في ذكرى رحيل القائد المؤسس…
الروابط المشتركة بين العروبة والإسلام
الدكتور مسارع حسن الراوي
أستاذ ورئيس جامعة سابقاً
بسم الله الرحمن الرحيم
”إن هذه امتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون” (الأنبياء ٩٢)
صدق الله العظيم
الحمد لله الذي نزل على عبده الكتاب بلسان عربي مبين الحمد لله والصلاة والسلام على النبي العربي الأمين.
الإسلام هو خاتم الأديان السماوية ومحمد صلى الله عليه وسلم هو خاتم الأنبياء والرسل أرسله الله سبحانه إلى قومه العرب خاصة مؤكداً ذلك بقوله تعالى “وأنذر عشيرتك الاقربين” (الشعراء ٢١٤) و قوله “لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم” (التوبة ١٢٨). كما أرسله الله إلى العالم كافة “وما ارسلناك إلا رحمة للعالمين” (الأنبياء ١٠٧).
والإسلام ثورة إيمانية أخلاقية لإخراج العباد من الظلمات إلى النور. والإسلام رسالة خالدة، رسالة التوحيد رسالة الإله الواحد والرب الواحد ضد تعدد الآلهة من أصنام وأوثان. انه انقلاب في العقلية العربية فكان انقلاب في العبادة من عبادة المخلوق إلى عبادة الخالق الواحد الأحد.
والإسلام كما عبر عنه المفكر العربي الأستاذ أحمد ميشيل عفلق في واقعه عربي وفي مواقفه إنساني. أما العروبة فهي هوية الفرد العربي وقدره المحبب ترتبط بالإسلام ارتباطاً وثيقاً فهما صنوان لا يفترقان – الإسلام روحاً والعروبة جسداً – عملة واحد وجهاها عروبة وإسلام.
ولقد كرم الله العرب بنزول القرآن الكريم باللغة العربية الفصحى، “إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون” (يوسف ٢). فكان تكريم واية التكريم تكريم عظيم. وقد وحد الإسلام العرب الذين كانوا قبائل متفرقة متناحرة ” وَٱعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ ٱللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُواْ ۚ وَٱذْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَآءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِۦٓ إِخْوَٰنًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍۢ مِّنَ ٱلنَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ ءَايَٰتِهِۦ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ.) (ال عمران ١٠٣).
كما أن الإسلام كرم وعزز العرب و العروبة فتبنى بعض عاداتهم الطيبة كالشجاعة والكرم والنخوة والغيرة والعزة والإباء “كنتم خير أمة اخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر” (آل عمران ١١٠)، وأكرم الإسلام العرب بآليات الحكم مثل التنظيم الإداري والعسكري والمجتمعي.
إن المرجع الأول والمشترك بين العروبة والإسلام – القرآن الكريم- الذي هو كتاب الله الكريم الذي انزله باللغة العربية على النبي العربي الأمين. لذا فإن مقام القرآن عند العرب والمسلمين الذي أُنزل بلسان عربي قويم مشهور ومعلوم. والمرجع الثاني هو السنة النبوية من احاديث وسيرة الرسول والقائد العربي العظيم محمد صلى الله عليه وسلم “.
ومقام العروبة في الإسلام يكمن في الشخصية المعجزة للنبي العربي محمد خاتم النبيين الذي بعث للعرب خاصة والناس أجمعين. فنجح في نشر رسالة التوحيد ووحد الامة بعد ان كانوا قبائل متناحرة. فما السر في نجاح دعوة الرسول العربي في إقناع قومه العرب – اصحاب النخوة والشجاعة والكرم- في قبول دعوة التوحيد وإخفاق الآخرين من الرسل قبله؟ يعود ذلك إلى الآتي:
1- تميز شخصية الرسول العربي وتفردها بصفات وسمات أهمها الاخلاق العالية في التعامل مع الآخرين بامانة وصدق وإخلاص “فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك” (آل عمران ١٥٩) “وإنك لعلى خلق عظيم” (القلم ٤).
