سلسلة منجزات ثورة البعث الحلقة الثامنة: ثورة تموز، ثورة المنجزات والتحديات.

ثورة 17 تموز، ثورة المنجزات والتحديات

بمناسبة الذكرى السنوية لقيام ثورة السابع عشر من تموز المجيدة عام 1968، يسر مكتب الثقافة والإعلام القومي أن يقدم بهذه المناسبة العزيزة على قلوب العراقيين والعرب جميعاً سلسلة من المقالات التي تتناول بعض جوانب التحولات الجذرية التي أحدثتها الثورة والإنجازات العظيمة التي حققتها خلال قيادتها للحكم الوطني في العراق للفترة 1968 -2003م.

سلسلة منجزات ثورة البعث

الحلقة الثامنة: ثورة تموز، ثورة المنجزات والتحديات

نبيل عبدالله

 

لم يكن ما حدث في السابع عشر من تموز 1968 حدثاً تاريخياً عابراً في حياة العراقيين، ولا مجرد تغيير سياسي انتقلت فيه السلطة من يد إلى أخرى، بل كان تغييراً ثورياً عميقاً في بنية المجتمع العراقي، حقق تحولات جذرية واسعة التأثير عمودياً وأفقياً في مجالات الحياة كافة.

لقد وضعت ثورة تموز العراق على عتبة مرحلة جديدة مختلفة كلياً عن المراحل التي سبقتها، وأحدثت نهضة شاملة في كل أنحاء العراق، نهضة حققت تحولات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وقيمية جذرية في الحياة العراقية بما اتخذته من قرارات نوعية مؤثرة ومن اجراءات فاعلة مبدعة.

ولم يكن إبداع ثورة 17 تموز في اتخاذ القرارات فحسب، ولا في تنفيذ تلك القرارات بإجراءات على الأرض فقط، وإنما كان من أهم سمات الابداع التي تحققت في ظل ثورة تموز هو ذلك العزم الأصيل والإصرار الواعي على تحقيق تلك التحولات، فبقدرما كانت المهام جسيمة جبارة، كان عزم قادة الثورة عالياً وسعيهم راسخاً في معارك الانجاز ومواجهة التحديات التي كانت تُنصَب عمداً في كثير من الأحيان.

فعلى صعيد الوحدة الوطنية فقد تم تشكيل الجبهة الوطنية  والقومية وكان اعطاء حقوق الاقليات في العراق و قرار الحكم الذاتي في 11 آذار 1970 مفصلاً مهماً لتحقيق هدف وحدة الشعب، وهو هدف لازم لتحقيق التحولات الاجتماعية والاقتصادية الحقيقية الكبرى، حتى اعتبر هذا القرار وثيقة انسانية فريدة في تحقيق التلاحم الوطني، الذي كان هدفاً بعيد المنال في تصور الكثير من العراقيين، حيث انتهت حالة الاقتتال في شمال العراق بتثبيت الحقوق القومية للمواطنين الأكراد في إطار وحدة الوطن والشعب والمصير.

ولأن الإنسان هو أسمى قيمة للثورة لذا فإن رعايته شكلت أهم أهدافها ففي مجال الرعاية الصحية، تم التوسع في تطوير الكوادر الطبية وجعلها على أعلى مستوى من التأهيل العلمي كما تم إنشاء المستشفيات والمراكز الصحية وتنظيم الحملات العلاجية والوقائية والبحثية في عموم أنحاء العراق، وتم تعزيز نظام التأمين الصحي الشامل بجعل كل الخدمات الطبية مجانية وفي كل مستوياتها، فضلاً عن العلاج خارج القطر حسب الحاجات والإمكانيات.

وعلى الصعيد التربوي والعلمي، كانت قرارات التوسع في بناء الجامعات في أنحاء الوطن والتوسع في الابتعاث الخارجي بحسب متطلبات التنمية الشاملة، وقرارات إلزامية التعليم ومجانيته في كل مراحله، وقرارات محو الأمية، وقرارات إعداد المناهج الدراسية وبناء الكوادر العلمية المتخصصة على وفق متطلبات الفكر القومي والوطني، وبما يحقق أهداف النهوض الحضاري التاريخي الشامل.

 وشهد القطاع الثقافي والأدبي والإعلامي الكثير من التطوير والتحديث، من خلال التوسع في المؤسسات الفكرية والثقافية والصحفية والإعلامية وتعزيزها بالخبرات والامكانيات فشهدت حركة التأليف والإنتاج الفكري والثقافي والفني نهضة غير مسبوقة.

 كما تبوأت المرأة بفضل رعاية ثورة تموز وحرصها مراكز متقدمة وقيادية في كافة مفاصل الدولة وشاركت في جميع مواقعها وفعالياتها، حتى أثبتت كفاءة عالية في جميع المهام الموكلة لها، وكانت مع شقيقها الرجل في خدمة مهام التطوير والنهوض والتحديث، ومهام الدفاع المجيد عن الثورة والوطن ومكتسباتهما.

