سلسلة منجزات ثورة ١٧ – ٣٠ تموز
” استجابة للتحديات القومية وتلبية طموحات التنمية الوطنية “
الحلقة الثالثة
جيش العراق الوطني ، جيش الأمة العربية
إنه جيش العراق الابي الذي لم ينكسر يوما ولم تثبت عليه ثلمة في سفره الوطني والقومي الخالد عبر سني كفاحه المسلح ضد الطغاة والغزاة، ضد المعتدين والطامعين بأرض العراق وارض العرب ..
إنه جيش العراق .. جيش الامة العربية اينما اقتضت ضرورات قتاله .. سيبقى كما كان رغم الكبوة التي اصابته في صميم فؤاده عندما أمر ذلك الغريب الشرير بحلِّ كيانه بعد أن وطأت اقدام الغزاة ارض العراق عام 2003. وسيبقى جيش العراق بالرغم من كل ذلك هو المدد لكل العرب .. فعقيدته راسخة وتأريخه عريق، وتدريب مقاتليه وخبرتهم لا مثيل لها بين جيوش الارض في عصرنا الراهن.
الجيش العراقي الباسل ، جيش الوطن الغالي ، وجيش الامة العربية المجيدة ، هو نفسه الجيش البطل الذي قاتل المحتل الأميركي الغاشم بعد ان قدمت جيوشه الجرارة من اقصى غرب العالم. وهو الجييش الذي رفد المقاومة الوطنية العراقية، بكل اطيافها، بعوامل الحياة والصمود حتى تمكنت من إلحاق الهزيمة المنكرة بأقوى جيوش العالم على الاطلاق وفرضت عليه الهرب من ارض الرافدين عام 2011.
إن من يستعرض تأريخ جيش العراق يقف مذهولا أمام هذا السفر الخالد من الأمجاد والبطولات وصور العز والمجد والفخار وملاحم الآباء والشمم التي سطرها عبر تاريخه المجيد وبسجل مليء بأحرف من نور. ذلك السجل الناصع من الوفاء لتربة العراق وأرضه ومائه وسمائه. ويشعر بالفخر والزهو لتلك المواقف البطولية في الدفاع عن ارض العراق ووحدته وفي الدفاع عن ارض العروبة وعن المقدسات وقيم ومبادئ الدين الحنيف.
إن هذا السفر البطولي الخالد لم تثلمه الملمات والخطوب، ولم يسجَّل على هذا الجيش أي موقف شائن حتى وان تكاثرت الخطوب والنوائب، فهذا الجيش كان عنوانا للوطن ، بل انه بات مرادفا للعراق، فلا يذكر اسم العراق إلا وذكر معه جيشه الوطني الباسل.
وعلى الرغم من أن هذا الجيش تشكل في ظل الاحتلال البريطاني، إلا انه لم يرضخ يوما لإرادة المحتل. كما لم يسجل التاريخ انه كان يوما تابعا له، أو انه كان يأتمر بأوامره، أو انه وقف مع المحتل ضد إرادة شعب العراق. بل على العكس من ذلك تماما كان جيش العراق في طليعة المخلصين من أبناء الشعب لمقاومة الاحتلال وقيادة انتفاضاته وحركاته المسلحة ضد المحتل البريطاني وعملائه، وقدم في سبيل ذلك كوكبة من الشهداء في حركات مايس عام 1941. كما واصل هذا الجيش كفاحه للتحرر من الاستعمار وطرد المحتلين وقد تم له ذلك في ثورة 14 تموز 1958.
إن جيش العراق بتأريخه المشرف ومواقفه المبدئية الثابتة على الحق كان عنوانا دائما للوطن ودرعاً لوحدته وحمايته ووعاءً كبيراً لمكوِّنات الشعب التي انصهرت لتكوِّن جيش العراق الذي كان وما يزال يمثل كل العراقيين. وقد ارتقت مهام القوات المسلحة العراقية إلى أعلى وأسمى المهام الوطنية والقومية، حيث أوكل لها عبر مراحل سفرها التاريخي الخالد مهمة الدفاع عن حياض الوطن ضد كل أنواع التهديدات الخارجية للحفاظ على حدوده وسلامة أراضيه واستقلاله وسيادته الوطنية. واينما دعت الحاجة القومية له.