وعن اثر هذه الشخصية العظيمة في حياة العرب يقول الاستاذ احمد ميشيل عفلق “أن حركة الإسلام المتمثلة في حياة الرسول الكريم، ليست بالنسبة إلى العرب حادثاً تاريخياً فحسب، تفسر بالزمان والمكان والأسباب والنتائج، بل أنها لعمقها وعنفها واتساعها، ترتبط ارتباطاً مباشراً بحياة العرب المطلقة، أي أنها صورة صادقة، ورمز كامل خالد لطبيعة النفس العربية وممكناتها الغنية واتجاهها الأصيل، فيصح لذلك اعتبارها ممكنة التجدد دوماً في روحها، لا في شكلها وحروفها، فالإسلام هو الهزة الحيوية التي تحرك كامن القوى في الأمة العربية، فتجيش بالحياة الحارة، جارفة سدود التقليد وقيود الاصطلاح مرجعة اتصالها مرة جديدة بمعاني الكون العميقة”.
٢- عالمية الرسالة: حيث توجه بها الى الناس اجمعين فلقد كان الرسول العربي والرسالة الايمانية التي حملها العرب رحمة مهداة للخلائق جميعا .
٣- كان يتصف بجوامع الكلم ، يتكلم بالقول الموجز القليل، الكثير المعاني.
٤- كان الرسول قدوة حسنة لأصحابه وقومه – قولا وعملا- فكان قدوة في الحياة اليومية كما في القيادة والحكم، قدوة في السياسة والعسكرية والحرب، وقدوه في التسامح والعفو عند المقدرة وتحمل المسؤولية صابرا محتسبا.
5- اتباع الرسول العربي منهجيات مختلفة وأساليب متنوعة في التخاطب مع قومه العرب من اجل نشر الدعوة – كالاستفهام والاستجواب واعتماد الحوار.
لذا كان لشخصية الرسول الكريم وهو القائد العربي الملهم، الأثر الكبير في تغيير سلوك الناس وإقناعهم بدعوته الإيمانية.
وقد اعتزّ الصحابة والقادة الاوائل من المسلمين بالعروبة فكان من شدة اعتزاز الخليفة عمر بن الخطاب مثلاً بالعروبة قوله: تعلموا العربية فإنها تنبت العقل وتزيد من المروءة. كما قال عن الإسلام كدين وعقيدة: نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فإن ابتغينا العزة بغيره اذلنا الله. لذا كان العرب المادة المؤهلة لحماية رسالة الإسلام وعقيدتها في التوحيد لذا انتشر الاسلام بهم.
ولقد أذهلت هذه الشخصية المعجزة والمميزة للرسول الكريم الكثير من مفكري العالم والمسلمين والعرب ومنهم الاستاذ احمد ميشيل عفلق الذي كان يرى أن الإسلام مرتبط بالعروبة وبالعكس، ارتباط الروح بالجسد -العروبة جسد روحه الإسلام. وقد جسد وترجم هذا الإعجاب بشخصية الرسول المعجزة خطابه في جامعة دمشق سنة ١٩٤٧م في ذكرى مولده الشريف قوله: كان محمد كل العرب فليكن كل العرب اليوم محمداً. وكان يقول إن الإسلام تجدد للعروبة وانقلاب في المجتمع العربي والعقلية العربية فالدين في صميم القضية العربية والمواطن العربي الذي نعمل لتكوينه.
وقد تميّز في تحليلاته ورؤيته للعلاقة بين العروبة والاسلام بتأكيده على ” ان الامة العربية قد عرفت بذلك تجربة تاريخية استثنائية وذلك من خلال تلك الملحمة العظيمة المتمثلة في الإسلام، والذي انتقلت معه الأمة الى ذلك التكامل الذي كانت فيه الروح قوة محركة للواقع، ووضعت التجربة الحضارية التاريخية على طريق الدور الرسالي، وكانت من نتائجها حصول الوحدة بين التاريخ والرسالة”.
