حديث ابن الشَعَب..
” الياكْلَه العَنِز.. يِطلَعْله الدَبّاغ “
أرض الوَطَن وسياسَة افتِعال الأزمات
أبو العروبة
الذي يحصل في العراق ومنذ اليوم الاول للاحتلال الامريكي – الايراني في 2003 والى يومنا هذا، يؤشر وبشكل واضح وجلي للمراقب السياسي سواء المختص أو غير المختص في الشأن العراقي، بأن هناك خطة مدروسة هدفها عملية ضخمة لإلهاء الشعب العراقي. فالتغطية على ازمة يأتي عبر بروز ازمة جديدة، غالباً ما تمس كرامة ابناء العراق لما معروف عنهم من إباء وكبرياء .
ان من يعتقد ان هناك فوضى، وغباء سياسي، وتخبط، وجهل بادارة الحكم، فهو واهم. وهناك ادلة كثيرة تثبت ما نقول، ومن بين هذه الادلة، ان هذا الإلهاء والفوضى قد ترافق مع سياسة ثابته في التعامل مع ايران التي انتهكت السيادة العراقية من جهة، وافقرت ابناء العراق من جهة اخرى، من خلال استراتيجيات عدة من بينها وضعها الخط الاحمرعلى كل ماهو مُنتَج عراقي. اضافة الى انها ماضية في سرقة موارده كافة بصورة علنية مباشرة او غير مباشرة. ونتيجة لهذا الافقار فقد ترك العراقي الزراعة، واصبح مستورداً بنسبة اكثر من 90% للمنتجات الزراعية والحيوانية الايرانية بالتحديد.
وفي مجال الصناعة فقد اُغلقت المعامل كافة وبمختلف تخصصاتها حتى وصل الامر الى بيع معامل التعليب في كربلاء، التي كانت رمزاً ناجحاً للصناعة الوطنية ولتشغيل الالاف من الايدي العاملة العراقية.
اما في مجال الثروات الطبيعية والموارد الاستراتيجية فان روافد المياه قد تم قطعها عن نهر دجلة، والغاز العراقي محرم انتاجه، وكذلك الفوسفات والكبريت.
وعلى صعيد آخر فان هذه الاستراتيجية المُنظَّمة قد شملت تقاسم السلطة وشراء مواقعها علنا لصالح إطباق الهيمنة الايرانية على العراق، وسرقة المال العام بشتى الوسائل والفنون وتحويلها الى ايران، وكان من اخطرها قبول الرشوة من الدول المجاورة لبيع العرض والارض، وكل ذلك يجري بطريقة منظمة بعيداً عن الفوضى .
قديما في بداية السبعينات من القرن الماضي، وفي اطار استراتيجية شاملة للنظام الوطني لدعم وانعاش الرياضة في العراق، نجحت اللجنة الاولمبية العراقية في تنظيم عدة دورات لمباريات بطولة العالم في المصارعة الحرة الغير مقيدة في بغداد، واستقطاب بطل العالم فيها وهو المصارع العراقي عدنان القيسي، وقد حقق ذلك نجاحا جماهيرياً منقطع النظير. الا انه اعتبر البعض من المتخرصين الكارهين لأي نجاح، ان اقامة تلك البطولات هي عملية الهاء للشعب العراقي عن بعض الازمات التي تحدث احياناً مثل شحة البيض او المعجون !!.
رغم ان الدولة في ظل الحكم الوطني، فتحت مئات المواقع والجمعيات الاستهلاكية لتوفير هذه المواد باسعار رمزية تقارب المجان، وكانت المنظمات الحزبية تشرف لضمان نزاهة التوزيع ووصوله الى كل المواطنين، بالاضافة الى عقد المسؤولين الاجتماعات بالساحات العامة مع المواطنين وجها لوجه لمناقشة اية متطلبات او مشكلات.. وغير ذلك الكثير من الاجراءات التي لا مجال لتعدادها.
واليوم نجد ان نفس هؤلاء المتخرصين يطبقون قاعدة لا ارى ، لا اسمع ، لا اتكلم ازاء كوارث بلغت حد بيع اجزاء من الوطن ونهب ممتلكاته وتفصيخ مصانعه!.
