الدهاء الفارسي المعروف تاريخيا.
فهل يصحو النظام الرسمي العربي من غفوته؟ وهل تدرك اقطار الخليج العربي، التي تتعرض للابتزاز اليومي من قبل النظام الإيراني، المخاطر المحدقة بها، وهل يدرك حكام الكويت ان افتعال الازمة يدخل اوارها في مكنونات الشخصية العراقية، وتؤدي الى استفزازها لأقصى مدى. كما ان الاموال الطائلة تفضي الى تقييم مُبالَغ للنفس، ويوحي بأوهام القوة الخاوية ، ويغلق عينيها عن التقييم الموضوعي لعوامل الاستقرار الدائم.
كما يتغافل عن المصلحة القومية العليا.