في وسائل المواجهة مع العدو الصهيوني تبقى المقاومة الشعبية السلاح الأقوى

في وسائل المواجهة مع العدو الصهيوني

تبقى المقاومة الشعبية السلاح الأقوى

 

حسن خليل غريب

– الحلقة الأولى-

 

مقدمة

لقد طرحت عملية (طوفان الأقصى)، في السابع من تشرين الأول 2023، انطلاقاً من قطاع غزة الكثير من الأسئلة، عن أسباب تنفيذها، ومدى أثرها في معرض الصراع العربي – الصهيوني.

 

ولأن التجربة التاريخية أكدت الاستراتيجية التي أطلقها حزب البعث العربي الاشتراكي منذ تأسيسه في العام 1947، والتي تلخصها مقولة القائد المؤسس (فلسطين لن تحررها الحكومات، بل الكفاح الشعبي المسلح كان لا بد من أن نضع علمية (طوفان الأقصى) في موقعها السليم في الاستراتيجية الشعبية لتحرير فلسطين، حتى وإن كانت معركة هجومية بوسائل تعتمد معارك نظامية بنوعية سلاحها والتجديد في ابتكار عملياتها، لكنها اعتمدت على وسائل شعبية ظهر فيها عامل الابتكار العربي.

ولأنه لا يمكن قراءة أهمية تلك العملية من دون الإحاطة بالظروف الدولية والعربية الراهنة التي سبقتها، سنستعرض بإيجاز تلك الظروف، التي بمعرفتها يمكننا الإحاطة بأهميتها.

فبالنسبة الى الظروف التي سبقت العملية نلخص بعضها فيما يلي:

1-   لقد شهد العقدين الاخيرين من القرن الماضي والى حد اليوم هجوما غير مسبوق على اغلب اقطار الامة العربية، فأخذت الأمة تواجه منذ ذلك الوقت تحديات تستهدف وجودها وهويتها بالصميم. وكان من آثار ذلك أن لفَّ الجمود مواقف الأنظمة الرسمية العربية والإقليمية والدولية بالنسبة للقضية الفلسطينية حتى بدت وكأنها اختفت عن اهتمام تلك المنظومات.

2-   وباستثناء العمليات البطولية للمقاومين الفلسطينيين في الضفة الغربية التي لم تهدأ، إلا أن ما أضعف تأثيرها أنها كانت في واد، وردود الفعل عليها من العالم بأكمله في واد آخر. وفي المقابل الآخر، كانت قوى اليمين المتطرف في الكيان الصهيوني تعمل على خط قضم ما تبقى من اتفاقية أوسلو من جهة، وكانت الإدارات الأميركية تعمل على تقويتها وتساعدها على عقد اتفاقيات التطبيع مع بعض الأنظمة العربية الرسمية من جهة ثانية، بينما كانت بعض الأنظمة تسعى الى توقيع على تلك الاتفاقيات حماية لها من الخطر الايراني الداهم والذي يهدد باحتلالها وتقسيمها بمساعدة امريكية من جهة ثالثة.

3-   في هذه الظروف، كان لا بدَّ من وجود حدث ما يعيد تحريك القضية الفلسطينية، فكانت عملية (طوفان الأقصى) التي كانت بمثابة الزلزال الذي أيقظ العالم بأكمله، غربه وشرقه، على القضية الفلسطينية التي اصبحت تشكِّل (أم القضايا) للعالم كله، بدوله الرسمية وشوارعه الشعبية ومنظماته الإنسانية.

4-   لم يمر تأثير زلزال (طوفان الأقصى)، ولن يمر من دون فرض خطاب جديد ورؤية جديدة للقضية الفلسطينية، وقد تأتي بحلول جديدة قديمة. وتلك الحلول سيكون حدها الأدنى العمل على تفعيل المبادرات العربية التي سبق وان اقرتها القمم السابقة.

5-   وأخيراً، أمام الأنظمة العربية الرسمية فرصة استثمار قوة الدعم الدولي والشعبي العالمي، التي خلقتها دماء الفلسطينيين الغزيرة، وأرواحهم الطاهرة، وتضحياتهم الهائلة الاخرى التي ليس اخرها تدمير ممتلكاتهم بالكامل، فالعبرة في أن من لا يستقوي بغزارة التضحيات من مقاتلي المقاومة، وتضحيات أطفال فلسطين ونساءها وشيوخها، فسوف يكون مصيره إلى المجهول.