 وتعبيراً عن مبادئ حزب البعث العربي الاشتراكي ونهج الثورة المؤمن بقيم الإسلام الحنيف وتعزيز تلك القيم ونشرها ومن اجل الاهتمام بالجوانب القيمية والايمانية الأصيلة في مجتمعنا العراقي، فقد حرصت الثورة على تحقيق الموازنة بين الاصالة والمعاصرة فحافظت على المجتمع العراقي من تسلل الأفكار المتسيبة او المتطرفة والمشبوهة، وقادت حملات دينية إيمانية واسعة وعميقة  إضافة إلى تطوير الجوامع والمؤسسات الدينية وبناء الكثير منها، وحمايتها من العبث والاستغلال السياسي من قبل أطراف داخلية أو خارجية، وكانت الحملة الإيمانية التي شهدها العراق في عقد التسعينات، وجذورها منذ مطلع عقد الثمانينات، عامل توعية وتوازن وحماية وتحصين في المجتمع العراقي .

 ولإشاعة الممارسات الديمقراطية الحقة فقد تعمق دور قطاع مؤسسات المجتمع المدني و شهد العراق نهضة في المجال النقابي حيث أنشأت النقابات والجمعيات والاتحادات الجماهيرية وتم تعزيزها وتطويرها لتمارس دورها الديمقراطي في تفاعل قطاعات الشعب التي تمثلها مع قيادة الدولة وعمل مؤسساتها اليومي.

أما على الصعيد الاقتصادي التنموي أنجزت ثورة تموز جملة من أهم التحولات، من بينها قرار تأميم النفط الخالد، بكل ما يعنيه من تحدٍ للشركات الاحتكارية والدول الاستعمارية التي تقف وراءها، وما تبعه من قرارات تتعلق بتطوير القطاع النفطي واستثمار المعادن الاخرى واهمها الفوسفات والكبريت، استكشافاً واستخراجاً وتصنيعاً وتصديرا، والقرارات التي أحدثت التنمية الانفجارية، وقرارات تطوير القطاع الصناعي.

ففي مجال تطوير القطاع الصناعي تم إنشاء:

  1. المؤسسة العامة لصناعات الغزل والنسيج
  2. المؤسسة العامة للصناعات الكيمياوية والغذائية
  3. المؤسسة العامة للصناعات الانشائية
  4. المؤسسة العامة للصناعات الهندسية
  5. المؤسسة العامة لصناعات الألبسة والجلود والسكاير
  6. المؤسسة العامة للتصميم والانشاء الصناعي
  7. المؤسسة العامة للكهرباء
  8. المؤسسة العامة للمعادن

وغيرها كثير.

كما تم الاهتمام بقطاعات الحديد والصلب والبتروكيمياويات والأسمدة، حيث أنشأت لهذا الغرض العديد من المصانع العملاقة لتلبية حاجة البلاد، وتصدير ما يفيض من منتجات اتسمت بالجودة العالية.

وشهدت قطاعات الاسكان والتعمير ومشاريع النقل والمواصلات نهضة كبيرة جدا، لأهميتها في عمليات التشييد والبناء النهضوي الذي شهده العراق، وتم رفد هذه القطاعات بمزيد من الخبرات والامكانيات الفنية والمالية من خلال عدد من المؤسسات التابعة لوزارة الاسكان والتعمير، ومنها :

  1. المؤسسة العامة للطرق والجسور
  2. المؤسسة العامة للإسكان
  3. المؤسسة العامة للمباني
  4. المؤسسة العامة للمقاولات الانشائية
  5. المركز القومي للاستشارات الهندسية
  6. المركز القومي للمختبرات الانشائية
  7. مركز الادريسي للاستشارات الهندسية

وبينما أنشأت ثورة تموز، أو طوَّرت، شبكة كبيرة جداً من الطرق الحديثة السريعة والاعتيادية والطرق الريفية والجسور والسكك الحديد، فإنها أنشأت العديد من المطارات المدنية في بغداد والموصل والبصرة، وجهّزت القواعد العسكرية المنتشرة في أنحاء البلاد لإتاحة الفرصة لاستخدامها في المجال المدني، عند الحاجة، وهنا تجدر الاشارة إلى أن جميع المطارات التي أعلن عن إنشائها في المحافظات بعد احتلال العراق انما تم انجاز كامل بنيتها التحتية من مدارج وشبكات رادارية وغيرها قبل غزو العراق، حيث لم يُنجز المحتلون وعملاؤهم في هذا المجال سوى بعض البنايات البسيطة لاستقبال الركاب، وبطريقة بائسة ولأغراض لا علاقة لها باحتياجات العراق الحالية.