كما يقول “فملحمة الإسلام لا تنفصل عن مسرحها الطبيعي الذي هو أرض العرب، وعن أبطالها والعاملين فيها وهم كل العرب ….. إن الله قادر على أن ينزل القرآن على نبيه في يوم واحد … وهو قادر أن يظهر الإسلام قبل ظهوره بعشرات القرون، وفي أية أمة من خلقه، ولكنه أظهره في وقت معين وفي حينه، واختار لذلك الأمة العربية وبطلها الرسول العربي، وفي كل ذلك حكمة، فالحقيقة الباهرة التي لا ينكرها إلا مكابر، هي إذا، أن اختيار العرب لتبليغ رسالة الإسلام، كان بسبب مزايا وفضائل أساسية فيهم، وأن اختيار العصر الذي ظهر فيه الإسلام كان لأن العرب قد نضجوا وتكاملوا لقبول مثل هذه الرسالة وحملها الى البشر”.
إن هذه العلاقة العميقة، بين المفكر القومي، وتاريخ الأمة، قد أنتجت رؤية جديدة لعلاقة العروبة بالإسلام.. ذلك لأنه، لم يفكر بالعروبة معزولة عن تاريخها ورسالتها، ولم يفكر بالإسلام معزولا عن مهده التاريخي، فرأى عظمة العروبة في الإسلام، ورأى الإسلام فكرا وإيمانا وإنجازا وهو يمثل اكثر صفحات التاريخ العربي أهمية وإشراقا..
فحسم بذلك قضية الوحدة العضوية بين العروبة والإسلام، وما كانت عروبة الإسلام، إلا نتيجة للمستوى الذي بلغته الأمة إبان عصر الرسالة، ونتيجة استعداد أبنائها لتحمل ذلك الدور التاريخي الانقلابي الخطير..
كما تأثر بالثقافة التي تربط العروبة وارثها الرسالي -عقيدة وتراثًا- قادة ومناضلون كثر ومنهم المناضل الجزائري الشيخ الثائر ضد الاستعمار الفرنسي عبد الحميد بن باديس وقد تجسد ذلك في قوله: “الإسلام ديننا والعروبة لغتنا والجزائر وطننا”. وكان ابن باديس قد ضحى بحياته في سبيل الثلاثية الخالدة الإسلام والعروبة والجزائر. وكان الشعار الذي رفعه أمام الفرنسيين: الجزائري مسلم وإلى العروبة ينتسب. وينطبق الاعجاب بشخصية الرسول العربي القائد على فلاسفة عالميين كثر فلقد قال برنادشو الفيلسوف والحكيم الأيرلندي عنه “لو كان محمد موجودا الآن لحل كل مشكلات العالم.”
وقد ارتفع برسالة الاسلام شأن العرب وامتد نفوذهم شرقا وغربا فتكونت أكبر حضارة -عربية اسلامية انسانية- التي استمرت حتى الاحتلال الاجنبي على يد هولاكو المغولي ببغداد وسقوطها سنة ١٢٥٨ من خلال خيانة “ابن العلقمي الوزير الفارسي على امل حصوله على امارة بغداد بعد قتل الخليفة العباسي المستعصم الذي سلم بغداد لهولاكو بسلام من دون حرب. لقد كان عدد جيش هولاكو الذي استباح بغداد ٢٠٠ ألف جندي فأكثر فيها الخراب والفساد وازال كل معالم الحضارة في هذه المدينة الحضارية. وقد بلغ عدد القتلى ما يقارب المليون. وقد دام حكم المغول ما يقارب 150 سنة (1258-
1396). ثم جاء الصفويون الذين أسقطوا حكم المغول على يد مؤسس الحكم اسماعيل الصفوي الذي امعن بالعرب والمسلمين القتل والتنكيل بحيث بلغ عدد الضحايا ما يقرب من المليون نسمة. واستمر حكم الصفويين من ١٣٩٦ حتى ١٧٢٢، ثم جاء العثمانيون الذين أقاموا الخلافة العثمانية التي استمرت أكثر من خمسة قرون امتد نفوذها بقاع العالم حتى أوروبا. لقد اتجه العثمانيون في الحقبة الأخيرة لخلافتهم إلى التعصب القومي باتباع سياسة تتريك الاقوام التي تحث نفوذهم مما دعا إلى ظهور حركات قومية منها “المشروع القومي العربي” الذي طالب بتصحيح البيت العثماني على أساس المساواة بين شعوب الإمبراطورية ومنح ولاياتها قدراً من الاستقلال الذاتي.