 

وخلاصة القول: إنه ظرف ثمين أمام العرب رغم انه شائك ومعقد، خاصة وأنهم يملكون اوراقا قوية في مواجهة الخارج، أن يكون لهم الدور الأساسي والحاسم في الدفاع عن القضية الفلسطينية والحصول على حقوق فلسطين، وهذا يقتضي منهم بتر الأيدي الخارجية، وخاصة الإقليمية وبالتحديد النظام الايراني، من العبث بقضايا العرب، والمتاجرة بدمائهم من اجل وضع يدهم على قضايا الامة والتحكم بها، خدمة لمشاريعهم الاستعمارية في اجتياح الوطن العربي.

 

استراتيجية البعث حول تحرير فلسطين

لم يكن يساور حزب البعث العربي الاشتراكي الوهم، منذ احتلال فلسطين، أن النظام العربي الرسمي سوف يحررها. وقد عبَّر عن هذه الحقيقة القول الذي أطلقه القائد المؤسس احمد ميشيل عفلق في العام 1948، وفيه قال: (إن فلسطين لن تحررها الحكومات، بل الكفاح الشعبي المسلَّح). وقد جاءت الأحداث التاريخية لتثبت صحة الاعتقاد بشقيه:

  • الأول بأن الأنظمة الرسمية لن تحرر فلسطين.
  • وشقه الثاني، بأن الكفاح الشعبي هو الحل الاستراتيجي لتحريرها. اخذين بنظر الاعتبار حقيقة ان الأنظمة العربية التي تأسست بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية في العشرية الثانية من القرن العشرين، أراد وخطط لها مهندس اتفاقية سايكس بيكو لإقامة دول عربية تحكمها أنظمة رسمية تندمج تماماً مع مصالحه في الاستيلاء على الوطن العربي وثرواته. وسعى بكل قوته وامكانياته لتنفيذ هذا الهدف وتحطيم اي نظام يشذ عنه وبأية طريقة.

فبالنسبة للشق الأول، فقد برهنت على صحته أهم الأحداث القديمة والجديدة.

وأما القديمة منها فهي ما حصل في الحرب العربية – الصهيونية في سنة 1948، حيث سجَّل الكيان الصهيوني انتصاراً على الجيوش العربية التي شاركت في الحرب حينذاك، ليس لضعف في تلك الجيوش اطلاقاً، بل لتواطؤ في إدارة الحرب من قبل الأنظمة الرسمية في تلك المرحلة. حيث كانت تخضع هي من جهة، والعصابات الصهيونية من الجهة الأخرى، إلى قيادة واحدة وهي الادارة البريطانية.

هذا من جهة، ومن جهة اخرى فان فلسطين لا تحررها الانظمة والدول لأن الدول بطبيعتها، أياً كانت، بالرغم من كبر امكانياتها، إلا أنها تتكون من مؤسسات واضحة ومكشوفة، لذا تكون الدولة صعبة الحركة وقليلة المرونة، وبالتالي يسهل استهدافها وعلى كافة الأصعدة، عسكرياً واقتصادياً ودبلوماسياً وغيرها.  وكما حدث لعدد من الدول العربية في تاريخنا المعاصر.

لذا فإن حركة وفعل الجماهير المنظمة ضمن أطر غير رسمية، هي أكثر فاعلية ومرونة إزاء الاستهداف.

وبالنسبة للشق الثاني الذي جاء في المبدأ الاستراتيجي الذي أعلنه المؤسس احمد ميشيل عفلق، فقد أثبت صحته مظهران من المقاومة، وهما:

  • الأول: انطلاقة المقاومة الفلسطينية في الأول من كانون الثاني من العام 1965. التي واكبها حزب البعث العربي الاشتراكي بكل أنواع المشاركة والدعم والمساعدة. تلك الانطلاقة شدَّت إليها الشعب العربي، واستقطبت كل الكفاءات الثورية العربية، تنظيراً ودعما وانخراطاً عسكرياً في صفوفها.
  • الثاني: الانتفاضات الشعبية داخل الأرض المحتلة، التي ابتدأت في أواسط الثمانينيات من القرن العشرين، ولا زالت حتى الآن تتجدد وتتصاعد من فترة إلى أخرى، وكان من أشدها تأثيراً ثورة القدس التي اندلعت في شهر أيار من العام 2021، وما أحدثته من تداعيات على المستويين العربي والدولي. والتي ذكَّرتنا بتلك التأثيرات التي أحدثتها الانطلاقة الأولى للثورة المسلحة في العام 1965.

ومن أجل استكمال البحث في تقديم قراءة للنهج الشعبي المقاوم في هذه المرحلة. ولما أحدثته الحراكات الشعبية في مقاومة التطبيع من أثر بالغ، سنتناول في الحلقة الثانية تأثير (المقاومة الشعبية) ليس في مقاومة التطبيع فحسب، بل في مقاومة الاحتلال الصهيوني أيضاً.

 

يتبع لطفاً..

Author: nasser