 

وفي المجال الزراعي نفذت ثورة تموز العديد من السدود العملاقة اضافة الى حملات استصلاح الاراضي الجرداء في وسط البلاد وجنوبها لغرض توسيع رقعة الارض الصالحة للزراعة، وتوسيع شبكات الري وإعادة تنظيمها بالتوسع في بناء النواظم وزيادة خزين البحيرات ومد القنوات والانابيب لنقل المياه الى الأراضي الزراعية في أنحاء العراق.

كما عملت الثورة على معالجة ملوحة الارض بشكل جذري وحاسم من خلال عدد من المشاريع الاستراتيجية من بينها شق النهر الثالث الذي يتوسط نهري دجلة والفرات لامتصاص الملوحة من الاراضي المزروعة على طرفي النهرين.

وقدمت الثورة وسائل الزراعة الحديثة للمزارعين بأسعار رمزية، وبنت العديد من القرى النموذجية لإسكان الفلاحين، كما وزعت أراضٍ زراعية على خريجي كليات الزراعة مجاناً لإقامة مشاريع زراعية نوعية، وتوسعت في بناء مشاريع الثروة الحيوانية والعناية بها حتى حققت الامن الغذائي في هذا القطاع.

وتجسيداً لأهم ملامح الفكر الاشتراكي الخاص المميز لحزب البعث العربي الاشتراكي قائد الثورة مفجرها ، في ضرورة نهوض القطاع الخاص بجانب من المهام التنموية للمجتمع جنبا الى جنب وفي تكامل مخَطَط مع جهود الدولة لتحقيق النهضة المنشودة ، كان لابد من إنشاء مصارف متخصصة لدعم هذا الدور ، فتم إنشاء أو دعم المصارف الصناعية والعقارية والزراعية التي ساهمت في انتعاش كافة القطاعات الانتاجية .

وجاءت النهضة المتحققة في مجال الصناعات العسكرية لتؤكد امتلاك العراق لحلقات متقدمة في التقنيات الصناعية والعلمية، وهي إنجازات لم تكن لتتحقق لولا النهوض والتطور في مجالات أخرى ساندة، في مقدمتها القطاعين العلمي والعسكري.

وخلال سنوات الثورة المجيدة بنى العراقيون مؤسستهم العسكرية الوطنية على مزيد من قواعد الخبرة العلمية والعملية، وخاصة بعد أن قدّمت لهم المعارك الوطنية والقومية، التي خاضها العراق دفاعاً عن سيادته وأمنه وعن الأمة العربية وسيادتها وأمنها، خبرات ميدانية هائلة وفّرت للجيش العراقي تجارب بالغة العمق على صعيد التخطيط والتجهيز وبناء العقيدة العسكرية.

 وعلى المستوى القومي قدّمت ثورة تموز الدعم للدول العربية الشقيقة في كافة المجالات، ولم تبخل بتوفير ما يحتاجه الأشقاء العرب بما في ذلك المساعدات المالية والتقنية والخبرات الفنية في مختلف المجالات حتى العسكرية منها كما استضاف العراق عدداً كبيراً من الاتحادات والمنظمات العربية، وقدّم الدعم والاسناد لها، في كل المجالات، لتعزيز قضايا الأمة العربية وتأكيد حقوقها في المحافل الدولية.

إن هذه الرؤية الاستعراضية السريعة لمنجزات ثورة تموز في القطاعات المختلفة، وفي مناحٍ عميقة وجذرية قد نجحت بسبب التفاف الشعب العراقي حولها ودعمها ومساهمتها الفعالة في تحقيقها وانجاحها .  كما انها لم تتحقق بسهولة ويسر، كما قد يظن البعض، بل كانت في حقيقتها عمليات تحد شاملة وجدية، واجهتها قيادة ثورة تموز بالإصرار والابداع رغم ظروف الحرب والحصار وعوامل التعويق السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية التي واجهتها، وإن خير ما نقوم به، كعراقيين، في هذا الصدد هو إنصاف ثورة تموز وبيان جهودها والاعتراف بما حققته من منجزات وتحولات، يسعى المحتلون والعملاء المتحكّمون بالعراق اليوم إلى إنكارها والتقليل من شأنها وحرفها عن سياقها الصحيح، وهم الذين لم ينجزوا في العراق شيئاً ولم يقدّموا لأبنائه إلا القتل والدمار والخراب والفساد وإشاعة الارهاب والفتن الطائفية والعرقية والسياسية في صفوف أبناء الشعب، وتحويل العراق من دولة ناهضة على طريق التنمية الشاملة إلى دولة فاشلة بكل معاني الكلمة، ومن عامل أمن واستقرار وحماية للأمة، إلى مصدر للفتن والارهاب والتخريب في أقطارنا العربية كافة، وخاصة المجاورة منها للعراق.

 

Author: nasser