لو ان الحكومة الحالية فعلت ولو جزء مما فعله النظام الوطني لكان الامر هين، ربما حينئذ تابعنا الزور خانة الايرانية، او ادخلت لعبة الهوكي الى العراق، كان على الاقل ينسى الشعب همومه بمتابعة الرياضة. لكن هيهات ان يتم تبني اي شيء يرفه عن العراقيين ويخفف معاناتهم، بل العكس هو القائم.
أعتقد جازما، ان بعض مظاهر عاشوراء سنوياً، والمشّاية والقيمة، وضرب الرأس تكرمون “بالحذاء” العتيق، والزحف بالماء الآسن، هي طرق للإلهاء ، لكن ان يكون هذا الالهاء منَظماً للمتاجرة بالارض والعرض والمال، فهذا امر لابد للشعب العراقي من رفضه رفضاً تاماً وان يقول قولته فيه ، ويقف موقفاً تاريخياً ازاءه.
لقد اجتاح الجنود الايرانيون سنة 2009 الاراضي العراقية في محافظة ميسان وتمت السيطرة على بئر الفكة النفطي، ورفع العلم الإيراني عليه 2009، ورغم خطورة الامر الا انه كان فعلاً لم يثر اي ضجة حيث اكتفت الحكومة بالقول بانها ستتخذ رداً دبلوماسياً مدروساً، ولم يتحرك الشعب العراقي في ذلك العام لإنه كان مشغولا بازمة الكهرباء، علما بأن نائب وزير الخارجية العراقي حينئذٍ قد أكد في حديث لوكالة أسوشيتد برس للأنباء، أن جنودا إيرانيين هم الذين استولوا على البئر. وأضاف أن هذه ليست المرة الأولى التي تمنع فيها إيران العراق من استغلال حقول النفط الواقعة على الحدود.
نعود الى ازمة ام قصر اليوم والهدف المبرمج من ورائها، وهي مسألة لها عدة بدائل لحلول في متناول اجهزة اي دولة ذات سيادة حقيقية تحترم نفسها، فمن بين ما اقترحه المختصون على الحكومة بشأن هذه الازمة هو ان يوكل لهؤلاء المختصين بدراسة تجاوزات الكويت ووضع خطة عمل تلتزم بها الحكومة في التفاوض مع الكويت لانتزاع حقوق العراق في أراضيه ومنافذه البحرية بعيداً عن المفاوض المقترح منها والذي يحمل الجنسية الكويتية والمدعو بحر الظلمات (العلوم). لكن الحكومة المبرمجة ايرانياً سدت اذنيها عن كل المقترحات، وذهبت ابعد من ذلك حيث اعاقت اي جهد توعوي مؤثر عن الظهور في الاعلام حتى وصل بوزارة الخارجية اللا عراقية الى منع بعض المختصين من الظهور على الفضائيات، لانهم صوت الحق في وسط حكومي ميليشياوي باطل.
ان ما يحدث اليوم في العراق هو اكبر من اقتطاع الكويت لام قصر، لانه لن يتوقف عند هذه الحدود. فايران تقتطع وتصول وتجول بلا رادع، وقضية خور عبد الله وحقل الدرة النفطي مسكوت عنها، وميناء الفاو طواه النسيان فلم نعد نسمع به. اما مايرتبط بحياة المواطن المباشرة، فأن ازمة الكهرباء لم تحل، لا بالمال الذي اودع بالبنوك العمانية، ولا باتفاق النفط الذي يشرعن لنهب الثروة النفطية العراقية.
لكن سياسة الالهاء المنظم هذه لم تعد تنطلي على الشعب الذكي الواعي ، فرغم كل المحن التي يواجهها يومياً ، فان الشعب لم يعد يتذكر لا الكهرباء، ولا سعر الدولار، ولا غلاء الاسعار، امام ازمة وطنية كبرى تمس كرامته وكبرياءه، وهي تفريط سلطة المنطقة الخضراء بارض عراقية هي مدينة الصمود، ام قصر الباسلة.
وإن غداً لناظره قريب.