فكانت القوات المسلحة العراقية سور الوطن العالي وسياجه المتين وحصن الأمة المنيع. وكانت الأدوار الداخلية وواجبات الامن الداخلي التي كلفت بها المؤسسة العسكرية العراقية تترابط وتتكامل لتجعل الجميع بمختلف الرتب والمناصب ذوي أهمية ومسؤولية مهمة مهما كان الدور، صغيراً على مستوى القاعدة أو كبيراً في أعلى الهرم. فالقوات المسلحة العراقية قامت على اسس أخلاقية متينة ارتكزت على النُبل والمهنية والفروسية والقيم الأخلاقية العالية، وعلى أساس تنظيمي هرمي، فالرتب العسكرية الممنوحة للمستويات القيادية المختلفة كانت تعتمد على المهنية والتميز في الاداء والانتماء الوطني بغية تحقيق الأهداف الوطنية ضمن سياقات وأنظمة العمل المعتمدة في هذه المؤسسة الوطنية الكبيرة التي تقع عليها المسؤولية الأولى والمهمة الكبرى في الدفاع عن حياض الوطن والأمة.وهنا لابد من الاشارة الى نقطتين مهمتين في هذا المجال وهما:
1. الدور البارز للقيادة السياسية العراقية في وضع وتحديد الاهداف الوطنية والقومية للجيش العراقي خاصة في بداية عقد السبعينات من القرن الماضي وكما يشير اليها واحد من ابرز قادة القوات المسلحه العراقية، وهو الفريق الاول الركن عبدالجبار شنشل يرحمه الله، حيث يشير الى ان التحديد الدقيق والواضح لأهداف ومهام وواجبات القوات المسلحة ساهم في القرار على حجم القوات المسلحة واساليب اعدادها ونوعية الاسلحة الملائمة لتنفيذ تلك المهام والاهداف اضافة الى عقيدة القتال.
2. الجهد الواسع والكبير للقيادة السياسية في تأمين الاموال والامكانيات لشراء وتأمين الاسلحة والمعدات والتجهيزات اللازمة لعمل القوات البرية والجوية والبحرية من مختلف المناشئ وهي الرائدة في رفع الشعار الحاسم في الحرب بأننا ( نربح المعركة عندما نهيئ مستلزماتها وعندما تكون ادارتها صحيحة ) .
كما أن التدريب والضبط العسكري كانا يمثلان الأساسان الراسخان في بناء القوات المسلحة العراقية. فالتدريب العسكري يخلق الشخصية العسكرية ، ويحقق التفاعل الحي بين المقاتل وسلاحه ومعداته العسكرية من ناحية ، مثلما يطور المهارات المتعددة والمتنوعة ، وهو احد أهم مقومات النصر، فكان ضمانة لتحقيق الاقتدار والانتصار. وكذلك فقد كان الانضباط العسكري يمثل العمود الفقري للجيش العراقي. كما إن الولاء للمؤسسة العسكرية وعبر الولاء للوطن ، كان ولاء كامل ومطلق ، فحين يقسم العسكري على وضع حياته في خدمة وطنه لا يعود بإمكانه تجزئة هذا الولاء أو جعل الالتزام به نسبيا تبعاً لمصلحة ما أو لظرف أو طرف ما ، فأي ولاء ناقص أو مجتزأ يشكل خيانة للقسم وللشرف العسكري ، بل خيانة للوطن.
هكذا كان السفر الخالد لجيش العراق الوطني الذي استلهم عقيدته من اتجاهات عديدة ، ومنها الاتجاهات الايمانية والتاريخية والقومية والوطنية. ولعل أهمها انبثاقها من العقيدة الايمانية للإسلام الحنيف ومن التاريخ المجيد للجيش العراقي منذ أقدم العصور ومرورا بتراث الجيش العربي الاسلامي في عهد الفتوحات الاسلامية ومآثره الخالدة ومنظومة أخلاقه المثالية وصولا الى تجاربه المتميزه في العصر الحديث.
ونجد ملامح هذه العقيدة الايمانية حتى في تسميات قيادات الفيالق والفرق والالوية والوحدات، وتركيز القيادة العامة للقوات المسلحة على تفهم منتسبي الوحدات لتلك المعاني والدلالات التي تمثلها هذه التسميات.
فمنذ تأسيسه اعتمد جيش العراق الوطني تسميات الرموز الدينية والتاريخية اللامعة في تراثنا الثر وتأريخ امتنا المجيد، فقد سمي أول فوج تشكل فيه عام 1921 بفوج موسى الكاظم. وخلال مراحل نمو وتطور الجيش العراقي أخذت مسميات وحداته تسمى بأسماء القادة العظام في الاسلام ومسميات المعارك الكبرى التي كانت بمثابة الفاصلة في تأريخ حركات التحرير والفتوحات الاسلامية. فكان اسم الفيلق الاول ( قيادة عمليات الرشيد ) ، والفيلق الثاني ( قيادة عمليات اليرموك ) ، والفيلق الثالث ( قيادة عمليات القادسية ) ، والفيلق الرابع ( قيادة عمليات حطين ) ، والفيلق الخامس ( قيادة عمليات عمورية ) . اما على صعيد قوات الحرس الجمهوري، فكان الفيلق الاول للحرس الجمهوري باسم ( قيادة عمليات الله اكبر ) ، بينما تم تسمية الفيلق الثاني باسم ( قيادة عمليات الفتح المبين ) .
وأخذت قيادات الفرق تسميات مختلفة منها، قيادات ابو عبيدة الجراح، خالد بن الوليد، صلاح الدين، القعقاع، محمد بن القاسم، سعد بن ابي وقاص، المثنى بن حارثة، المقداد، طارق بن زياد، سارية الجبل، المدينة المنورة، وغيرها. وتم تسمية بعض الالوية والوحدات بمسميات رمزية مثل لواء ابن الوليد وكتيبة دبابات علي، الحسن، الحسين، والمنصور، وغيرها.