ويرى خالد شوكت العروبي بان المشروع القومي العربي…دعا إلى حصول العرب الاستقلال والوحدة العربية. ولما لم يجد قادة المشروع القومي استجابة من السلطة العثمانية المركزية، تحالف البعض مع الإنجليز على أمل الحصول على الحرية والوحدة لوطنهم العربي. الا أن الحلفاء بعد انتصارهم على الاتراك خالفوا العهد ولم يفوا بالوعود التي قطعوها للعرب ، فاحتلوا البلاد العربية وقسموها من خلال معاهدة سايكس- بيكو عام 1916 إلى دويلات وأقطار متعددة مستقلة شكليا ومسيرة من قوى الاستعمار الأوروبي. واستمر الغرب ولاسيما بريطانيا بمعاداة العروبة فأصدر بلفور وعده المشؤوم 1917 بمنح اليهود وطنا مؤقتا في قلب الوطن العربي في فلسطين.
وقد مارس الاستعمار الأوروبي مع البلاد العربية شتى الوسائل اللاأخلاقية واللاإنسانية من تجزئة وتجهيل ونهب للموارد وافقار واشاعة الطائفية والمذهبية في الوطن العربي. وقد شهدت الفترة بين الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية ارهاصات وانتفاضات وثورات في الوطن العربي ضد قوى البغي والطغيان. اما دور أمريكا في قيادة السياسة الخارجية للغرب وتأثيرها على الوطن العربي فلقد برزت بوضوح بعد الحرب العالمية الثانية بتبنيها والتزامها بفكرة الوطن القومي لليهود في فلسطين فكانت أول دولة في العالم تعترف بالكيان الصهيوني عام 1948.
ومنذ ذلك التاريخ ازداد نفوذ أمريكا في المنطقة واستمر التدخل في تطلعات الشعب العربي في الوحدة العربية والحرية. وقد وضح ذلك في موقفها المعادي لثورة مصر 1952 وموقفها المناهض والمعادي للوحدة التاريخية بين مصر وسوريا وتامرها المستمر عليها مما ادى إلى كارثة الانفصال والعودة إلى التجزئة. وقد وصلت التهديدات والتدخلات الأمريكية السافرة ذروتها حينما تجاوز العراق الخطوط الحمراء في مجال النهضة والتنمية الشاملة وبناء الانسان. فحشد الغرب بقيادة أمريكا 33 دولة من دول العالم لضرب العراق وقواه العسكرية الرادعة وخططه التنموية وتوجهه القومي العربي.
لقد تبين من هذا العرض التاريخي لمسيرة العروبة وتاريخ الرسالة منذ بزوغ الاسلام وحتى سقوط الخلافة العباسية واحتلال بغداد 1258، ان النصر حليف العروبة وارثها التاريخي الرسالي وكلما ازداد التوافق والتقارب بينهما يقوى العرب وبالعكس حدثت الكوارث والنكبات كلما ضعفت الروابط بينهما. فهما صنوان لا يفترقان.
إن قوام هذه الوحدة ذات الرسالة الخالدة وجود عوامل مشتركة هي:
١- اللغة العربية
٢- التاريخ المشترك الذي يعد من اهم الروابط الثقافية. فالحضارة العربية الإسلامية لا تزال ذكراها حاضرة في تاريخ البشرية يعتز بها العرب وتشهد لها الحضارة العالمية، وقد لخص الشاعر صفي الدين الحلي اهم سمات العرب في ذلك التاريخ حين قال:
قوم إذا استخصموا كانوا فراعنة يوما وان حكموا كانوا موازينا
بيض صنائعنا سود وقائعنا خضر مرابعنا حمر مواضينا
إنا لقوم أبت أخلاقنا شرفاً أن نبتدي بالأذى من ليس يؤذينا
٣- الوطن المشترك الواحد الممتد من المحيط الى الخليج والذي يعد المهد والحاضنة الموحدة للعرب.
