من سجل النضال القومي
البعث في البحرين
طليعة المدافعين عن عروبة الخليج
دكتور حسن العالي
عضو الأمانة العامة لجمعية التجمع القومي الديمقراطي – البحرين
عبر رصدنا في التاريخ الحديث وعلى رغم قلة الوثائق والتوثيق الدقيق، فإن الحوادث والحركات التي شهدتها البحرين منذ مطلع القرن الماضي تشير في مدلولاتها وتوقيت حدوثها بوضوح إلى وجود ترابط بينها وبين ما يدور على ساحة الوطن العربي، فالحركة الإصلاحية التي برزت في العام 1920 لم تكن معزولة عن حركة التحرر العربية التي انبثقت قبيل وبعد الحرب العالمية الأولى التي ارتبطت بداياتها بمواجهة سياسات التتريك العثمانية وتواصلت إثر وضع اتفاقات (سايكس بيكو) موضع التطبيق، كذلك عندما نراجع دستور نادي العروبة الذي تأسس العام 1939 نجد تأثره الواضح بالأفكار القومية التي كانت تتمخض منذ منتصف الثلاثينات وتشكلت على شكل حركات أولية كتأسيس منظمة الأحياء العربي على يد المرحوم صلاح البيطار وانسحبت الأفكار نفسها لتنعكس على نادي العروبة.
ولا ننسى أن مفكرين قوميين من البحرين عاصروا البدايات الأولى لتأسيس حزب العربي الاشتراكي منذ تأسيسه في العام 1947 كالدكتور علي فخرو والأستاذ ماجد الجشي ثم حمد الصباح وجاسم بن محمد فخرو وعبد الله كمال رحمهم الله تعالى الذين يعتبرون من القيادات التاريخية للبعث في البحرين وهم جميعا كانوا يحملون أفكار البعث منذ الأربعينات والخمسينات. ثم لا ننسى هيئة الاتحاد الوطني خلال الفترة من 1954 – 1956 إذ تأثرت قيادتها مثل: الباكر والشملان والموسى بالأفكار القومية الناصرية والبعثية السائدة آنذاك وقد وردتنا معلومات عن علاقة الشملان بمؤسس البعث الاستاذ ميشيل عفلق بالذات بعد انتهاء فترة النفي التي قضاها.
فترة الخمسينات وبلورة الحركات القومية
شهدت فترة الخمسينات تبلور الحركات القومية في البحرين على شكل أحزاب، فقد تأسس حزب البعث الاشتراكي في البحرين والتيار الناصري أو حركة القوميين العرب. وإذا كان حزب البعث قد تأسس مع عودة الطلبة البحرينيين من الخارج بعد منتصف الخمسينات فإن حركة القوميين العرب وكما يذكر فلاح الديرس في كتابه حول الحركات والجمعيات السياسية في البحرين أنها تأسست عام 1959 كما يبرز لنا التاريخ شواهد حية على المشاركة الرئيسة للتيارات القومية سواء البعثية أو الناصرية في انتفاضة مارس 56 في البحرين. ووجود نشاط بعثي وأن كان فردي فيما قبل منتصف الخمسينيات أسهم في دفع العمل الوطني في البحرين للتقدم للأمام، حيث أسهمت العناصر البعثية في حركة الاتحاد الوطني المجيدة خلال الأعوام 1954 – 1956.
بطبيعة الحال، كان النضال الوطني للبعث في البحرين مع نهاية الخمسينيات منصب على الأوضاع المعيشية والعمالية، علاوة على مواجهة التهديدات الإيرانية ومطالباتها بالبحرين، وانعكس ذلك على احتكاكات مع العناصر الإيرانية في البحرين، والشعارات التي كانت تعلن باسم البعث آنذاك.