المعايير الاساسية في بناء الجيش العراقي الوطني
البناء الاجتماعي
كانت القوات المسلحة العراقية الوطنية تمثل قوّة العراق ومبدأ صموده، وهي تتقدم طليعة المؤسسات الوطنية في تطبيق مبادئ العدالة والمساواة بين صفوفها ، هذه المؤسسة التي انبثقت من الشعب وضمت في ثناياها أبناء الوطن من مختلف الشرائح والمناطق ، تتساوى بينهم الحقوق والواجبات، ويتعزز فيهم الانتماء للوطن. ويأتي دور هذه المؤسسة الكبرى في ترسيخ هذا الانتماء من خلال تحقيق التفاعل الحي والتواصل المتين بين أبناءها من جهة وبين عموم أبناء الشعب من جهة أخرى باعتبارها طليعتهم في الدفاع عنهم.
فقد كانت حياة العسكري داخل معسكره حياة الجهاد المستمر الذي لا يلين ولا يستكين ، فهو مشروع دائم للاستشهاد من اجل بقاء الوطن عزيزا مستقرا، ومن اجل ضمان عزته وأمنه والحفاظ على استقلاله وتاريخه وتراثه وضمان مستقبل أطفاله. ومن هنا كان ابناء الشعب عموما يقدروا حجم المسؤولية الملاقاة على عاتق هذا البطل الذي كان يؤدي بكل جوارحه تلك المهام الجسام ، كما كان الجميع يقفون إلى جانبه لما يبذله من قساوة وشدة وضغط وسهر. وكانت مهمتهما تكمن في تأمين سلامة كيان الدولة وحماية سيادتها. ومن هذا الدور استمدت الجندية سمو رسالتها وشرف هالتها القدسية.
المؤسسة العسكرية العراقية كانت إحدى أهم المؤسسـات التي يتكون منها البنـاء الاجتمـاعي في أعلى مستوياته. فتتفاعل مع بقية النظم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لتحقيق أهداف المجتمع. ولقد كان الشعار الوطني الجامع لكل العراقيين هو الذي تتزين به كل ثكنات الجيش من ساحات التدريب الى اماكن الراحة، ذلك الشعار الذي يشير الى أن ( العراق وطن الجميع وحماية امنه وسيادته مسؤولية الجميع ) وبالرغم من إن لكل إستراتيجية فنونها، وأساليبها، ووسائلها، وسبل عملها، وأهدافها الخاصة التي تخدم الأهداف والمصالح الوطنية العليا، إلا أن الدور الذي كانت تتولاه المؤسسة العسكرية العراقية في مجالات الدفاع والأمن يعطيها من الخصوصية والأهمية والقدرات ما يفوق تلك المعطاة لسائر المؤسسات الأخرى في البلاد خاصة في ظروف التحديات والتهديدات الخارجية.
فالقوات المسلحة العراقية الوطنية كانت ملزمة بالدفاع عن العراق وعن كافة مؤسساته، بل انها صممت للدفاع عن الامة كلها اينما يتطلب الامر ذلك. وهي بذلك لم تكن تقوم بتأمين الحماية لأشخاص بذاتهم أو مجموعة معينة في الدولة أو الحزب، إنما في موقع الدفاع عن الشعب ومنجزاته وممتلكاته لأنها أصلا منبثقة من إرادة هذا الشعب.
كانت المؤسسة العسكرية العراقية تتمتع بقدسية خاصة بسبب طبيعة الرسالة السامية التي كان يتمسك بها أبناء هذه المؤسسة الوطنية الكبرى المتمثلة في استعدادهم الدائم للتضحية دفاعا عن الوطن والامة العربية المجيدة، فهذه العقيدة كانت راسخة في عقول وضمائر وقلوب كافة ابناء القوات المسلحة. وتأتي هذه القدسية أيضا من طبيعة العمل العسكري ، ومن طبيعة العلاقات التي تسود بين منتسبي هذه المؤسسة داخل معسكراتهم ، ومن السمات والخصال التي يتمسكون بها. فكانوا أهل الشجاعة والإيثار والتعاون وحب العمل الجماعي وروح الفريق الواحد ، وهم أهل النخوة والرجولة التي كانوا يجسدونها في سلوكهم اليومي ، والتي تتميز بهذه الكيفية والصورة الرائعة عن باقي مؤسسات الدولة التي تقدم الخدمات المختلفة للمجتمع. فالجندية هي اكبر من وظيفة أو وسيلة لكسب العيش ، إنما هي رمز لسمو النفس في شرف التعاون والحرص والاندفاع لتحقيق الأهداف الوطنية السامية في الذود عن الوطن والشعب ومقومات وجودهما بعيدا عن المنافع الذاتية والمطامح الشخصية. فالجيش العراقي كان يجمع أبناء المجتمع على اختلاف مناطقهم وانتماءاتهم ويصهرهم في وحدة تستند إلى القيم الكريمة ، والمبادئ القويمة ، والمثل السامية ، والأهداف المشتركة لأبناء الوطن الواحد ، وهي في ذلك كانت تعتمد التربية القاسية والنظام القوي لتجعل من المنضوين تحت لوائها مثالاً للرجولة ، فتمكنوا من الحفاظ على شرف الوطن وكرامته حتى جاء المحتل الأميركي الغاشم بقواته الجبارة والجرارة تسنده كل قوى الشر في العالم لاستهدافه.
