بيان نعي الشاعر العربي الكبير كريم العراقي
بسم الله الرحمن الرحيم
{وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَموتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مؤَجَّلًا وَمَنْ يرِدْ ثَوَابَ الدنْيَا نؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ}.
صدق الله العظيم
ببالغِ الحزنِ وعميقِ الأسَى، وبقلوبٍ مؤمنةٍ بقضاء الله وقدره ينعى مكتب الثقافة والاعلام القومي الى شعبنا العراقي وأبناء أمتنا العربية المجيدة، شاعر الأمة الكبير كريم عودة العراقي الذي توفاه الله في الأول من أيلول الحالي أثر مرضٍ عضالٍ ألمَّ به نتيجة الغربة، والمعايشة الوجدانية لما يعانيه ابناء شعبه وامته من اهوال، والتعبير عنها بصوت وطني وقومي حرّ ومقاوم، حتى اخر ايام حياته.
والشاعر الفقيد من مواليد عام1955م، في كرادة مريم من بغداد الرشيد الشامخة بالعِزِّ والمجدِ والكبرياء، وأنهى دراسته الأولية فيها وتخرَّج من معهد المعلمين فحصل على دبلوم علم النفس وموسيقى الأطفال. ثمَّ عمل معلِّماً في مدارس العاصمة بغداد لسنواتٍ عدةٍ، رُقِّيَ بعدها الى مُشرفٍ مُتخصِّصٍ في كتابة الأوبريت المدرسي. كان الفقيد رحمه الله شاعراً موهوباً يمتلك ملَكَةً فذَّةً في نظم الشعر، خاصةً المُوَجَّه الى الأطفال والنشيء الجديد منذ صباه وهو في المرحلة الابتدائية، حيث بدأ الكتابة والنشر في سنٍّ مبكرةٍ، نشرت له معظم المجلات العراقية. وقد تنوَّعت اهتماماته ومواهبه الأدبية وشملت الشعر الشعبي، والأوبريت والمسرحية، فضلاً عن اهتمامه بالثقافة والأدب، والقصائد التي تُحاكي الأطفال وتزرع فيهم القيم السليمة والهمم باعتبارهم قادة المستقبل. وقد ابدع في القصائد الوطنية المغنّاة وفي مقدمتها قصيدته: (الشمسُ شمسي والعراقُ عراقي)، والتي ألهم فيها الملايين من أبناء العراق للصمود بوجه أقسى حصار شامل عرفه التاريخ.
وكانت للشاعر الكبير كريم العراقي رحمه الله وقفاتٌ ومواقفٌ وطنيةٌ شجاعة ومخلصة تُعبِّر عن ولائه الصميم لأمته العربية وللعراق وشعبه الأبيّ، فقد كان له موقفٌ وطنيٌّ مشرِّف في معركة الشرف والكرامة ضدَّ العدوان الإيراني الفارسي العنصري، معركة القادسية الثانية، فكان مقاتلاً بين المقاتلين الشجعان في الدفاع عن العراق والأمة العربية المجيدة من خلال الكلمة والقصيدة والأغنية التي كانت تُشجِّع وتُحفِّز جُند العراق والامة الأشاوس وتشدُّ من أزرهم في مواجهة الهجمة العنصرية الصفوية في سنة1980م وما تبعها من سنوات القتال الأسطوري الشرس الذي أبداه العراقيون والعرب في سبيل الذود عن حياض البوابة الشرقية للوطن العربي وترابه الغالي، حيث تمَّ تكليفه خلالها بالعمل في قسم العلاقات والاعلام العسكري.
لقد كانت أرض الوطن العربي ولم تزل تُنجب القادة والعلماء والمفكرين والأدباء العرب، فهي معينٌ لا ينضب فكان شاعرنا الكبير أحد هؤلاء النجباء الذين أنجبتهم الامة العربية الولود المعطاء، وكأيِّ عربي مخلصٍ لتربة هذا الوطن العريق، غيورٌ على ترابه الغالي الطهور فإنَّه لم يفتر أو يتقاعس لحظةً في الكتابةِ ونظم الشعر الوطني من أجل العراق وقضيته وما عاناه شعبه الأبيّ بعد العدوان الثلاثيني الغاشم وما تبعه من حصارٍ جائرٍ، حرمَ حتى أطفال العراق من الحليب والدواء الخاص بهم، فكانت قصيدته المُغنَّاة… (تَذَكَّر)، لتُعبِّر عن معاناة شعبٍ بكامله تجرَّع الضَيم والعذابات بفعل الظلم والجور الذي وقعً عليه في تسعينيات القرن الماضي، والذي يستمر إلى اليوم حيث يكابد هذا الشعب كلّ صنوف الأذى والآلام بفعل الاحتلالين الأمريكي والفارسي، وتنصيب عصابات مارقة تتسلَّط على رقاب أبناء الرافدين الغيارى وغيرهم من ابناء العروبة في سوريا ولبنان واليمن. وهكذا طوَّع الفقيد الكلمة في حبِّ العراق وشعبه، فأثبتَ بكلِّ جدارةٍ أنَّه ابن العراق والأمة العربية البَارّ.
لقد أكَّدَ شاعر الأمة الكبير على عمق انتمائه لأمته العربية من خلال نشاطه الأدبي والفنِّي على المستوى القومي، فقد عمل محرَّراً صحفياً في عدَّة مجلات عربية منها في مصر والسعودية والإمارات العربية المتحدة، كما أنَّه تعاون مع عدد من الفنانين العرب من الخليج الى المحيط في انتاج أغانٍ وألحانٍ من قصائدٍ نظمها تُحاكي كلّ أبناء الأمة وليس أبناء العراق وحدهم.
كان الفقيد عضواً في جمعية المؤلفين وناشري الموسيقى العالمية، وهو حاصلٌ على جائزة منظمة اليونسيف لأفضل أغنية انسانية عن قصيدته (تَذَكَّر)، وله عدَّة مؤلفات ودواوين مفعمة بالقيم العليا أهمّها: سالم ياعراق، وحكايات بغدادية، كما قدَّم مجموعة قصص وسيناريوهات لعدد من الأفلام السينمائية الهادفة، وصدر له كتاب ( هنا بغداد) المتضمن قصائد شعرية تُمَجِّد العراق وبغداد حاضرة الأمة وعنوان فخرها ومجدها.
ستبقى كلمات شاعر الأمة الكبير منارة للأجيال تهتدي بها لكل المعاني الوطنية والقومية وقيمها المجيدة، وتستلهم منها الصمود والمطاولة والتحدي لإفشال كل المخططات الشريرة التي تستهدف الامة العربية في هويتها ووجودها.
نسأل الله تعالى أن يشمل فقيد الأمة الشاعر كريم العراقي بواسع رحمته، ويُدخله فسيح جنَّاته، ويُلهم أهله وذويه ومحبيه على مساحة الأمة العربية جميل الصبر والسلوان.
وإنَّا لله وإنَّا اليه راجعون.
مكتب الثقافة والإعلام القومي
2/9/ 2023م