وتشير مصادر غير موثقة أن تنظيم البعث في البحرين تنام بصورة مؤثرة وواضحة مع نهاية الخمسينيات ومطلع الستينيات. وتؤكد هذه الحقيقة مشاركة تنظيم البعث في البحرين بصورة فاعلة في قيادة انتفاضة مارس 1965 المجيدة في البحرين التي اندلعت على خلفية قيام شركة النفط (بابكو) بتسريح العشرات من العمال البحرينيين. وكان تنظيم البعث في البحرين في تلك الفترة نشطا للغاية وله وجود في صفوف العمال والمدرسين والنسوة خاصة في القرى وبالذات في المحرق، وصدرت عنه بيانات حول الانتفاضة وغيرها من الأمور الخاصة بأوضاع البحرين حيث كانت تلك البيانات تصدر تحت اسم منظمة الطليعة، وسقط شهداء محسوبين على البعث آنذاك، كما تعرضت عناصره للملاحقات والاعتقالات.
عودة لتنظيم البعث في الستينيات، يمكن القول أن ردة شباط 1966 كان لها تأثير مفصلي على مسيرة تنظيم البعث في البحرين، وانعكست بصورة انشقاق في التنظيم، حيث بقت مجموعة على ولائها للقيادة القومية للحزب، في حين انضمت مجموعة أخرى للشباطيين. وظلت أوضاع الحزب في البحرين في مرحلة مراوحة وسكون على خلفية هذه التطورات، حتى قيام ثورة الحزب في العراق في 17 تموز / يوليو 1968، حيث باشرت القيادة القومية بعد الثورة بإعادة بناء تنظيم الحزب في البحرين، فتولت قيادة جديدة مشهود لها بالنضال الوطني والقومي مسؤولية التنظيم، وراح البعث ينشط من جديد في صفوف فئات الشعب كافة.
وكانت من أبرز نضالات البعث في تلك الفترة هي تصديه للدعاوي والمطالبات الإيرانية بالبحرين بعد إعلان بريطانيا الانسحاب من مستعمراتها في الخليج، حيث كان لحركة البعث في البحرين والقوميون بصورة عامة دور مؤثر في توجيه الرأي العام الشعبي نحو رفض كافة الدعاوي الإيرانية والتأكيد على عروبة البحرين، و حظيت هذه النضالات بدعم حزب البعث العربي الاشتراكي في العراق، ودعم مصر برئاسة عبد الناصر، وتوجت بإعلان استقلال البحرين عام 1971 أثر الاستفتاء الذي أجرته الأمم المتحدة.
بعد إعلان الاستقلال، أعلن الحكم عن تأسيس مجلس تأسيسي عام 1972 يتم انتخاب أعضاءه بشكل مباشر. وتولى هذا المجلس وضع أول دستور للبلاد عام 1973 ينص على شرعية حكمها للبحرين من جهة، وعلى انتخاب برلمان تشريعي يتشكل نحو ثلثيه عن طريق الانتخابات المباشرة في حين يشكل ثلثه الأخير أعضاء الحكومة. وقد ترأس المجلس التأسيس المرحوم حسن الجشي، أحدى الشخصيات الوطنية والقومية المرموقة في البحرين.
وجرت الانتخابات البرلمانية عام 1974، حيث نجحت في الوصول إلى قبة البرلمان العديد من العناصر القومية المخلصة القريبة من فكر الحزب، والتي أسهمت بصورة فاعلة في أغناء التجربة البرلمانية، وكان لها مواقف وطنية مشهودة وفاعلة في مسيرته. وبعد حل المجلس الوطني، شاركت منظمة حزب البعث في البحرين مع كل من الجبهة الشعبية في البحرين وجبهة التحرير الوطني البحرانية في إصدار البيانات المشتركة المطالبة بإعادة الحياة البرلمانية، حيث تعرضت كوادر المنظمة للاعتقال والملاحقة آنذاك.