البناء التربوي
كان للتنشئة العسكرية دور كبير في تأهيل المقاتلين للقيام بالمهام الموكلة إليهم. وكان التدريب من أهم مستلزمات هذه التنشئة بما تزود به أبناء هذه المؤسسة الوطنية الكبرى من معارف ومهارات وقدرات. هذه التنشئة تضمنت الإبعاد الخلقية والمعنوية. فالمهارات والمعارف قد تصنع مقاتلاً جيداً لكنها لا تكفي لإعداد المقاتل العسكري الملتزم بولائه المطلق لمؤسسته ووطنه ، والمستعد لبلوغ أقصى درجات التضحية في سبيل الدفاع عنه.
واستمدت القوات المسلحة ركائز تنشئة وترسيخ وتأجيج مبدأ الولاء في نفوس أبنائها من القيم العليا للمجتمع ، فالمجتمع العسكري وان كان متمايزاً عن المجتمع المدني ، متمتعاً بخصوصيات عدة ، فهو في الوقت نفسه كان يتكامل مع عموم المجتمع العراقي ، ويتفاعل معه ، ويعمل انطلاقاً من القيم العليا التي تسوده والمبادئ التي كرستها قوانينه وأعرافه ومؤسساته. وكذلك استمدت القوات المسلحة العراقية ركائز هذه التنشئة من خصوصية هذه المؤسسة التي تنبع من قدسية دورها الوطني ومن خصائصها القيمية الكبيرة. والسياسة التوجيهية والمعنوية والفكرية والتثقيفية ، فكانت واحدة من أساسيات ترسيخ مفهوم الولاء الوطني في نفوس المقاتلين. كما لعب القادة بمختلف مستويات القيادة دورا محوريا هاما في هذه التنشئة. فمادتهم الأساسية تمثلت في منتسبيهم الذين كانوا يأتون من مختلف الشرائح والمناطق والمحافظات والقبائل والعوائل ، ومن مختلف المذاهب والأطياف. هؤلاء الذين شكلوا وحداتهم العسكرية بالرغم من الاختلافات العديدة في تنشئتهم البيئية والتعليمية والثقافية والبدنية والاجتماعية. فمنهم من كان يحمل الشهادة الجامعية ومنهم الأقل من ذلك ، ومنهم من كان يجيد السباحة والرماية قبل التحاقهم للجيش ، ومنهم من غير ذلك ، ومنهم من كان متعمق في الالتزام الديني ، ومنهم الأقل من ذلك ، ومنهم من كان يحمل الكثير من المعارف الأدبية والعلمية ، ومنهم من هو عكس ذلك ، ومنهم من كان يحمل مواهب متنوعة ، ومنهم من لا يحمل أية موهبة. وهنا كان يبرز الدور ألتأثيري للقادة في صقل شخصيات وحداتهم العسكرية وجعلهم في بوتقة واحدة من خلال عناصر التنشئة التربوية والتأهيل المهني والعلاقات الإنسانية وتلمس همومهم ومتابعة شئونهم وخلق الشخصية العسكرية الواحدة الموحدة لدى الجميع بغض النظر عن خصائصهم الشخصية والذاتية. والتأكيد بان المؤسسة العسكرية التي كانوا ينتمون إليها هي الحاضنة الأساسية التي يولونها كل ولائهم. وبالتالي فان الولاء لهذه المؤسسة كان يمثل أعلى درجات الولاء للوطن.
وكانت التربية العسكرية تحقق التغلب على الخوف في نفوس المقاتلين ، فإذا تسرب الخوف إلى نفسية المقاتلين وتغلغل في أفكارهم فإنه يقلل من عزيمتهم ويحبط شجاعتهم ، ولذا كان من المهم جداً أن تنمي التربية العسكرية في شخصية المقاتل الشعور بالقوة بين رفاقه ويجعل من نفسه جزءاً من وحدته وعدم الشعور بالوحدة بل يكون فخوراً بجماعته ووحدته ورفاق سلاحه ، وبهذه الطريقة يتغلب الضبط على الخوف وينهيه ، والشعور الجماعي كان يساعد المقاتلين على مواجهة المخاطر والأهوال بلا خوف أو تردد .وقد تميز النظام العسكري العراقي أيضا باستثمار الوقت بدقة متناهية. فكان هناك برنامج يومي دقيق للعمل العسكري في المعسكرات يبدأ منذ النهوض الصباحي وحتى النوم بنشاطات متنوعة ومحددة ضمن توقيتات معينة.وكانت وسائل الثقافة العسكرية المقروءة والمرئية والمسموعة تلعب دورا مهما في الإسهام ببناء شخصية المقاتل القادر على مواكبة مهام الحاضر والمستقبل بكل أبعادها التقنية والمعرفية العسكرية ، والتي لا يمكن بلوغها ما لم يكن المقاتل يتمتع بروح انضباطية عالية ، وفي هذا تكمن أهمية الانضباط العسكري باعتباره حجر الزاوية الذي يبنى عليه الجيش لتحقيق النصر في المعركة والنجاح في التدريب والتعلم والمهام الموكلة. تلك الوسائل الثقافية التي انطلقت بمضامينها التربوية من تعاليم عقيدتنا الإسلامية السمحة ، وأهداف ومبادئ ثورة تموز العملاقة والدستور واللوائح والأنظمة والقوانين العسكرية النافذة دوراً فاعلاً في تعزيز وترسيخ مفاهيم السلوك الانضباطي لدى أبناء القوات المسلحة الذي من خلاله تجلت النجاحات التحديثية المتواصلة ، والاحترام المتبادل بين المقاتلين وعموم مؤسسات المجتمع ..