٤- المصالح المشتركة والمصير الواحد: ان التحديات المصيرية والمشاكل المشتركة – اقتصاديا وعسكريا وأمنيًا واجتماعيا وثقافياً – والموقف من الاستعمار والتدخلات الاجنبية في بلاد العرب والدعاية الاجنبية للاساءة الى الاسلام وتشويه صورة العرب من خلالها، هي من العوامل الموحدة والداعية الى الاعتصام بحبل الله جميعا وتجنب التفرقة والخلاف .
وعلى الرغم من كل هذه الروابط المشتركة والعوامل الموحدة بين العروبة وتاريخ الامة الرسالي الا أننا نجد ان البعض يحاول اقحام اختلاف وتباين مفتعل سواء في القيم او في طبيعة الحكم وفرضه على الواقع السياسي في وقت الامة فيه باشد الحاجة الى الوحدة والتكاتف ورص الصفوف.
وقد نبه المفكر القومي العروبي الأستاذ عفلق الى خطورة ذلك منذ وقت مبكر، وعبّر عن موقف جديد، إذ رأى أن الذين يتمسكون تمسكاً شكلياً بالماضي والذين يرفضونه، إنما يفتعلون قضية وهمية لأن “المشكلة النظرية التي تقوم في أذهان البعض، على الاختلاف بين الاستمساك بالماضي والتحرر منه، هي مشكلة وهمية، يكفي لتبريرها أن توضح، فالماضي الذي تحن إليه الأمة، وتجد فيه ثروة لها وقوة، هو الزمن الذي تحققت فيه روحها، والمستقبل الذي يناضل التقدميون في سبيل بلوغه، ليس إلا ذلك المستقبل الذي تستطيع فيه الروح العربية، أن تتحقق من جديد”.
إن الوضع المرير للواقع العربي في فلسطين واليمن وليبيا وسوريا ولبنان وقبل كل ذلك العراق، يستدعي النهوض بهذه الاقطار وبالعراق المنكوب خاصة والنضال من اجل معركة التحرير والحرية والوحدة العربية ورسالتها الخالدة. ان اعداءنا يعرفون قدرات الامة العربية الكامنة، ولنا في اقوالهم عبرة وخبرة كقول كيسنجر للصهيوني بيغن: “إني أسلمك أمة نائمة، امة تنام ولكنها لا تموت، أن استيقظت، أعادت بسنوات ما اخذ منها بقرون”.
إن أملنا كبير بالجيل الجديد من الشباب الواعي للتبعية والفساد المتفشي في الوطن العربي وخاصة ذلك الذي يقوم به حكام المنطقة الخضراء في العراق -عملاء الاستعمار وإيران- الذين باعوا الوطن للأجنبي. إلا أن الأمة ستبقى حية بأبنائها فكما قال الجواهري:
سينهض من صميم البؤس جيل
شديد البأس جبار عنيد
ولقد بين الاستاذ احمد ميشيل عفلق اهمية علاقة الاجيال الصاعدة بالأسلاف من ارثنا الحضاري الرسالي، في تحرير الامة، الا انه حدد لهذا الدور توافر صفات بعينها لكي تكون روح الرسالة، شرطا نضاليا محركا لنهضة العرب، فان ذلك لا يتحقق إلا بالعمل والصبر والتضحيات، فيقول : إذ “كان انتسابنا لأجدادنا الأبطال انتسابا رسميا لا أكثر، واتصال تاريخنا الحديث، بتاريخنا المجيد، اتصالا طفيليا لا عضويا، اليوم يجب أن نبعث فينا الخصال ونقوم بالأعمال التي تبرر نسبنا الرسمي ونجعله حقيقيا مشروعا، يجب أن نزيل ما استطعنا من حواجز الجمود والانحطاط حتى يعود الدم الأصيل المجيد فيتسرب إلينا، يجب أن ننقي أرضنا وسماءنا، حتى تستأنس أرواح الجدود الأبطال، فتهبط إلينا وتستطيب الهيمنة فوقنا”.
وهكذا سيثور الشباب العربي عامة والعراقي خاصة ليحرر البلاد والعباد لان التاريخ يخبرنا بأن العراق -شبابا وشيبا- كان في طليعة الشعب العربي في معارك التحرير والعمل الجاد والوحدة العربية. وسيبقى ان شاء الله وشاء الشعب والقدر.