ويجب أن ننوه هنا أنه وأثر نجاح ثورة الحزب في العراق، بدأت حركة نشطة وواسعة لتنظيم البعث في البحرين لتوجيه الطلبة خريجي الثانوية لتكملة دراستهم الجامعية في العراق خاصة أن البحرين لم يكن يوجد بها جامعات آنذاك. وتدفق على الدراسة في العراق مئات الطلبة في بغداد والبصرة والموصل والسليمانية.
لقد أحدثت هذه الخطوة نقلة نوعية في عمل تنظيم البعث في البحرين، حيث بدأ العشرات من الرفاق بالتخرج حاملي معهم شهادات في مختلف التخصصات، وانخرطوا في صفوف الحزب في البحرين، مما وفر شريان دافق بالحياة لانتشار وتصلب عود الحزب في البحرين.
لقد شكلت جملة التطورات الوطنية والقومية في السبعينيات، خاصة مع إشراقات إنجازات الحزب في العراق، وتطور تجربته في البناء والاستقلال الوطني (تأميم النفط، بيان آذار، مشاركة جيش العراق في حرب تشرين ،وغيرها..) وجملة مواقف القيادة القومية المتقدمة والمميزة تجاه مختلف القضايا القومية، لقد شكلت بمجملها، علاوة على عودة الطلبة البحرينيين البعثيين المتخرجين من العراق، أرضية خصبة لانتشار الحزب في البحرين في مختلف القرى والمدن والأجهزة الحكومية والخاصة، مع امتداداتها الأهلية والنقابية من نادي العروبة والعمال والطلبة وغيرها.
وسط هذه الأجواء، حدث التغيير في إيران عام 1979، ليجيء بالنظام الطائفي. لقد مثل هذا التغيير رافعة المخطط الإمبريالي الصهيوني وقاطرته التي اتخذت من عدوان النظام الإيراني على العراق، منطلقا لتدمير الأمة العربية ونضالها القومي في كافة ساحات الوطن العربي، بما في ذلك، وأساسا ساحات الجزيرة والخليج العربي نظرا لتواجد “الشيعة” في هذه البلدان ودغدغت عواطفها الطائفية تحت شعارات الثورة الإسلامية.
في ظل هذه الظروف، واجهت القوى القومية عموما، وتنظيم الحزب في البحرين على وجه الخصوص، حالة من العداء المتعدد الأوجه، والتي شكلت في مجملها حالة من الارتداد عن ثوابت ومنجزات النضال الوطني الديمقراطي والقومي في الساحة الوطنية.
وجاءت احداث 1990 لتشكل معضلة أخرى أمام العمل القومي في البحرين نتيجة اتخاذ القوى المعادية الحرب مبررا للتكالب وضرب تجربة البعث في العراق من خلال العدوان الثلاثيني بهدف التمهيد للإجهاز على الفكر والعمل القومي وإنهاء أي مكتسب من المكتسبات القومية التي تحققت خلال العقود الماضية، وصولا إلى احتلال العراق عام 2003.
وفي عام 2002 بدأت البحرين تجربة العمل السياسي العلني، حيث عمل رفاقنا وأصدقاؤنا والشخصيات المؤمنة بالعمل القومي في البحرين بتأسيس التجمع القومي الديمقراطي عام 2003 ، وهو يعتبر بحق تجربة غنية وتاريخية، على الرغم من حداثتها النسبية، جديرة بالدراسة والتقييم والتطوير.
إن التجمع القومي الديمقراطي في توجهاته الفكرية والسياسية الأساسية هو امتداد لمسيرة البعث في البحرين كما يضم بين جناحيه الشخصيات المستقلة المؤمنة بالفكر القومي، ومن خلاله نسعى لاستنهاض دوره في خدمة وطنه وأمته، ونجتهد لتحقيق هذا الهدف من خلال مواقفنا الوطنية والقومية المعلنة والتي نعتقد أنها محط احترام القوى السياسية الأخرى، كونها تنطلق أولا وأخيرا من مصلحة شعبنا في البحرين والوطن العربي».