وكانت أهمية الوسائل الثقافية العسكرية في التربية العسكرية تأتي من خلال التعبئة النفسية وإلقاء المحاضرات وعقد الندوات التوجيهية الوطنية والدينية وذلك لتوعية المقاتل بأهمية القوات المسلحة وأهمية تنفيذ الأوامر بدقة وإخلاص وما يتحمله الواجب الوطني من العناء والاستشهاد من أجل الوطن وحياته وكرامته. والتأكيد على غرس الاعتزاز بالنفس والافتخار بالوحدة . كما كان يتم فيها تعريف المقاتل بالمآثر والملاحم البطولية والسفر الخالد للقوات المسلحة عبر سني كفاحها المجيد ومآثرها الجمة والملاحم البطولية التي خاضتها دفاعا عن الوطن وعن الامة العربية جمعاء.
الكفاءة المهنية
الجيش العراقي الوطني كان يعتمد على منظومة كفوءة في اختيار قادة الجيش بمختلف مستويات القيادة العسكرية ابتداءا من آمر الحضيرة وآمر الفصيل صعودا الى قائد الفرقة والفيلق ، حيث كان لا بد لأي منهم أن يدخل الدورات التدريبية الحتمية والتطويرية التي تؤهله الى تبوء الموقع القيادي فضلا عن التدرج واختبار الخبرة والكفاءة والتقييم. وكان لابد لأي قائد أن يتمتع بسمات الابداع ، والمبادرة ، والمرونة ، والانضباط النفسي ، والثقة ، والبت في الأمور ، والتحمل ، والصبر ، والبساطة ، ورعاية رجاله رعاية نفسية. وهو بعد ذلك كله القائد العادل ، الذي لا تأخذه في الحق لومة لائم ، ولا تغويه مغريات السلطة التي وضعت أمانة في عنقه ، فلا تصده عن السمات النبيلة. وهو الذي لا يتأثر بالظروف الخارجية كافة على حساب تحقيق العدالة بين صفوف رجاله ، والقائد الناجح في جيش العراق الوطني هو الذي كان يمتلك مهارة الثواب والعقاب ، ويعرف كيف يصرفها عندما يتطلب أي منهما التطبيق . وأخيراً فهو القائد الذي كان ينهل من سجايا وصفات قادة الامة العربية الذين افرزهم التاريخ المجيد كل سمات القيادة للقائد الناجح.
ويعتبر الابداع واحدا من أهم السمات التي كانت تؤكد عليه منظومة اختيار القائد العسكري. والابداع هو الرغبة والقدرة على الخلق الفكري والعملي الناجح. وإنه احد النتائج الفعالة والمباشرة للثقة بالنفس وقوة الارادة ، وهما الصفتان الاكثر تألقاً في شخصية وسلوكية القائد الناجح. ففي المنظور العسكري، لا يوجد شيء يرفع من معنويات القطعة العسكرية اكثر من احساس وقناعة المقاتلين بأن قائدهم مبدع ، وقادر على قيادتهم في ظروف غير متوقعة ، ويعمل بسرعة عندما تدعو الحاجة لتدارك المواقف بعمل فوري وحازم وسليم.
ومن السمات التي غلبت على غالبية القادة العسكريين في الجيش العراقي الوطني ، تمثلت في التأثير الانعكاسي الفاعل في نفوس مقاتليهم من خلال سلوكياتهم التفصيلية. فكان القائد دقيقاً في تصرفاته وسلوكه الشخصي اليومي ، ولعل الاعتناء بمظهره الجيد في الاوقات كافة ، حلاقة ذقنه ، اسلوب جلوسه ، وطريقة تناول الطعام ، أولى تلك السلوكية التي كانت تعبر عن دقته في التصرف ، ومدى تأثيره في نفوس معيته الذين كانوا يقتدون به. كما اتسمت اعمال القائد وحركاته باليقظة والنشاط وتدل دوماً على اهتماماته بالقيم والمثل العسكرية. وكانت طبيعة وأسلوب القائد في الكلام مع رجاله ، تترك اثراً بالغاً في نفوسهم. فكان يتفهم الاسلوب الامثل في هذا الصدد ويمارسه بالفعل. ولكن في جميع الاحوال كان ينتقي التعابير البسيطة ، القصيرة ، الايجابية والمباشرة ، مع الابتعاد عن اللغة الخشنة والبذيئة أو المهينة ، وعدم السماح للقادة المرؤوسين في اعتمادها جملة وتفصيلاً. مع وضع الضوابط الصارمة والعملية لتجاوز السب أو الضرب مهما كانت الاسباب.
البناء العقائدي
العقيدة العسكرية هي ظل السياسة في الميدان، وهي الايمان المطلق لدى المقاتلين بعدالة القضية التي يقاتلون من اجلها وبذل الارواح في سبيل الدفاع عنها، وحرصهم السديد على تنفيذ الاهداف التي تنتهجها بلادهم واستعدادهم للذود عنها والموت في سبيلها.
وكانت العقيدة العسكرية العراقية، عقيدة وطنية وقومية، لا شرقية ولا غربية، تستمد قوتها ومقوماتها من العقيدة السياسية، وهي عقيدة عسكرية لم تكن تركن إلى الانتماءات الضيقة، بل تسمو إلى مستوى الخيمة الحاضنة للوحدة الوطنية بين صفوف أبناء القوات المسلحة والأمن باعتبارها حزب الوطن الكبير.
وإذا ما نظرنا الى الجيش العراقي الوطني ومنذ تأسيسه عام 1921 وعبر سني كفاحه ومسيرته الجهادية العملاقة ، نجد ان كافة وحداته العسكرية تشكل فسيفساء جميلة متنوعة ، ولكنها متحدة بالهدف، يسود أبنائها الإخاء والمودة والحب، يجمعهم حب الوطن والولاء لله ثم له وعرض أرواحهم مشاريع للاستشهاد من اجل الحفاظ على شموخه وهيبته وسيادته واستقلاله واستقراره. وتجد ابن البصرة الى جنب ابن الانبار والسليمانية والمثنى ونينوى وكركوك وديالى وميسان وكل المحافظات، ينامون في قاعة واحدة، وينهضون للتدريب الصباحي معا، يتناولون الطعام على طاولة واحدة، ويتحدثون مع بعض بإخوة صادقة وصداقة حميمة، ويؤدون الفرائض الدينية سوية دون ان يعرف احدهم عن الآخر او يسأله عن مذهبه او يناقشه في تفاصيل مؤذية تخرج عن حدود الحاضنة الوطنية. وبهذا التنوع كانت القوات المسلحة قد حققت أعلى وأغلى وسام لها، بانبثاقها من الشعب ورسم الصورة المصغرة له، والتعبير عن طموحاته، وهي بذلك أدركت عاليا مهامها الوطنية والقومية الحقيقية المناطة بها كقوة ضاربة بيد الشعب لا تأتمر إلا له للذود عن حياض الوطن وسيادته وأمنه والذود عن الامة العربية اينما يتطلب الموقف ذلك.
محطات من المآثر الوطنية
الحرب العراقية الإيرانية
في الوقت الذي كان يعد فيه الخميني لغزو العراق ودول عربية أخرى ، استطاع الجيش العراقي صد هجمات الجيش الإيراني و الحرس الثوري. فالحرب أخذت مدتها لثمان سنوات ، استطاع الجيش العراقي أن يدخل الى عمق الأراضي الإيرانية حتى وصل الى مشارف كرمنشاه. واستطاع الجيش العراقي السيطره على مدينة المحمرة وعبادان و كثير من مدن عربستان التي تقع في اقليم الاحواز ذات الغالبية العربية.
واثناء الحرب قام الجيش العراقي بالاستيلاء على المعسكرات الايرانية في المناطق التي سيطر عليها و اخذ اسلحتها من دبابات ومدرعات .. الخ. حيث كون اسطولا جديدا من الدبابات الايرانية نوع جيفتين Chieftain البريطانية الصنع ، وفي نهاية الحرب استطاع العراق الاستيلاء على ما يقارب من 700 دبابة من النوع المذكور وأهداها الى القطر الاردني الشقيق.
وكانت الحرب قد استمرت سجالا بين الطرفين حتى شهر نيسان / ابريل عام 1988 حيث شهدت تطبيقاً حياً للاستراتيجية العسكرية العراقية المعتمدة على العقيدة الدفاعية التعرضية.
فبعد أن تمكنت ايران من احتلال مناطق واسعة وشاسعة ومهمة من الاراضي العراقية الحدودية مثل مثلث الفاو ومنطقة الشلامجة وجزر مجنون النفطية ومنطقة الزبيدات ومناطق اخرى في القاطعين الاوسط والجنوبي من جبهات القتال، فإن العراق ومن عقيدته الدفاعية التي كانت لا تسمح بأي اختراق او احتلال لشبر واحد من الارض أعد خطة عسكرية تعرضيه طموحة كانت من افضل ما شهدته الاستراتيجية العسكرية العراقية من تطبيق لمبادئ الحرب وخاصة مبادئ المباغتة والتحشد والعمليات التعرضية والامن والشؤون الادارية وغيرها ليبدأ تنفيذها في السابع عشر من نيسان عام 1988بالهجوم على القوات الايرانية الهائلة التي رتبت دفاعاتها بصورة وبصيغة وباسلوب وحجم لا يمكن لأي مراقب او محلل او قائد عسكري في النظر بعين المنطق العسكري الاستراتيجي الى إمكانية اختراق الدفاعات والقطعات الايرانية المحتشدة والمدافعة في منطقة الفاو لما شملته تلك الدفاعات من تحصينات طبيعية واصطناعية متتالية وصعبة ، ولما تضمنته الدفاعات الايرانية من حشد ناري وبشري هائل الا ان القوات العراقية تمكنت من تحقيق نصر عسكري سريع ومباغت خلال مدة قياسية لم تتجاوز 36 ساعة فقط ..
ففي اليوم الأول من شهر رمضان المبارك انطلقت القوات العراقية من خطوط شروعها وانجزت مهامها قبل غروب اليوم التالي ثم توالت العمليات التعرضية العراقية في المناطق الاخرى المحتلة،
حتى انتهاء الحرب بالنصر العراقي المؤزر في الثامن من شهر اغسطس آب عام 1988 بعد أن فرض على ايران قبول قرار مجلس الأمن الدولي 598 وتم اعلان وقف إطلاق النار.
المؤامرة الكبرى ومعركة ام المعارك
انتجت الحرب العراقية الايرانية مليون مقاتل عراقي مدرب ومجرب يتحلون بروح معنوية عالية شكلت من وجهة النظر الصهيونية خطراً محدقاً حقيقياً على تواجد كيان العدو برمته على ارض العرب، والذي ادى الى إثارة ريبة الصهيونية من المتغير الجديد ، لتقرر الانتقال الى مرحلة استهداف العراق ..
ويبدو ان الموساد الصهيوني قد اعتمد على هذه الطروحات ليبدأ في عملية ضغط سياسي واعلامي واسعة النطاق ضد العراق وقيادته من خلال التركيز على امتلاكه لاسلحة الدمار الشامل. ثم بدأت خيوط هذه العملية تتحرك بكافة الاتجاهات وتحرك كل الاوساط الدولية والاقليمية ضد العراق ولعل واحداً من اهمها كان التحرك الأميركي والبريطاني ، حيث اعتمد التحرك الأميركي على الضغط الاقتصادي بايقاف صفقة الحبوب المتفق عليها والمدفوع ثمنها وما تلتها من ضغوطات اقتصادية.
أما الموقف البريطاني فتمثل بإرسال الجواسيس الى العراق والذي سرعان ما اكتشف امرهم وما آل اليه الحال في إعدام الجاسوس البريطاني من اصل ايراني المدعو ( بازوفت ) والذي خلقت بريطانيا بعد اعدامه ازمة سياسية ضاغطة ضد العراق، واسند الموقفين الأميركي والبريطاني بدعم من بعض الجهات العربية للاسف. واخذت الحرب الاعلامية الخبيثة بتشويه صورة العراق والتركيز والتضخيم لقدرات العراق العسكرية وتهديدها لما سمي بأمن منطقة الشرق الاوسط، وكأن العدو الصهيوني لا يمتلك شيئاً يذكر!
وأدى كل ذلك، وملابسات أخرى إلى دخول الجيش العراقي حربا غير متوزانة مع 35 دولة أولها الولايات المتحدة الأميركية التي خشيت تنامي نفوذ العراق وسعت لتأمين مصالحها في المنطقة، الامر الذي أدى إلى خسارة الجيش العراقي في هذه الحرب التي اخذت نحو شهراً ونصف من القتال المستمر. فالخسارة كانت كبيرة من قواته، من جنود ودبابات وطائرات اضافة لنزع الصورايخ البعيدة المدى التي ضرب بها العدو الصهيوني من نوع الحسين والعباس اضافة إلى فرض عقوبات على العراق ومنعه من التسلح من جديد.
وعلى الرغم من الخسارة التي تكبدها الجيش العراقي في هذه المعركة ، الا ان القوات الأميركية ايضا تكبدت خسائر اثناء المعركة بالقتال البري. ففي المعارك البرية في الكويت و جنوب العراق نجحت قوات الحرس الجمهوري العراقي بتدمير الكثير من الدبابات و المدرعات الأميركية على ايدي ابطال رجال المهمات الصعبة من الحرس الجمهوري . لذلك لجأت أميركا الى استخدام السلاح الجوي بكثافة هائلة والتركيز فيه على قوات الحرس الجمهوري ولمدة تجاوزت الاربعين يوما ليلا ونهارا وبشكل متواصل ، مما ادى الى خسارة الجيش العراقي وانسحابه من الكويت الى الصحراء العراقية انسحابا غير منظم.
واستمر بعد ذلك الحصار الشامل على العراق وقواته المسلحة الباسلة لمدة 13 عاما تخلله تبني ما يسمى بخطي العرض 32 و36 لتنفيذ ضربات جوية يومية على العراق خارج اطار موافقة مجلس الامن الدولي حتى تم لهم غزو واحتلال العراق في التاسع من نيسان/ ابريل عام 2003 بجيوشهم الجرارة في محاولة بائسة لاطفاء شعلة الجيش العراقي الباسل الذي تمكن بعد أن نزع بزته العسكرية وبالتعاون مع مختلف فصائل المقاومة الوطنية من طرد المحتل الأميركي بعد تكبده الخسائر الهائلة في الارواح والاسلحة والمعدات عام 2011.
محطات من المآثر القومية
كان جيش العراق بحق جيش الأمة العربية فجعل من قضية فلسطين تاجاً على رأسه وارتبط اسم فلسطين باسم جيش العراق ولم يتخلف عن الجهاد ضد الصهاينة الغاصبين وما تزال ارض جنين تحتضن بكل حب ووفاء رفات شهداء جيش العراق، فيما يعبق دم الشهداء بعطره أرض الجولان وجبل الشيخ وسيناء .
شارك الجيش العراقي في حرب فلسطين عام 1948 وكان هو أحد الجيوش العربية التي أبلت بلاءً حسنا إلى جانب إخوانهم الفلسطينيين ، فألحق الهزائم بالعصابات الصهيونية وشارك في تحرير قسم كبير من فلسطين وكان على وشك إسقاط تل أبيب لولا المؤامرة الدولية التي أوقفت القتال يوم 11 حزيران/ يونيو 1948 مما فسح المجال أمام العصابات الصهيونية لإعادة تنظيمها من جديد وبعد استئناف القتال بقي الجيش العراقي يحارب ببسالة إلى جانب قوات الجهاد المقدس الفلسطيني وعندما انتهت الحرب رفض العراق توقيع اتفاق الهدنة مع الصهاينة، وقد اجمع المراقبون انه لولا الجيش العراقي لكان الصهاينة قد احتلوا كل فلسطين عام 1948 ولما بقيت الضفة الغربية في يد الأردن آنذاك.
ويستذكر الفلسطينيون بطولات الجيش العراقي حيث توجد في جنين شمال فلسطين بالضفة الغربية مقبرة لشهداء الجيش العراقي التي قاتل فيها العراقيون. ونظرا للاحترام الفائق والاهتمام الكبير من قبل الشهيد المهيب الركن صدام حسين يرحمه الله بالشهداء فقد أمر في عام 2002 بتشكيل لجنة تتولى إعادة أعمار مقبرة الشهداء في جنين بالرغم من سيطرة الكيان الصهيوني على المنطقة.
ووجه يرحمه الله باتخاذ كافة السبل اللازمة لتنفيذ هذا الأمر بالاتفاق مع السلطة الفلسطينية. ورصدت المبالغ لذلك وتم رسم الخرائط التصميمية إلا إن المشروع لم يكتمل بسبب الاحتلال الأميركي الغاشم للعراق.
كما ان مقبرة الشهداء في منطقة المفرق بالأردن ستبقى شاخصة وشاهدة على أن جيش العراق هو جيش الأمة العربية اينما يتطلب ذلك ..
وفي حرب 1967 أشاد المراقبون لمسار الحرب باستبسال الجيشين العربيين الأردني والعراقي حيث كان الأول متمركزاً في القدس فيما تمركزت القطعات العراقية شمال الضفة الغربية ، لكن عدم وجود التخطيط المسبق والتنسيق المباشر بين هذه الجيوش والجيوش العربية الأخرى ادى إلى هزيمة الخامس من حزيران المنكرة وسقوط كل من الضفة الغربية و قطاع غزة والقدس الشرقية بالإضافة لشبه جزيرة سيناء المصرية وهضبة الجولان السورية بيد العدو الصهيوني. أما في حرب تشرين الأول/ أكتوبر 1973 فقد قام الجيش العراقي بدور بطولي عندما ساهم في إيقاف التقدم الصهيوني تجاه العاصمة السورية، بعد أن زحف بدباباته على السرف ( الجنازير ) وتوجهت كل من الفرقتين المدرعتين الثالثة والسادسة من أعماق العراق إلى الجبهة السورية لعدم توفر ناقلات الدبابات الكافية لنقل كامل القوات التي قررت القيادة العراقية المشاركة بها في القتال، مما أدى إلى تغيير في موازين القوى، فألحق بالجيش الصهيوني خسائر فادحة. أما على الجبهة المصرية فكان رئيس هيئة اركان الحرب المصرية، المرحوم الفريق سعد الدين الشاذلي، قد زار العراق قبل الحرب بثمانية أشهر طالبا امكانية الدعم العراقي للحرب دون الاشارة الى موعد نشوبها.
وبالحال ارسل العراق السربين 66 و29 من طائرات هوكرهنتر واللذين شاركا في الضربة الاولى فأصابت الطائرات العراقية اهدافها بشكل دقيق ودمرت مدافع مقاومة الطائرات والعديد من الدبابات الصهيونية في المحور الاوسط من شبه جزيرة سيناء، وفيها ارتقى ثلاثة من الضباط الطيارين شهداء خالدين عند ربهم يرزقون.
وحال بدء الحرب زار الشهيد صدام حسين فرنسا وقدم للفرنسيين شيكاً مفتوحاً لدعم مصر في مجال المعدات العسكرية، كما قدمت القيادة العراقية مبلغ سبعة ملايين جنية استرليني للقيادة المصرية لدعم مجهودها الحربي.
وختاماً، لابد من القول هكذا كان جيش العراق الوطني الباسل جيشا للنصر وجيشا للشهادة وجيشا للعراق وجيشا للأمة العربية بأسرها، وهذا ما يشهد به تاريخه المجيد عبر سنينه المجيدة.